صحة

السيجارة سلاح نووي!

نجح؟ لم ينجح؟ سينجح؟ سقطت كل أوراق الوردة ونحن نحاول أن نتنبأ، بينما نقتطع أوراقها واحدة واحدة، بمصير سيجارة وعبقة وقرار وقانون… هو، مبدئياً، قرار مبني على قانون، والقرار، أي قرار، يُفترض أن يكون حاسماً، حازماً، جلياً والا سميناه محاولة فاشلة أو قراراً مع وقف التنفيذ! قرار منع التدخين اذاً في لبنان يبقى الى أجل، مجرد محاولة فاشلة محاطة، لحسن الحظ، ببعض النوايا الصادقة التي تُشبهُ في اطارها: الصراخ في البرية!

«نَحرُ» قرار منع التدخين في لبنان على قدمٍ وساق والعملُ الحثيث من أجل إرساء منع التدخين و«السلامة العامة» يمضي بخجلٍ، وبين ما يمشي على جناح السرعة وما يعبر بخجلٍ، يجيء ويمضي يوم التدخين العالمي مثل النسمة، أشبه بظلٍ، بالكادِ يُلمس!
ولئلا تمرُ هذه السنة، سنة 2013، مجدداً بلا لونٍ ولا طعم، تُوجت بتكريمٍ مُذيلٍ بتوقيعِ منظمة الصحة العالمية في بيروت لصوتين يهدران من زمان بشعار: أوقفوا التدخين… رئيس لجنة الصحة النيابية الدكتور عاطف مجدلاني ومنسقة مجموعة البحث للحد من التدخين في الجامعة الأميركية في بيروت الدكتورة ريما نقاش كُرما، وبهذا الفعل تحطمت من جديد آمال من يراهنون على أن تظل مساعي من يطالبون بحظر التدخين في الأماكن العامة مجرد… صراخ!

المدخن… المجرم؟!
في كلِ حال، لكلِ سنة، في إطار حملات منع التدخين، شعار، وشعارُ منظمة الصحة العالمية لسنة 2013 حمل عنوان: لنعمل معاً لمنع الإعلان عن منتجات التبغ والترويج لها ورعايتها! الشعار لامس أحلام ريما نقاش، الدكتورة والباحثة، التي آمنت منذ البداية بأن العمل التراكمي كفيل بإجراء تغيير في الفكر وفي النمط، فراحت تؤسس لفكرٍ آخر مبني على كمٍ هائلٍ من الأبحاث والمعطيات، راحت تناضل في عالمٍ تكاد عبقة الدخان تحجب الرؤية فيه. ناضلت دفاعاً عن مستقبلِ الإنسان المذنب، المتهم بقتل نفسه خنقاً، ممولاً الجريمة، جريمة مقتله من عرقِهِ! دافعت هي إذاً عن مجرمٍ، عن مجرمين، يحرقون مالهم وأجسادهم بلفافة مشتعلة بين الشفتين! غريبٌ حقاً أمر تلك السيجارة التي ندفع ثمنها، من قروشِنا البيضاء، ونحن عالمون بأنها تُهددنا مثل سمّ بطيء!
الدكتورة ريما نقاش استلمت جائزتها التقديرية. النائب عاطف مجدلاني فعل أيضاً مثلها. انتهى حزيران (يونيو). بدأ تموز (يوليو). غداً بعد خمسة أشهر
تنتهي سنة وتبدأ سنة. الأيام تكرج. أوراق الروزنامة تتساقط بسرعة. ماذا عن الملل من تطبيق قانون أعرج؟ ماذا عن أجسادنا التي ينخرها النيكوتين وأسناننا التي تُصاب بداء اللون الأصفر وبعلل اللثة؟ ماذا عن سرطان الرئة المستشري؟ ماذا عن الإعدام الجماعي الممارس عبر التدخين؟ وهل يكفي عقد ميثاق اجتماعي لزرع الوعي في المخ المخدر بعبقة النيكوتين أم أن الموضوع بات بحاجة الى «هزة جماعية»؟ هل بات علينا أن نسمي المدخن قاتلاً؟ أن نناديه: أيها القاتل؟ جائزتا منظمة الصحة العالمية سلمتا لكن الطريق ما زالت، للأسف، وعرة!

امراض الارض
قد يقلب كثيرون هذه الصفحة وهم ينفثون سيجارة، مرددين: ما بال هؤلاء يتحدثون عما يرفع عن الناس هماً والعالم مُثقل بهموم الأرض؟! هذا صحيح فالعالم مثقل بهمومٍ هائلة لكن بيت المدخن، قبل جسده، مثقل أيضاً بأمراض الأرض! وشركات التبغ تستهدف لمعلوماتكم البلدان المنخفضة أو المتوسطة الدخل، أي البلدان المثقلة بأعباء الدنيا، حتى إنه يُتوقع أن يكون التبغ، في سنة 2030، سبب رحيل نحو ثمانين في المئة من المتوفين. مشكلة التدخين أصبحت إذاً مشكلة عالمية لا لبنانية أو عربية فقط.
سهلٌ ربما أن يقف من يريد الاستهزاء مردداً: وما بالهم يضعون رأسهم في رأس السيجارة! ليست المشكلة طبعاً رأس مَن يُكسر رأس مَن، بل في ما تحويه السيجارة من مواد من شأنها تكسير أكبر رأس! ففي تلك اللفافة البيضاء الناصعة من الخارج نيكوتين يدخل عادة في تركيبة كثير من مضادات الحشرات وتأثيره في الجسم تراكمي، وفي تلك اللفافة أيضاً مواد ألكيلية سامة ومواد منكهة وعطرية ومواد تنتج عن الاحتراق بينها غاز أول أكسيد الكربون الشديد السمية.

اعلانات مباحة!!!
ما رأي الباحث الأميركي الأستاذ في كلية الصحة العامة في جامعة هارفرد في بوسطن الدكتور غريغوري كونيللي في تجارب الشعوب مع آفة التدخين؟ وهل لبنان، بسلوكياته اليوم، مستعد لمكافحة التدخين؟
الباحث الأميركي الذي زار لبنان مستكشفاً الواقع نبه الى أن مئة وخمسين ألف طفل لبناني قد يموتون قبل بلوغهم إذا لم يُمنع التدخين في الأماكن العامة. هذا في مستقبل لبنان أما في العالم فمات خلال القرن الماضي مئة مليون شخص بسبب أمراض متعلقة بالتدخين وهذا العدد قد يرتفع الى مليار ضحية في نهاية القرن الجديد، فسرطان الرئة تضاعف نحو ثلاثين مرة، وخمسون في المئة من المدخنين يموتون باكراً. وما أثار استغراب الباحث الأميركي هو أن اعلانات الدخان محظورة في الولايات المتحدة بينما في لبنان مباحة!

حين يندر الحساب تزيد الأخطاء، وفي لبنان الأخطاء التراكمية تكرج غالباً بلا حساب! وإذا كان هذا في لبنان فإن العلة تتجاوز حدود البلد الأخضر الصغير الى كل العالم، لا سيما الثالث منه، حيث يُقال أن تلاعباً يحصل في نسبة النيكوتين المركزة في السيجارة، بحسب الباحث كونيللي، كي لا يعود المدخن قادراً على التخلص من إدمانها.

انهم يساومون على صحة البشر؟ سؤال قد يبدو ساذجاً، فمن يراقب جيداً طبيعة كل ما يحصل يدرك أن المساومات لا تكون سياسية فقط بل أمنية واقتصادية واجتماعية وحتى صحية.

شعار منظمة الصحة العالمية إذاً، هذه السنة، هو: لنعمل معاً لمنع الإعلان عن منتجات التبغ والترويج لها ورعايتها. والباحثة ريما نقاش، التي سبق وكرمت مرات ومرات لنشاطها الهائل في الموضوع، تؤيد هذه الفكرة مئة في المئة، ليس منذ اليوم بل منذ أيقنت أن لا حلول صحية لكثير من الأمراض إلا بالحد من انتشار ظاهرة التدخين، وتقول: زيادة الضرائب على المنتجات التبغية أثبتت جدواها كسياسة فعالة لحماية الناشئة والحد من الوفيات الناتجة عن التدخين.


حقيقة واحدة وامراض لا تحصى
تدخين، تدخين، تدخين… كلمة تتكرر مثل نقر الصخر والسؤال: ماذا عن فعلها السلبي الدقيق؟
كلنا نعلم بأن في الطب أكثر من مدرسة، ولكل مدرسة ثقافة وأسلوب وأبحاث ونتائج، لكن، في موضوع التدخين، تلتقي كل المدارس على حقيقة واحدة هي أن التدخين قد يصيب كل الأعضاء، من الرأس حتى أخمص القدمين، انه قد يتسبب بأمراض السرطان والقلب وبالتهاب الأغشية المخاطية في الأنف والفم والقصبات الهوائية وبانتفاخ الرئة وبتضخم الغدد اللمفاوية في الصدر وبعسر الهضم أيضاً وبالبواسير وبقرحة المعدة والاثني عشر وبخلل في غدد التذوق وبالأحماض الدهنية في الدم وبالتهابات في ملتحمة العين
وبالعصب البصري وبانتفاخ الجفون كما قد ينتج عنه تساقط شعر الأهداب والجفون ويتسبب بفقدان لون العين بريقه وجاذبيته. وقد يتسبب النيكوتين  أيضاً وأيضاً بنقص في إدرار البول وبالصداع والدوار، ويؤذي الغدة الكظرية فيرتفع إفراز هورمون الأدرينالين ما يؤدي الى ارتفاع في ضغط الدم وتسارع دقات القلب وتقلص الأوعية الدموية، كما ان الغدة الدرقية قد تتأثرفيتسارع النبض ويرتفع ضغط الدم وتحصل حالات إسهال…
ألا تسمعون الأطباء، كل الأطباء، يوصونكم مهما كانت مشاكلكم بالتخفيف من التدخين إذا كان وقفه محالاً؟! النيكوتين يؤثر على كل الجسم، على كله كله، ولا إستثناء في الموضوع. التدخين يا عالم خطير. اسألوا الأطباء، اسألوا الباحثين، أصغوا بإمعان الى دراسات الباحثين، واصغوا الى نبضات قلب الباحثة ريما نقاش وهي تتحدث بلا كلل أو ملل عن ذنوب السيجارة، أصغوا الى حراك العاملين مع ريما نقاش ومع آلاف آلاف الباحثين… ولا بدّ أن تأخذوا قراركم!
السيجارة سلاح نووي! ثمة من أعطاها هذا الوصف، مع فارق أن النووي يضربنا بلا مشيئتنا بينما السيجارة تضربنا على الوتر النفسي فنختارها، أو نظن بأننا نختارها، بملء إرادتنا!.

نوال نصر

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق