رئيسيسياسة عربية

مأزق فلسطيني مقلق ينعكس على المخيمات

قبل ايام، زار بيروت، احد القياديين البارزين في حركة «فتح» عزام الاحمد في مهمة كبيرة، كشف النقاب عن جانب منها، وخصوصاً المتصل منها بالاوضاع المتردية داخل الجسم التنظيمي لحركة «فتح» في الساحة اللبنانية، ولا سيما في مخيم عين الحلوة الذي يضم بين جنباته اكبر تجمع للاجئين الفلسطينيين الى لبنان، فيما ظل الجانب الاخر محاطاً لفترة طويلة بستار من الكتمان، وهو الجانب المتصل بالوضع الفلسطيني نفسه وبمستقبل هذا الوضع.

زيارة الاحمد الى بيروت والتي وفق معلومات رسمية مؤكدة، تمت بناء على تمنٍ من السلطات اللبنانية التي هي على تماس مع الملف الفلسطيني في لبنان، وبناء على اوامر من القيادة الفلسطينية في رام الله، عكست بشكل واضح حجم المأزق الفلسطيني الداخلي في هذه المرحلة بالذات، وما يشهده هذا الوضع من تفاعلات وتداعيات، سواء على مستوى الفصيل الفلسطيني الأم والاكثر عراقة اي حركة «فتح»، او على مستوى الازمة التي يعيش تحت وطأتها الفصيل الثاني من حيث التأثير والقدرة والامساك بالقرار الفلسطيني اي حركة «حماس»، واستطراداً على مستوى ما بلغته العلاقة بين هذين الفصيلين المفترض انهما يتشاطران الساحة الفلسطينية عموماً في الداخل المحتل وفي بلاد الشتات، وبالتالي مصير مسألة الحوار الفلسطيني – الفلسطيني الذي كان قد بدأ في القاهرة، ابان كانت عاصمة المعز تحت حكم تنظيم الاخوان المسلمين قبل اشهر عدة، وهو الحوار الذي بدا بمثابة كوة امل كبيرة للشريحة الواسعة من الفلسطينيين في ذلك الوقت.
وفي الجانب المعلن من زيارة الاحمد الى العاصمة اللبنانية، ثمة امور تتصل بالوضع الداخلي لـ «فتح» على الساحة اللبنانية، فالقيادي الفلسطيني المخضرم الذي له اطلالة  واسعة وقديمة على الملف الفلسطيني في لبنان بتشعباته ودقائقه وتفاصيله، اتى ليعمل على رأب الصدع داخل حركة «فتح» التي شهدت في الفترة الاخيرة ما يشبه «التمردات» وبداية الانشقاقات في داخلها اثر اقالة اثنين من قيادييها في مخيم عين الحلوة بالقرب من صيدا في الجنوب اللبناني، وتعيين اثنين اخرين مكانهما.

تصدعات وخلافات
امر التصدعات والخلافات داخل حركة «فتح» يضرب جذوره الى اعوام ولت، لدرجة انه صار احد مقومات شخصية هذا التنظيم الذي يعود تاريخ انطلاقته الى منتصف عقد الستينيات من القرن الماضي، لكن اللافت ان للحدث وجهين سلبيين وينطوي على مخاطر هذه المرة.
الاول: ان قيادة حركة «فتح» التي تخوض مفاوضات الحوار مع العدو الاسرائيلي مضطرة ومكرهة بفعل الضغوط الاميركية والغربية المتشددة، لا تريد لا امام خصومها ولا امام حلفائها ان تظهر بمظهر الموشك على التشظي والانقسام من جديد، بصرف النظر عن حجم هذا التشظي ومفاعيله وتداعياته، حاضراً ومستقبلاً، خصوصاً على الساحة اللبنانية التي هي الان تحت مجهر اضواء اعلامية ساطعة.
الثاني: ان الجهات المعنية في الدولة اللبنانية هي نفسها لا تريد ان يتأثر مركز حركة «فتح» في لبنان ويتراجع دورها كقوة اساسية ضابطة للاوضاع في داخل مخيمات اللاجئين في لبنان، وذلك لكي لا تكون هذه الانقسامات التي بدت وكأنها على قاب قوسين او ادنى، باباً اساسياً للجماعات الفلسطينية المتشددة للتمدد في داخل المخيمات، والامساك بالقرار فيها، خصوصاً في مخيم عين الحلوة، حيث لهذه المجموعات والفصائل حضورها القوي لدرجة انها باتت تسيطر على احياء معينة في داخل المخيم، وتمنع على اي فريق اخر او سلطة اخرى الدخول اليها، وحتى انها باتت بمثابة عمارات مستقلة.
وعليه، بات من مصلحة السلطة اللبنانية ان تساند حركة «فتح» واجهزتها الامنية ومؤسساتها حتى لا تتداعى وتضعف، فيغري ذلك خصومها اصحاب «الاجندات» والاهداف المعروفة، والتي من شأنها التأثير على المعادلات الدقيقة للوضع في لبنان، وخصوصاً في محيط المخيمات في جنوب بيروت والضاحية الجنوبية اي مخيم برج البراجنة.

بين «فتح» و«حماس»
اما الجانب الاخر من زيارة الاحمد والذي بقي محفوظاً حتى الامس القريب بحالة من الكتمان، فهو المتصل بوضع العلاقة بين حركة «فتح» وحركة «حماس»، وبمستقبل هذه العلاقة التي لم تحقق تقدماً يذكر حتى الان، ولا تزال تعيش على صفيح ساخن من التوتر وتبادل الاتهامات والمناخات السلبية، وخصوصاً في ظل اتهامات «حماس» لحركة «فتح» بأنها تشارك بشكل او بآخر في الهجمة الشرسة التي تتعرض لها الحركة الفلسطينية – الاسلامية، من اكثر من عاصمة وجبهة، وخصوصاً بعد ان انفتح باب «العداوة» والقطيعة على مصراعيه بين الحركة والنظام الحالي في مصر، الذي اعقب سقوط نظام الرئيس الاخواني محمد مرسي.
المهم ان ثمة معلومات راجت في الاوساط السياسية في بيروت مفادها ان الاحمد التقى ابان حضوره الى العاصمة اللبنانية اخيراً، بقيادات حركة «حماس»، اضافة الى لقاءات جرت بين الاحمد والامين العام لـ «حركة الجهاد الاسلامي» رمضان عبدالله شلح، وسلمه رسالة من  رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس (ابو مازن) تتعلق بمستقبل الوضع الفلسطيني الداخلي في ضوء التطورات والتحولات الاخيرة المتسارعة على مستوى المنطقة عموماً، ولا سيما في القاهرة ودمشق.

قناعات واستنتاجات
وحسب المعطيات المتوافرة عن فحوى هذه اللقاءات، فإن ثمة قناعات تبلورت وخلاصات واستنتاجات تم التوصل اليها، تتصل مباشرة بشأن مستقبل الوضع الداخلي الفلسطيني وابرزها:
– ان ثمة حاجة ملحة لكي ينأى الفلسطينيون بأنفسهم عما يجري من صراعات وخلافات في داخل الساحات العربية وتحديداً في مصر وسوريا. وهذه القناعة تعكس فعلاً ازمة «ضمير» في الداخل الفلسطيني، وخصوصاً ان مصر تتهم حركة «حماس» مباشرة وبوضوح بالوقوف الى جانب تنظيم الاخوان المسلمين، ومحاصرته ايضاً بتهمة مشاركة المجموعات المسلحة التي دخلت في مواجهات مفتوحة مع قوى الامن المصرية في صحراء سيناء. في حين ان دمشق ابدت منذ زمن عتبها الشديد ولومها لحركة «حماس» لان ثمة مجموعات فلسطينية محسوبة عليها تشارك المجموعات المسلحة المعارضة التي تخوض مواجهات شرسة ضد قوات النظام في سوريا.
– ان ثمة شعوراً لدى الفلسطينيين على اختلاف انتماءاتهم بأنه تم تبديد فرصة المصالحة الفلسطينية – الفلسطينية التي لاحت قبل اشهر، وكانت قطعت خطوات متطورة ربما للمرة الاولى منذ ان طرح هذا الموضوع على بساط البحث، وقد زاد في ضياع هذه الفرصة الوضع الذي آلت اليه كل من «حماس» و«حركة «فتح» في الآونة الاخيرة، حيث لم تعد الظروف والمعطيات المحلية والاقليمية تسمح في هذه المرحلة بالذات باستئناف الخطوات الآيلة الى اتمام المصالحة المنشودة والتي كان البعض يعتبرها بمثابة انجاز عظيم سيزف كبشرى الى الشارع الفلسطيني الذي عانى طويلاً من آثار وتداعيات الانقسامات والصراعات الفلسطينية، وخصوصاً بعد احداث غزة في عام 2007، والتي ادت الى تهجير حركة «فتح» منها واحكام «حماس» قبضتها على هذه المدينة وقطاعها، وصيرورتها بمثابة «دويلة» خاضعة تماماً لسلطة هذه الحركة.
< ان الاطراف الفلسطينية الثلاثة اي «فتح» و«حماس» و«الجهاد» وصلت الى ما يشبه القناعة بأن كلا الطرفين اي «حماس» وحركة «فتح» لا يضعان في اولوية حساباتهما امكان العودة الى حيز المصالحة في هذا الوقت بالذات، فكلاهما صار له حسابات مختلفة ومعايير ومقاييس متعارضة.

الخشية من الانتخابات
– ان حركة «فتح» تقيم على قناعة فحواها ان حركة «حماس» باتت تخشى فعلاً من الذهاب الى انتخابات في الضفة الغربية وقطاع غزة، لانها تعلم تمام العلم ان الشارع الفلسطيني لن يعطي الحركة كما اعطاها في الانتخابات العامة الاخيرة، حيث حصدت غالبية مقاعد المجلس التشريعي عن جدارة وسلاسة تأمين، فكان ذلك بمثابة الحدث المدوي الذي قلب المعادلات والموازين في الداخل الفلسطيني.
– ان حركة «فتح» ما برحت تختزن في داخلها رأياً يقول بأن المفاوضات الجارية حالياً مع الجانب الاسرائيلي، هي عبارة عن عملية تضييع للوقت، وسيأتي حين من الدهر تصل فيه الى الطريق المسدود، ولكن السلطة الفلسطينية مضطرة الى السير في هذه المفاوضات حتى النهاية لكي لا يأتي يوم وتحاصر بتهمة تضييع فرصة الوصول الى تسوية سلمية للصراع العربي – الاسرائيلي.
– ان الوضع الفلسطيني عموماً يكاد يكون في اسوأ مراحله، ففي سوريا هناك كارثة كبرى مني بها الوجود الفلسطيني هناك، فهناك اكثر من 10 آلاف قتيل من جراء العمليات الحربية الدائرة، وهناك مخيمات مدمرة واخرى محاصرة، فضلاً عن اكثر من مئة الف لاجىء هجروا من سوريا الى لبنان، او الاردن، او الى بلدان اخرى فأضافوا الى المأساة الفلسطينية وجهاً اخر.
- في الضفة الغربية تستمر اسرائيل في عمليات قضم الاراضي الفلسطينية بحجة اقامة المستوطنات، وتستمر السلطة الفلسطينية نفسها تحت رحمة المساعدات المالية الشحيحة اصلاً.

احداث مصر
– لا ريب في ان الاحداث التي تعيشها مصر، زادت اضعافاً مضاعفة من المعاناة الكبرى التي يعيشها ما يقرب من مليون فلسطيني يعيشون في غزة وقطاعها، ولا سيما بعد عمليات الاقفال المتكررة للمعابر بين مصر وغزة، اثر ردم مئات الانفاق التي كانت بمثابة شرايين حياة.
عموماً، ألقت زيارة الاحمد الى بيروت المزيد من الاضواء على المستوى الذي بلغته معاناة الفلسطينيين الداخلية والخارجية في الآونة الاخيرة، ولا سيما بعدما صار الحدث الفلسطيني في المرتبة الرابعة والخامسة.

ا. ب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق