تحتفل سلطنـة عُمان بذكرى يوم «18 من نوفمبر» العيد الوطنــي الـ 46، اليوم الخالد في ذاكرة الوطن والإنسان العماني، لما يمثله من أهمية في تغيير مجرى الحياة في سلطنة عُمان، منذ انطلاق مسيرة النهضة العمانية الحديثة بقيادة السلطان قابوس بن سعيد قبل ستة وأربعين عاماً، حيث دخلت عمان مرحلة جديدة ومجيدة في تاريخها، تقوم على رؤية إستراتيجية، شاملة ومتكاملة، لبناء حاضر زاهر ومستقبل واعد لعمان، شعباً ومجتمعاً ودولةً، في كل المجالات وعلى مختلف المستويات، سواءً على الصعيد الداخلي، أو الخارجي و مستوى علاقاتها مع الدول الشقيقة والصديقة في المنطقة وعلى امتداد العالم من حولها، ولأن سلطنة عمان دولة ضاربة بجذورها في التاريخ، وطالما لعبت دوراً حيوياً، وحضارياً مؤثراً في حُـقب التاريخ المتتابعة، فإن النظرة الحكيمة للسلطان قابوس تفاعلت معها الخبرة بالتاريخ العماني، وطبيعة الموقع الاستراتيجي للسلطنة، وآمال الحاضر المتمثلة في بناء دولة عصرية تنعم بالسلام والأمن والاستقرار وتحقيق حياة أفضل للشعب العماني، والتطلع الى أن يعم السلام والأمن والاستقرار منطقة الخليج، وعلى الصعيدين الاقليمي والدولي، لتنعم كل شعوب المنطقة ودولها بالاستقرار والسلام والرخاء.
في حين تمثل هذه المناسبة الوطنية المجيدة فرصة يحرص من خلالها أبناء الشعب العماني على التعبير عن عمق امتنانهم وعرفانهم لباني نهضة عمان الحديثة وذلك من خلال العديد من وسائل التعبير الفردية والجماعية، فإن هذه المناسبة الوطنية تمثل كذلك فرصة للنظر والتأمل في ما تحقق من منجزات وأهداف في مختلف المجالات.
ويشكل العام 2016 نقطــة مهمــة في مســار التنميــة العُمانية للمحافظة على الإنجازات التي تحققت على مدى الـ 46 عاماً من مسيرة النهضة المباركة والبناء عليها، وفقاً لما حددته الرؤية المستقبلية 2020 من أهداف تتعلق بتوفير فرص عمل منتجة ومجزية للشباب العُماني، وتركيز الجهود على تحسين الاندماج الاجتماعي من خلال تعزيز التعليم والتدريب والصحة وتنمية الموارد البشرية وصولاً إلى هدف التشغيل الكامل للقوى العاملة الوطنية.
السياسة الخارجية
على امتداد سنوات النهضة رسم السلطان قابوس سياسة عمان الخارجية وفق أسس ومبادىء راسخة تقوم على الثبات والتوازن والوضوح والعقلانية في بناء العلاقات مع دول العالم والتعامل مع مختلف القضايا الإقليمية والدولية، واستندت هذه السياسة على مرتكزات أساسية تنبع من الأهمية الإستراتيجية لموقع عمان الجغرافي والعمق الحضاري والتاريخي والانتماء العربي والإسلامي، وعبّر السلطان قابوس في مختلف المناسبات المحلية والدولية عن ثوابت ومبادىء تلك السياسة المتمثلة في إقامة علاقات ودية مع مختلف دول العالم، والتعاون المشترك وتبادل المنافع والمصالح، وانتهاج سياسة حسن الجوار، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للغير، والاحترام المتبادل لحقوق وسياسة الدول، الالتزام بمبادىء الحق والعدل والإنصاف، والدعوة إلى السلام والوئام ونشر ثقافة التسامــح والتفاهــم، وفض المنازعات بالطرق السلمية، والحفاظ على الأمن والاستقرار في المنطقة، ومراعاة المواثيق والمعاهدات والالتزام بقواعد القانون الدولي، والوقوف إلى جانب القضايا العادلة في المحافل الدولية، وأكد السلطان قابوس في هذا الجانب قائلاً «إننا إذ نعتز بالصداقات التي تربط بين عمان والأسرة الدولية ، فإننا نؤكد في الوقت ذاته حرصنا على الاستمرار في أداء دورنا كاملاً على الساحة العالمية وفقاً للمبادىء التي إعتمدناها منذ البداية منطلقاً لسياستنا التي تسعى بكل إخلاص إلى الصداقة والتعاون مع الجميع ، وتناصر القضايا العادلة لكافة بلدان وشعوب العالم، وتعمل من أجل السلام والاستقرار على كافة المستويات الدولية».
ومثلما قادت السلطنة – ولا تزال – الجهود الرامية لإرساء السلام والدعم المستمر لمبادرات السلام لمختلف قضايا المنطقة وتقريب الأطراف المعنية حيالها، وحرصت على أن تصل هذه القضايا إلى نهاياتها الناجحة والسلمية التي تحفظ كيان الدول ومصالح شعوبها على قواعد المشاركة والعدالة والمساواة، بذلت السلطنة جهودها في دفع المفاوضات اليمنية وتقريب وجهات النظر بين فرقاء الصراع، ونزع فتيل الحرب الدائرة رحاها في اليمن، وذلك بما تملكه من رصيد من الثقة لدى أطراف النزاع.
وقد تعاطت السلطنة مع الأزمة اليمنية – ومنذ البداية – بصورة واضحة وصريحة، ووقفت بشكل ثابت وصادق وفق توجهات السلطنة وذلك ببذل كل الجهود لدفع المفاوضات اليمنية التي انطلقت في مسقط، وتواصلت في دولة الكويت، انطلاقاً من رؤية حكيمة تعي مدى التأثيرات العميقة التي يخلفها الصراع على اليمن أولاً، وعلى الأوضاع الإقليمية والعربية بصفة عامة، كونه أحد الصراعات الرئيسة في الشرق الأوسط.
كما أسهمت السلطنة بناءً على توجيهات السلطان قابوس بالمساعدة في العثور أو الإفراج عن عدد من الرهائن أو المفقودين في مناطق الحرب والنزاع، فإنها تقدمت كذلك بمبادرات عدة لإنقاذ حياة الكثير من الأشخاص ، فاحتضنت الكثير من المصابين في الحرب باليمن وتكفلت بعلاجهم.
كما أن السلطنة وهي تسعى دائماً لحل الخلافات بالطرق السلمية فإنها قامت بمساع تجاه القضية الليبية، وكانت محطة مهمة في أعمال اللقاء التشاوري للهيئة التأسيسية لصياغة مشروع الدستور الليبي.
دولة المؤسسات
يمثل التنسيق والتعاون بين السلطتين التشريعية والتنفيذية إحدى سمات الشورى العُمانية، ومنهاجاً يعبر عن السعي من أجل تحقيق مصلحة الوطن والمواطنين، سواء من خلال تنفيذ خطط التنمية أو من خلال التطوير المتواصل للأداء وتوسيع مشاركة المواطنين في عملية صنع القرار في المجالات كافة.
كما أن افتتاح صرح المحكمة العليا بهيبتها الكبيرة، جاء في إطار استكمال منظومة المنشآت القضائية في السلطنة كأحد المحاور التي حظيت بالاهتمام الكبير من السلطان قابوس بن سعيد بهدف توفير البيئة الملائمة للعمل القضائي في السلطنة.
المجالس البلدية
في الوقت الذي أسهم فيه مجلس عُمان بشقيه، مجلس الدولة ومجلس الشورى، في دفع مسيرة التنمية الشاملة، وإعداد ومناقشة الدراسات التي تساعد في تنفيذ خطط وبرامج التنمية وإيجاد الحلول المناسبة للمعوقات الاقتصادية والاجتماعية وتحسين أداء الأجهزة الإدارية، ساهمت المجالس البلدية كذلك في تحريك عجلة التنمية، وتقديم الآراء والتوصيات بشأن تطوير النظم والخدمات البلدية في نطاق المحافظة التي تمثلها، وتكاملت المجالس البلدية مع الدور الذي يقوم به مجلس الشورى في رسم خطط التنمية، ووضعها في مجراها الصحيح وفق احتياجات كل محافظة.
وفيما تستعد المجالس البلدية لانتخابات الفترة الثانية التي ستُجرى نهاية العام 2016، فإن الفترة الأولى أسست لعمل هذه المجالس، والمهام المنوطة بها.
التنمية الاقتصادية والأمن الغذائي
اتخذت السلطنة في رؤيتها لتجاوز الآثار السلبية لتراجع أسعار النفط على الموازنة العامة للدولة عدداً من الإجراءات التي تكفل الحفاظ على سلامة الوضع المالي للدولة، مركزة على تحفيز النمو الاقتصادي من خلال استمرار الإنفاق الإنمائي على المشروعات ذات الأولوية الاقتصادية والاجتماعية وتقديم الدعم اللازم لتوفير بيئة مشجعة لنمو استثمارات القطاع الخاص، كما راعت المحافظة على مستوى الخدمات الأساسية والخدمات العامة المقدمة للمجتمع.
وسعت الموازنة العامة للدولة لعام 2016 إلى تفعيل خطط المالية العامة للدولة بوضع إطار متوسط المدى وتحديـد سقف للميزانية العامة، كما ركّزت على ترشيد الإنفاق العام وزيادة مرونته وكفاءته والوصول به إلى مستوى قابل للاستدامة، والعمل على إعادة هيكلة الموارد العامة بزيادة مساهمة الإيرادات غير النفطية في إجمالي الإيرادات، وتقليل الاعتماد على الموارد النفطية، ورفع كفاءة أداء الشركات المملوكة للدولة من خلال تأسيس شركات قابضة تقوم بوضع الخطط والاستراتيجيات والإشراف عليها وفقاً لمبادىء حوكمة جيدة ورفع مساهمتها في الاقتصاد الوطني.
وحظيت سياسات السلطنة الاقتصادية بتقدير عالمي من خلال الحصول على مراتب متقدمة في التقارير الاقتصادية الدولية، ففي التقرير السنوي لمؤشر التنافسية العالمي (2015-2016) الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي (دافوس) في سويسرا، حصلت السلطنة على المرتبة السادسة عربياً والـ (62) عالمياً، كما حازت السلطنة على المركز الرابع عربياً والرابع عشر عالمياً في مؤشر الخدمات اللوجستية للأسواق الناشئة لعام 2016 الذي أعدته شركة (أجيليتي) السويسرية.
وحصلت السلطنة على المستوى الثاني عربياً وخليجياً، والسادس والعشرين عالمياً ضمن تقرير المؤشر العالمي للأمن الغذائي 2016 الصادر عن مجلة الإيكونومست البريطانية الذي تقوم المجلة بإصداره بشكل سنوي من بين (113) دولة شملها التصنيف، وبيّن التقرير أن السلطنة حصلت على (73،6) نقطة في المؤشر الذي يتألف من (100) نقطة.
وشهد عام 2016 ضمّ منطقة رأس مركز إلى المنطقة الاقتصادية الخاصة بالدقم لترتفع مساحة المنطقة من (1745) كم مربعاً إلى (2000) كم مربع، وسيتم تطوير منطقة رأس مركز لتستوعب أنشطة تخزين النفط، وتتطلع شركة النفط العمانية إلى جعل رأس مركز محطة عالمية لتخزين النفط، وسيتم إنشاء المحطة على مراحل عدة.
كما وقعت هيئة المنطقة الاقتصادية الخاصة بالدقم خلال عام 2016 اتفاقية التعاون ومنح حق الانتفاع والتطوير لإنشاء المدينة الصناعية الصينية العمانية بالدقم باستثمارات تبلغ (10،7) مليار دولار أميركي وستقام المنطقة التي تضم حوالي (35) مشروعاً على مساحة (1172) هكتاراً.
وتسعى السلطنة لتحقيق الأمن الغذائي من خلال خطة إستراتيجية تركز على زيادة الإنتاج الغذائي المحلي ، وزيادة المخزون الاستراتيجي من المواد والسلع المستوردة، وتشجيع التصنيع الغذائي والاستزراع السمكي، وتقديم التسهيلات المناسبة للاستثمار في قطاعات الزراعة والثروة الحيوانية والسمكية ، وتقديراً لما تبذله السلطنة في هذا المجال وافقت لجنة التعاون الزراعي بدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية في اجتماعها في اذار (مارس) 2016 على إنشاء مركز دراسات الأمن الغذائي في السلطنة.
ويعـد قطـاع الثـروة السمكيـة أحد القطاعــات الرئيسية الداعمة للاقتصاد الوطني ومصدراً مهما للدخـل ويوفر فرص عمل لشريحة كبيرة من المواطنين ويلعب دوراً محورياً في تعزيز منظومة الأمن الغذائي ، وذلك بحكم موقع السلطنة المطل على ثلاثة بحار وسواحلها الممتدة على طول (3165) كيلومتراً، ونتيجة لذلك تتمتع السلطنة بمخزون سمكي متنوع من أسماك السطح والأسماك القاعية إضافة لأسماك الفنار.
وفي إطار التنويع الاقتصادي تأتي توجيهات السلطان قابوس بن سعيد لتفعيل البرنامج الوطني لتعزيز التنويع الاقتصادي (تنفيـذ)، بهدف التنويع الاقتصادي وفق خطط وبرامج وسياسات محددة في القطاعات المختلفة، ووفق أسس ورؤية مدروسة وقابلة للتنفيذ، في القطاعات الاقتصادية المختلفة بخطى أسرع وأكثر قدرة على خدمة الوطن والمواطن.
النقل
تعمل السلطنة على إنشاء شبكة من الطرق الأسفلتية التي تربط مختلف محافظات السلطنة بهدف تسهيل تنقّل المواطنين والمقيمين في البلاد وتنشيط القطاعات التجارية والصناعية والسياحية، كما تم إنشاء طرق تربط السلطنة بالدول المجاورة.
وتقوم وزارة النقل والاتصالات على تنفيذ العديد من المشاريع.
وقد تم خلال عام 2015 الانتهاء من المرحلة الأولى لدراسة الخطة الهيكلية للنقل العام بمحافظة مسقط وتهدف هذه الدراسة إلى إيجاد منظومة نقل عام متكاملة تخدم شرائح المجتمع كافة وفق أعلى معايير الجودة وللحد من الاختناقات المرورية والتأثيرات البيئية ، ويجري تنفيذ الخطة بتشغيل بعض خطوط النقل العام من خلال شركة النقل الوطنية العُمانية «مواصلات».
كما تعمل وزارة النقل والاتصالات على وضع تشريعات منظمة لأنشطة النقل البري للبدء في تفعيل إدارته بعد إصدار قانون النقل البري.
وفي عام 2016 دشن الطيران العُماني رحلاته إلى مدينة مشهد في إيران والنجف في العراق، كما أضاف رحلة ثانية إلى لندن، ويبلغ عدد وجهات شبكة الطيران العماني (51) وجهة في (28) دولة، ومن المتوقع أن يصل عدد الوجهات بحلول عام 2020 إلى (75) وجهة وأن يرتفع عدد طائرات الأسطول إلى (70) طائرة منها (25) طائرة عريضة البدن و(45) طائرة أحادية الممر.
السياحة
بدأت السلطنة خلال عام 2016 تنفيذ الإستراتيجية العمانية للسياحة (2016-2040) التي تستهدف توفير أكثر من (500) ألف فرصة عمل، وزيادة حجم الاستثمارات المتوقعة لتصل إلى نحو (19) مليار ريال عماني (12%) منها استثمارات من القطاع العام، وتتطلع الإستراتيجية إلى زيادة مساهمة السياحة في الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2040 إلى (10%) ، وتنمية الاقتصاد المحلي وتطوير المؤسسات الصغيرة والمتوسطة.
وتركز الإستراتيجية على أن تصبح السلطنة بحلول عام 2040 من أهم المقاصد السياحية التي يزورها السائح لقضاء العطلات وللاستكشاف والاجتماعات من خلال جذب (11) مليون سائح دولي ومحلي سنوياً.
ويعتبر قطاع السياحة أحد القطاعات الخمسة الرئيسية التي تركز عليها خطة السلطنة للتنويع الاقتصادي خلال الخطة الخمسية التاسعة (2016 – 2020)، وشهد القطاع خلال السنوات القليلة الماضية نموا جيدا، إذ ارتفع عدد المنشآت الفندقية من (297) منشأة إلى (318) منشأة، وخلال عام 2015 بلغت إيرادات الفنادق من فئة (3 – 5) نجوم (192،1) مليون ريال عماني مقابل حوالي (191،5) مليون ريال عماني في عام 2014، وبلغ عدد نزلاء هذه الفنادق (1,2) مليون شخص فيما بلغت نسبة الإشغال (57،3%).
وتعزيزاً للاهتمام الذي يحظى به القطاع السياحي حصلت السلطنة على المركز الـ (16) عالمياً ضمن أسرع الوجهات السياحية نموا خلال عام 2016، والسلطنة هي الدولة الوحيدة من بين دول مجلس التعاون الخليجي والدول العربية التي جاءت ضمن القائمة نظرا لثرائها بالمعالم السياحية التاريخية والحضارية والخدمات المقدمة للسائحين.