الأسبوع الثقافي

الآباتي نعمان «يصرخ» متألماً: «لبنان الموارنة الى اين؟»

في ظلّ الفراغ الرئاسي الذي بات يهدّد الكيان الماروني في لبنان، يتخوّف البعض من نزاع قد يطاول جميع المكوّنات، بمَن فيهم الموارنة. ضمن هذا الإطار، استضافت حركة لبنان الرسالة في مركزها بمنطقة جعيتا، ندوة عن كتاب الآباتي بولس نعمان تحت عنوان «لبنان الموارنة الى اين؟»، الصادر عن دار الشرق.

ادار الندوة الإعلامي أنطوان سعد حيث عرف عن الكاتب واصفاً اياه بانه لا يؤمن بالإرتجال، عاصر الحرب اللبنانية باصعب الاوقات ولعب دوراً فعالاً في هذه الحقبة الدقيقة من تاريخنا.
الأباتي بولس نعمان دق ناقوس الخطر قائلاً: «اننا نعيش اصعب ظرف في حياتنا وتاريخنا. انا منزعج من السياسيين الموارنة خصوصاً … لقد وصلنا الى درجة الإنحطاط وهذا اكثر ما يؤلمني».
 هكذا بدأ الأباتي نعمان كلمته، مبدياً تمسكه وايمانه  باستمرارية بلد يعيش في شرق مضطرب، ببلد سينهض من النزاع الحائم حوله بفضل طوائفه ومحيطه.
«حقيقة أؤمن بها إيماناً ثابتاً وأريدها أن تتحقق، وهي أن لبنان لن يزول، ولكن أيضاً لن يتطوّر وحده بمعزل عن محيطه»، بهذه الفكرة يختصر الأباتي بولس نعمان كتابه «لبنان الموارنة إلى أين؟»، وهو عبارة عن مقالات مختلفة كتبها تباعاً لتُظهر تطوّر الأحداث في لبنان.

ليس مديحاً للموارنة
يسلّط هذا الكتاب الضوء على دور الموارنة القدامى في بناء لبنان الحرّية والعيش الكريم، ويذكّرهم بأنّ استمرارية هذا الوطن، في ظلّ النزاع الإقليمي الحالي، لا تتحقق إلاّ بالتعاون.
وقال نعمان: «العنوان ليس مديحاً للموارنة، هو صرخة من موارنة اليوم الذين نسوا تاريخهم وأصولهم».
وأضاف «لا أريد أن أقول إن لبنان للموارنة، بل العكس الموارنة للبنان وللشرق. لكن العنوان موضوع قصداً حتى يصدم الضمائر، ضمائر الموارنة، كل الضمائر التي لا تعرف قيمة لبنان الديموقراطي الحر المسالم الذي يحب التقدم حضارياً وإنسانياً، والذي همه الوحيد أن يعطي فرصة لكل انسان يحب أن يتقدم بإنسانيته وأن يبني حضارة ويحولها مثالاً لكل دول الشرق التي لم تعرف حتى اليوم كيف تخرج من جاهليتها والتي تغرق في مشكلاتها الأساسية».
يبدأ نعمان الكتاب بمقالات نشرها على شكل دراسات وتحاليل تبيّن تطوّر لبنان عبر التاريخ وتبرز المحطات الأهمّ التي أوصلته إلى الاستقلال. فتطوّر لبنان بدأ تحت قيادة موحدة للموارنة، سمحت لهم ببناء مجتمع قوي سهّل لهم التنقّل داخل لبنان على مراحل.

دور البطاركة
ويشدّد الأباتي على دور البطاركة في تكوين هوية المهاجرين، «فبفضل قيادة مجرّدة واعية، كَوّنوا لهم حضوراً إنسانياً مفيداً وفاعلاً، استأنس به قادة المحيط القريب، من أمراء وحُكّام مقاطعات، واستهوى أيضاً الغزاة والطامحين إلى التوسع، من المماليك وغيرهم».
ويروي ان بناء هذا المجتمع اللبناني أساسه التعاون بين الموارنة المهاجرين داخل لبنان والأمراء والحكام. فعندما استقرّ الموارنة، مدّوا أيديهم إلى الحكام الذين أشركوهم في الحكم لطموحهم في العمل المنظّم ولرغبتهم في الانفتاح على القوى الخارجية. فبدأوا العمل على التخلّص من الاحتلال العثماني «فقَدَرُ الموارنة أن يكونوا شهوداً للحرية في هذا الشرق، وقَدَرُ أسياد يانوح وقنّوبين والديمان، وما بينها من مغاور، أن يحملوا هموم الحرية وهموم الموارنة، وما أكثرها وما أثقلها في هذا الشرق الحبيب!».
فبسَعيهم إلى الحرية حقّق الموارنة حضوراً فاعلاً ووضعوا أهدافاً تعهّدوا بتحقيقها وهي: بناء أسس الوطن، الاستمرار في نضالهم والتطوّر الدائم نحو الحضارة العالمية. واستطاعوا تحقيق أهدافهم عبر نجاحهم في إعلان دولة لبنان الكبير سنة 1920. وما زال هذا النضال مستمراً حتى اليوم. ولكن مع تحرّر لبنان من السيطرة السورية سنة  2005، أصبح واضحاً أنّ اللبنانيين غير قادرين على التضامن من أجل انتخاب رئيس أو تشكيل حكومة أو إقرار قانون ما لم يتدخّل وسيط خارجي. هنا يتساءل المخلصون للقضيّة اللبنانية، هل أخمدت الشعلة في نفوس اللبنانيين؟ هل تضاءلت حيوية القادة وعزيمتهم؟ هل فقدوا روح المارونية المناضلة؟ هل فقد الشعب أيضاً الإحساس بأنه يمثّل المسيح والقيم المسيحية في هذه المنطقة، حتى بدأ يفكّر بالهجرة وبالمصالح الشخصية الخاصة؟

ليستفيقوا… والاّ!
الأباتي نعمان يجيب عن هذه الأسئلة بنداءٍ إلى المسيحيين، قائلاً: «عليهم الاستفاقة اليوم والمساعدة في نشوء نخبة تقود بتجرّد ووفق وَعيهم الروحي والتاريخي، فإن لم يستفيقوا سيزولون حتماً وتحلّ محلّهم شعوبٌ أخرى تُكمل مسيرة المسيحية والتاريخ في هذا الشرق. إن هذه الحقيقة، وإن شكّلت إنذاراً، هي لِلْبُنيان لا للهدم، وها هي الشعوب الشرقية بدأت تنتفض، ولا بُدَّ أن تلاقي الخط الصحيح والباني للمفهوم الإنساني».
اضاف: «لا اريد ان اقول ابداً ان لبنان للموارنة بل العكس الموارنة للبنان وللشرق.لكن العنوان موضع قصد حتى يصدم الضمائر، ضمائر الموارنة كل الضمائر التي لا تعرف قيمة لبنان الديمقراطي الحر المسالم الذي يحب التقدم حضارياً وانسانياً والذي همه الوحيد ان يعطي فرصة لكل انسان يحب ان يتقدم بإنسانيته وان يبني حضارة ويحولها مثالاً لكل دول الشرق التي لم تعرف حتى اليوم كيف تخرج من جاهليتها والتي تغرق في مشكلاتها الاساسية، في الانظمة الدكتاتورية، العسكرية، والدينية الالهية، الى الامية والبطالة والعيش على حساب الغير الى التخلف الاقتصادي والاجتماعي الى الديمغرافية الواسعة المدمرة للتوازن الانساني الى الفقر المدقع بالرغم من الثروات الطائلة التي يذخر بها الشرق، واخيراً الى الغياب المفجع للفكر الديني الحقيقي والاصيل والاستعانة عنه بالتعصب والجمود الروحي والفكري الى تهميش دور المرأة وحقوقها وعزلها بينما اصبحت المرأة اليوم تحكم نصف العالم».
واكد الاباتي نعمان ان «العنوان الذي انتقاه لكتابه استقاه من مفكرين غير موارنة في اغلبيتهم والذين همهم الوحيد بناء الانسان والسير نحو الانسانية الكاملة مثل شارل مالك، كمال الصليبي، منح الصلح، عباس بيضون، الامير طلال بن عبد العزيز، البطريرك اسطفان الدويهي، الامام محمد مهدي شمس الدين، والمستشرقين والرحالة امثال هيبير وجان وجيلبير تارو وجان بيار فالوني واخيراً البابا يوحنا بولس الثاني».
وقال «الكتاب يحمل بين حروفه هذه الخزائن من القيم الفريدة التي يقتضي المحافظة عليها، فيحث الموارنة بعد صراعاتهم الدامية الى الصحو وتوحيد كلمتهم ليقتحموا بإنفتاحهم محيطهم الواسع، وليبنوا في ضؤ تاريخهم، مستقبل لبنانهم، عبر تطوير مجتمعهم بثوابت وطنية، فيجعلوا منها سلوكاً وطنياً لبنانياً، وطن الانسان، ودولة الحق والحرية والديموقراطية الحقة».

لانتفاضة اسلامية من لبنان
ويدعو نعمان في اخر الاوراق الى انتفاضة اسلامية تنطلق من لبنان، انتفاضة العقلاء والمتنورين، للحد من بعض الحالات الشاذة التي أدت الى هجرة المسيحيين من هذا الشرق، وهو على يقين ان مسلمي لبنان يرفضون قطعاً مغادرة جيرانهم وأشقائهم وابناء وطنهم، هذه البلاد على اساس إنتمائهم الديني. وكأنه يقول كم نحن بحاجة اليوم في عالمنا العربي الى امثال جمال الدين الافغاني والامام الاوزاعي ومحمد عبدو. ويستشهد بقول الامام الصدر: «فليكن لبنان القيمة النموذجية للتعايش والتعارف والانسجام والتعاضد، وليكن النموذج الذي دعت اليه اوروبا الكاثوليكية».
كما يستشهد بقول الامام محمد مهدي شمس الدين: «لبنان هو وطن نهائي لجميع ابنائه، ان هذا المبدأ وضع ليس فقط استجابة او ترضية للمسيحيين، بل كان ضرورة للاجتماع اللبناني ولبقاء كيان لبنان، ليس لمصلحة لبنان وشعبه فقط، انما لمصلحة العالم العربي وحتى لمصلحة جوانب كثيرة من العالم الاسلامي» – وتوجه الإمام شمس الدين الى ابناء طائفته قائلاً: «لم تتخلصوا من اللعنة إلا في لبنان الذي اعطاكم وحده الاستقلالية».
وجدد الاباتي نعمان التحذير الى ان «هناك زحفاً هائلاً على الصيغة اللبنانية ولا يوجد دفاع عنها الا شيء بسيط جداً، وليس من سلوك يظهر فرادتها وقيمتها وخصوصاً من قبل المسؤولين والسياسيين، لهذا السبب احببت ان اطلق هذه الصرخة، ليس كرمى للموارنة، ابداً، انما من اجل لبنان الذي اريده ان يكون مثالاً للبلدان العربية، وعندما قلت لبنان لا يتطور الا اذا تطورت البلدان العربية عنيت بها انه يجب ان نساهم في تطور الدول العربية حتى نقدر ان نتطور نحن والا لن يكون هناك تطور بالمطلق في لبنان، هذه رسالتنا، والموارنة ربهم اعطاهم هذا الدور وهذه الرسالة، لكن للاسف لا اعرف الى أي حد ما زالوا يؤمنون بها».

هل انقضى عهد الكبار؟
أراد نعمان، في كتابه «لبنان الموارنة إلى أين؟»، إنعاش الذاكرة والتذكير ببعض ما عاناه، متسائلاً عن صحة الأسس التي بُني عليها لبنان، لا لِنَقْضِها بل لِوَأدها مجدّداً، بعدما أفسدها الإنسان السياسي وجعلها تبان غير صالحة. كذلك، دعوتُ إلى تشكيل نخبة جديدة من القادة والمفكرين، قادرة ومجرّدة، تدرس بالعمق وضع لبنان في أسسه القديمة، في مقابل التطورات الجديدة الفكرية والإجتماعية في ضوء أزمات المنطقة.
أخيراً طرحَ سؤالاً يطرحه اللبنانيون عندما يرون الأزمات تتوالى والأعاصير تعصف من كل حدب وصوب، ألا وهو: هل انقضى عهد الكبار الذين صنعوا الاستقلال وضَحّوا بذواتهم؟ وصرخ قائلاً: «يجب على الشعب تكنيس السياسيين جميعاً لانهم اوصلونا الي ما نحن عليه»!
وختاماً شكر المهندس ريمون ناضر، رئيس حركة لبنان الرسالة الحضور وقال:  «لقاؤنا اليوم هدفه توعية المجتمع اللبناني على وضعنا وكل شخص ممكن ان يؤثر حوله. دعوتنا اليوم ان كل شخص يستطيع ان يحول العتمة الى نور وهذا هو دورنا في حركة لبنان الرسالة. طالما هناك ناس واعون يستطيعون ان يوقظوا الذين حولهم، وطننا بخير.  ولكي يتمكنوا من القيام بهذا الدور، عليهم تدعيم المصالحة بين بعضهم البعض، وتوسيع حلقتها لكي تضم جميع مكونات الوطن، واشراكهم في مسيرة سلام حقيقية ودائمة، وفي الشروع معاً في بناء لبنان افضل».

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق