الاقتصادمفكرة الأسبوع

قبرص على حافة الهاوية المالية فهل تهجرها المصارف العربية واللبنانية؟

تقف قبرص منذ فترة غير بعيدة على حافة الهاوية، ولم تنفع حتى هذه اللحظة كل محاولات منطقة اليورو لانقاذ «الشقيق الاصغر»، كما لم تنفع كل محاولات الجزيرة حتى الآن على الاقل قرع ابواب «الام الحنون» في موسكو لانقاذ «الارثوذكسي الشقي» الذي دفع ثمن «ارثوذكسيته السياسية» عندما قرر دعم «شقيقته الاوروبية» – اي اليونان – من خلال شراء سندات الخزينة التي تصدرها اثينا. فهل تدفع المصارف العربية، بما فيها اللبنانية ثمن «الغيرة الارثوذكسية» لدى الشعب القبرصي؟

كانت قبرص مهددة في الشهر الاخير من السنة المنصرمة بالتوقف عن تسديد القروض المستحقة عليها وعدم دفع رواتب الموظفين اذا لم يتم الاتفاق على خطة انقاذ ثلاثية الاطراف (الاتحاد الاوروبي، البنك المركزي الاوروبي، وصندوق النقد الدولي). وقال مسؤول حكومي قبرصي يومها انه اذا لم تحصل الجزيرة على 250 او 300 مليون يورو في ايام قليلة، ستتوقف الحكومة عن دفع مستحقاتها.
وفيما كان الاتحاد الاوروبي يناقش خطة لانقاذ الجزيرة انصرفت هذه الاخيرة، تحت وطأة الحاجة والسرعة، الى مد يدها الى صناديق التقاعد والمؤسسات شبه الحكومية، كخيار وحيد متاح لاستدانة المبلغ المذكور آنفاً للمدى القصير. وقوبل هذا القرار بتظاهرات قام بها موظفو شركة الاتصالات خوفاً من عدم رد الاموال التي تقدمها الصناديق للحكومة.
وفي هذا الوقت كان مدقق حسابات مستقل في صدد درس المساعدة الضرورية لاعادة رسملة المصارف القبرصية التي تورطت في الانخراط بالدين اليوناني.

برنامج التقشف
وفيما وفرت الترويكا بعض الدفعات للجزيرة، ما لبثت هذه الاخيرة ان تبنت سلسلة من اجراءات التقشف بهدف تقليص الانفاق مليار يورو وفقاً لطلب الترويكا. ويمثل هذا البرنامج التوفيري 7،25٪ من اجمالي الناتج المحلي في اربع سنوات. ولجأ البرلمان من جهته الى خفض الاجور في القطاع العام بما يراوح بين 6،5٪ و15،5٪، والى تجميد زيادات الاجور المرتبطة بالتضخم حتى العام 2016، والى اقتطاعات عاجلة من اجور القطاعين العام والخاص. واخضعت التقديمات الاجتماعية ايضاً للخفض، في حين رفعت الرسوم على السجائر والكحول والبنزين.
وكانت نيقوسيا قد طلبت مساعدة اوروبية في حزيران (يونيو) الماضي، بعد ان طلب المصرفان الرئيسيان المتورطان بازمة الدين اليونانية مساعدة من الحكومة، لانهما عاجزان عن تلبية مستحقات الاتحاد الاوروبي. فما كان من الحكومة الا ان اممت المصرف الثاني الاكبر (سايبروس بوبولر بنك) من خلال اكتتابها باغلبية زيادة رأس المال البالغة 1،8 مليار يورو. وهكذا اصبحت حاجات قبرص في حدود 17،5 مليار يورو، عشرة منها للمصارف وستة للدين العام المستحق، و1،5 مليار يورو للمالية العامة. ويقترب هذا المبلغ من اجمالي الناتج المحلي السنوي في الجزيرة الذي بلغ 17،97 مليار يورو عام 2011، والذي يفترض ان يتراجع بنسبة 2،4٪ في مشروع موازنة 2013 بعدما وصل في العام 2012 الى 17،85 مليار يورو.

خطة الانقاذ
وبعد مباحثات طويلة وشاقة، توصلت الترويكا الى وضع خطة انقاذ للجزيرة التي تتسلم حالياً رئاسة الاتحاد الاوروبي حتى كانون الاول (ديسمبر) المقبل قوامها 10 مليارات يورو مشترطة ان تفرض الحكومة القبرصية رسماً على الودائع المصرفية تصل الى حد 9،9٪ بهدف جمع 5،8 مليارات يورو، ويعتبر هذا الرسم الاول من نوعه، وعوضاً عن ان تدب خطة الانقاذ الارتياح في اوصال القبارصة اثارت هلعهم وغضبهم، بالنظر الى  التداعيات التي لا مفر من حصولها اذا ما اقر الرسم. لكن البرلمان اجل الجلسة المقررة لدرس الخطة الاوروبية وشروطها مرتين، وفي المرة الثالثة اقدم النواب باكثرية كبيرة، على رفض الخطة وسط اقفال المصارف ابوابها خشية تدافع المودعين لسحب اموالهم.
وفيما يعتبر الحزب الاشتراكي القبرصي الخطة «كارثية». اكد محللون ان قرار الاتحاد الاوروبي بضرورة فرض رسم على كل الودائع المصرفية في مقابل خطة الانقاذ «سيدمر اقتصاد الجزيرة المتوسطية، ويعطل مركزها المالي المهم. وستستمر الخسائر لفترة طويلة»، مع العلم ان الخدمات المالية والتجارية كانت القطاعات الوحيدة التي توفر فرص العمل والعائدات الضريبية، فاذا هي تحت عبء مزدوج يتمثل في زيادة الضريبة على الشركات، ورسم الودائع في آن واحد». مع الاشارة الى ان الموجودات المصرفية في قبرص تمثل ثمانية اضعاف الناتج المحلي الاجمالي في الجزيرة حيث توجد مجموعة كبيرة من شركات الاوفشور، مستفيدة من عدم وجود ضرائب على المؤسسات الاوروبية.
وفور الاعلان عن خطة الانقاذ وشروطها حاول عشرات المودعين سحب اموالهم بهدف تخفيض حجم ودائعهم، لكن البنك المركزي القبرصي ما لبث ان اجبر المصارف على اقفال ابوابها.

تداعيات الضريبة
ويقول الاقتصادي جورج تيوكاريدس ان نتائج الرسم على الودائع لو اقر لن تكون سيئة بالنسبة الى قبرص فقط، وانما ال سائر البلدان، وكذلك الى دول  منطقة اليورو، حتى مؤسسة التمويل الدولية انتقدت القرار الاوروبي على لسان مديرها العام تيم آدمز الذي وصف الخطوة بـ «السابقة الخطيرة» فيما وصفها رئيس البرلمان القبرصي ياناكيس اوميرو بأنها «غارة على الحسابات».
وعلى الصعيد العربي، اعتبر وسام فتوح امين عام اتحاد المصارف العربية «ان هناك توجهاً خطيراً في العالم يتمثل بفرض ضرائب على الودائع». واشار الى ان النظام الضريبي بات مسيطراً على القطاع المصرفي في العالم.
اما رئيس الاتحاد الدولي للمصرفيين العرب، رئيس اللجنة التنفيذية لاتحاد المصارف العربية الدكتور جوزف طربيه، فقد اعتبر ان التدبير «غير مسبوق»، مشيراً الى ان من شأنه ان يدمر قبرص كمركز مالي في المنطقة، اكتسب في السنوات العشرين الماضية مصداقية كبيرة ادت الى اجتذابه عشرات المصارف الاجنبية والعربية (12 فرعاً لمصارف لبنانية) ومئات الالوف من المودعين والمستثمرين الدوليين والعرب.
وطلب طربيه عدم شمول هذه الخطوة المؤذية الودائع المدرجة في فروع المصارف العربية في قبرص، باعتبار ان هذه الفروع في حالة مصرفية سليمة، وهي ضامنة لودائع زبائنها الذين لا يقيم معظمهم في الجزيرة.

«الخطة B» هل تنقذ الجزيرة؟
عندما اسقط مجلس النواب القبرصي «خطة الانقاذ» الاوروبية اعتراضاً على فرض رسم على الودائع المصرفية اتجهت انظار القبارصة الى موسكو التي هب اليها فوراً وزير المال ميكاليس ساريس، ساعياً وراء دعمها بالنظر الى ما يربط البلدين من شراكة اقتصادية متقدمة، وعلاقات ثقافية متينة، بالاضافة الى ان القسم الاكبر من ودائع المصارف القبرصية هي ودائع روسية تقدر بنحو 20 مليار دولار. ولكن قبرص كل ما كانت تتمناه من روسيا تمديد اجل قرض الـ 2،5 مليار يورو الذي منح لنيقوسيا ويستحق في العام 2016.
وامام العجز الروسي والتحذير الاوروبي والوجع القبرصي بادرت الحكومة القبرصية الى طرح «الخطة B» بدلاً من خطة الانقاذ مستبعدة كل رسم على الودائع المصرفية، وطارحة فكرة انشاء «صندوق دعم استثماري». لكن كل هذا الحراك القبرصي لتلافي كأس الافلاس لم يحل دون الصفوف الطويلة في نيقوسيا امام اجهزة الصراف الآلي التابعة لـ «لايكي بنك» خشية من ان يقفل هذا البنك ابوابه بصورة نهائية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق