رئيسي

اجواء حرب بين بكين وطوكيو

يبدو ان قاعدة الانتقام، والسن بالسن، والعين بالعين، هي المكتوبة، في حمض اتنية اليان، التي تشكل الاكثرية بين اهل الصين، والذين نسميهم الصينيين، لانهم يشكلون 91 في المئة من 1350 مليوناً من سكان البلاد. فلا يغفر قادتهم، مثلاً، للذين وقفوا في وجه الحزب الشيوعي الصيني، في سنة 1949، ومنعوه من تحقيق المهمة الاسمى التي اعتمدها بعد انتصاره في الحرب الاهلية وهي اعادة توحيد الوطن، اي استعادة الحدود التي كانت قائمة في عهود سلالة اباطرة الـ «كينغ» (1664 – 1911) واحتلال دول اجنبية، لمناطق  شاسعة من الصين.

يذهب مؤرخون الى حد الاعتقاد، بان القيادات الصينية المتتالية، لم تقض على الماوية، بكل ما في الكلمة من معنى، بالرغم من الديموقراطية التي ينادون بها والديكتاتورية الظالمة، التي مارسها ماو، لانها ترى في الزعيم المؤسس القائد الستراتيجي الذي استطاع اعادة توحيد البلاد وطرد الاجانب من الصين وحكم بالدم والنار. وفي اذار (مارس) الماضي، قال الرئيس تشي جين بنغ، في اول خطاب له، بعد انتخابه رئيساً للدولة: «علينا مواصلة النضال من اجل تحقيق الحلم الصيني وولادة امتنا الكبيرة».
والحلم الصيني الكبير، له معان كثيرة. من الآن الى سنة 2049، سنة الاحتفال بالذكرى المئوية لولادة الجمهورية الشعبية.
ولكن ترجمة الحلم الكبير، في اجواء السلطة العليا يعني اعادة توحيد البلاد، بما فيها ضم جزيرة تايوان.
فبكين التي استعادت سيادتها على المستعمرتين السابقتين، ماكاو وهونغ كونغ، في 1997 و1999، واثقة من ان الجزيرة «المتمردة» فورموزا، التي يزداد اقتصادها ارتباطاً بالصين، ستستسلم في النهاية.
وكان بعض هذه المناطق، البعيدة عن العاصمة، سعت ذات يوم مدعومة من بعض الدول الاجنبية الى الاستقلال. ويشير في هذا الاطار، وزير الخارجية الاميركية الاسبق، هنري كيسنجر، في كتابه «الصين» الى التيبت ومنغوليا. اللتين كانتا تتمتعان بشبه حكم ذاتي، وسعتا الى الاستقلال، برعاية الدولتين الاجنبيتين اللتين كانتا تدوران في  فلكهما: الامبراطورية البريطانية والامبراطورية الروسية».

التيبت
وتمثل  التيبت في نظر الصين، جزءاً من اراضيها، منذ ان عهدت سلالة يوان المنغولية الاصل التي حكمت الصين من 1279 الى 1368، الى توسيع حدود الامبراطورية، حتى سلسلة جبال الهيمالايا، وكرّس الاباطرة الكينغ، ضم التيبت الى اراضي الصين، رسمياً  وارسلوا المجموعات الاولى، من اتنية الهان، لتستقر في التيبت «سقف العالم». ولكن الضعف الذي اصاب السلالة، سهّل امام الامبراطوريتين البريطانية والروسية، تقاسم آسيا في القرن التاسع عشر. وفي سنة 1914 وافقت بريطانيا، بعد ان دعمت الاستقلال الذي اعلنته التيبت في السنة السابقة، على ان يوقع ممثلوها على وثيقة تقسيم منطقتهم، التي وضعت تحت الحكم البريطاني، المنطقة الواقعة جنوب ما يسمى بخط ماكاماهون، ولكن بكين لم تعترف بما حصل، على اعتبار ان ابناء التيبت، لا يملكون السلطة القانونية لاتخاذ القرارات حول مصير حدود الصين.
وفي سنة 1950 دخل الجيش الشعبي الصيني الى التيبت، وبعد اقل من سنة، وقّع الدالاي لاما اتفاقية من 17 مادة مع بكين، تعطي المنطقة حكماً ذاتياً، تحت السيادة الصينية، ولكن الولايات المتحدة التي واجهت الصين في حرب كوريا، حاولت اضعافها، بتحريك الاوضاع في التيبت، وانزلت سي. آي. ايه، مجموعات مظلية لتدريب التيبتيين على الحرب. وفي سنة 1959، نشبت الثورة التي انتهت بهرب الدالاي لاما مع حكومته الى الهند.

 القمع الصيني
وتميزت عمليات القمع الصينية، بالعنف. خصوصاً في ايام الثورة الثقافية الكبرى، التي امتدت من 1966 الى 1976، وتغيرت الامور، مع وصول دينغ كسياو بينغ الى السلطة، في 1979، الذي فضّل الاستعمار الثقافي والاقتصادي والاستثمار في البنى التحتية، لربط المنطقة بباقي الصين، مما ادى الى تحسين اوضاع التيبتيين المعيشية، ولكن الخوف  من ان تبتلع الصين المنطقة، ادى في سنة 1988، الى نشوب اسوأ عمليات تمرد عاشتها المنطقة خلال 80 سنة، حيث عمدت بكين الى اعلان حالة الطوارىء، التي لم تكف  لوقف المواجهات.
وفي هذا الاطار هناك خلاف بين الصين واليابان وتايبه، على مجموعة جزر منمنمة، غير مأهولة، اسمها ستكاكو باليابانية، وديياويو بالصينية، ولا تتعدى مساحة اكبرها 4 كلم2. ولكن اهميتها اقتصادية، في ثروة مياهها السمكية وحقول الغاز والبترول المغمورة التي يعتقد انها موجودة في المياه الاقليمية، اضافة الى ان القسم الاكبر من تجارة آسيا والعالم، يمرّ في المياه المحيطة.
وفي خريف السنة الماضية، اعلنت طوكيو، انها اشترت او اممت هذه الجزر فاثارت خصومة ديبلوماسية صارخة مع بكين، تلتها عمليات انتقامية واحتجاجية ضد المصالح اليابانية في الصين.
وفي نهاية الاسبوع الماضي، قررت بكين، من جانب واحد، توسيع «مجال الدفاع الجوي الصيني، بحيث يشمل مجموعة الجزر، وهددت بـ «التحرك» ضد الطائرات التي تخرق  هذا المجال الممدد، من دون التعريف  عن هويتها، فوق هذه الجزر غير المأهولة.
فردت طوكيو، معتبرة التدبير الصيني، «غير مقبول» ومن شأنه ان يؤدي الى «حوادث غير متوقعة».
واسرع
ت الولايات المتحدة، تدافع عن حليفها الياباني، معتبرة بلسان وزير دفاعها، تشاك هاغل، «آن مثل هذا التدبير يكشف نية في تغيير الوضع القائم في المنطقة»، ولكنه ليس من شأنه ان يغير الخطط العسكرية الاميركية فيها.

واشنطن تتحدى
وارسلت واشنطن طائرات حربية، من طراز ب – 52، تطير فوق منطقة الحظر الجوي الصيني الجديد، من دون اذن مسبق.
وبالرغم من ان هذه الطائرات لم تكن مسلحة، فان عملها يشكل تحدياً، لادعاءات السيادة الوطنية التي اعلنت عنها الصين.
وفي واشنطن، اعلن الكولونيل ستيف  وورن، من البنتاغون معتمداً الاسم الذي تطلقه اليابان على الجزر: «قمنا بعمليات مقررة منذ امد، في منطقة جزر ستكاكو»، بينما كان الديبلوماسيون الاميركيون يعتمدون منذ اندلاع الازمة، اسماً آخر، واردف: «وبقينا نتصرف  كما في الماضي، فلا نعطي خطط طيران ولا نبلّغ لاسلكياً، ولم تصدر حتى الساعة اية ردة فعل صينية».
واصدر البيت الابيض بياناً، يدعو الى حل الخلافات بين بكين وطوكيو، ديبلوماسياً وليس عن طريق  «التهديد».

 اشتعال الفضاء الجوي
وبينما كان الفضاء الجوي بيت الصين واليابان يشتعل بقرارات جديدة –  قديمة، ارسلت الصين الى بحارها الجنوبية فخر الامة، حاملة الطائرات لياونينغ، في مهمة اثبات وجود، قد تدوم اسابيع. وكانت حاملة الطائرات تقوم برحلتها الاولى في هذا الاتجاه، منطلقة من مرفأ لينداو، في ولاية شاندونغ، تدعمها السفينتان شنيانغ وسيازوانغ المجهزتان، بانظمة لتدمير الصواريخ.
الحجة لارسال هذه العمارة البحرية، الى بحار  الصين الجنوبية، هي دراسة مدى تحملها لاهوال البحر، ولكن احداً لا يصدق، لان التوقيت يوحي باعتبارات اخرى. فماذا تفعل حاملة الطائرات في اكثر بحار العالم سخونة؟!
فتحريك لياونينغ ليس في نظر البعض، اكثر من ردة فعل صينية، على الصراعات الكلامية المتفشية على الشبكة العنكبوتية، وخصوصاً على خبر الطائرات المقاتلة الاميركية، التي طارت فوق جزر دياوو – سنكاكاو، مع العلم ان هناك من يعتبر انه ابن ساعته، قرار تحدي مبادرة الصين الى تحديد مجال جوي من جهة واحدة، فوق منطقة متنازع عليها، بارسال طائرات من دون الابلاغ عنها.
وقال مسؤول اميركي، في صراحة، ان الصينيين لم يحاولوا حتى الاتصال بالطائرات الاميركية، التي خرقت قرارهم، ولكن ناطقاً باسم وزارة الدفاع في بكين، قال ان للصين كل الحق، والطاقة، لحماية اراضيها، وتبنى التلفزيون الحكومي هذا الموقف.
ولكن المشكلة، هي في ان هناك، من يعتبر عدم فائدة العسكر («الذين عليهم ان يتطلعوا الى السماء والى الارض»)، وهناك من وصف قرار يوم الاحد الماضي، بتحديد المجال الجوي الجديد، بالارتجالي وهناك من يتحدث عن فريق  متطرف  من العسكر، عمد الى تحديد منطقة حظر جوي من جانب واحد، فزاد تعقيداً اوضاع هذه المنطقة من آسيا، حيث لا يريد احد «ان يفقد ماء الوجه».
وجاء قرار البيت الابيض، الوقوف  الى جانب الحليف الياباني، يشير الى خطورة حالة التوتر السائدة بين الصين واليابان، التي ستكون في طليعة المواضيع التي سيتطرق اليها، نائب الرئيس الاميركي جو بايدن، خلال رحلته الى الشرق الاقصى، في بداية شهر كانون الاول (ديسمبر) الحالي.
ومما يزيد العلاقات بين الولايات المتحدة والصين، توتراً، هو الذي يحصل  في منظمة التجارة الدولية، في هذه الايام، حول مبادلات انظمة التكنولوجيا العالية، بين البلدين. فبكين طلبت استثناء مئة من هذه المنتوجات من الاتفاقية التجارية التي تجري مناقشتها مع الولايات المتحدة، فردت واشنطن بانفعال كبير وقال ناطق باسم وزارة التجارة الاميركية: «ان من شأن استثناء لائحة هكذا طويلة من المنتوجات التقنية، ان يقود الى تفشيل  المحادثات».
وكان جواب بكين،  قاطعاً: «انكم لا تعرفون معنى المسؤولية»!.

ج. ص

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق