افتتاحية

ربما تحققت الاحلام يوماً

ساعات ويطل العام الجديد، فماذا يحمل الى العالم من اسرار ومفاجآت؟ هل يكون شبيهاً بالعام الراحل غير المأسوف عليه، ام يكون افضل، فيقدم للناس عموماً وللبنانيين خصوصاً ما يتمنونه؟ لا احد يعرف، لأن معرفة الغيب هي عند الله وحده، رغم ادعاءات المنجمين والمشعوذين الكاذبة. غير ان التمنيات كثيرة والاحلام طموحة، وكل انسان يأمل في ان تتحقق.
امنياتنا تبقى داخلنا قد نبوح بها، وقد لا نفعل، حتى اذا ما تحققت غمرت الفرحة قلوبنا. والاحلام على الصعيد الشخصي تبقى ملك صاحبها، والاحلام العامة هي على مساحة الوطن كله على امل ان يحل السلام ويسود الامن والاستقرار وتزدهر الحياة الاقتصادية.
امنية اللبنانيين الكبرى الى جانب الهدوء والسلام، هي نجاح الحرب على الفساد التي يقودها وزير الصحة وائل ابو فاعور ووزير المال علي حسن خليل. ذلك ان الفساد الذي يصيب غذاءنا ويدمر حياتنا هو من اخطر الاسلحة التي يواجهها الناس. والفساد الذي ينخر الدوائر العقارية يصيب الملكية العامة والخاصة. وكما يقول المثل العامي «الملك هو عوض الروح». فماذا استجد على هذا الصعيد؟
كشف الوزيران وائل ابو فاعور وعلي حسن خليل في مؤتمرات ومقابلات صحفية عن الكم الهائل من الفساد المستشري في الاسواق ودوائر الدولة، ويهدد حياة المواطنين في صحتهم وارزاقهم، فكان ذهول في الاوساط الشعبية كلها.
فعلى الصعيد الصحي والغذائي تبين ان حفنة قليلة من الناس – ونقول قليلة بالمقارنة مع عدد الشعب – باعت الضمير وتجاهلت القوانين وراحت تتاجر بحياة المواطنين. ووصل الامر بهؤلاء الى اطعام الناس لحوم ابقار نافقة، فجنوا الثروات على حساب الحياة التي هي نعمة من الله.
ثارت الضجة المفتعلة من قبل المجرمين الذين يتاجرون بالانسان، ويضحون به عند ابواب جيوبهم المنتفخة، وحاولوا استخدام النفوذ والوساطات لوقف هذه الحملة التي تكشف عن طمعهم وجشعهم، الا ان محاولاتهم باءت بالفشل، لان الوزير ابو فاعور قرر مشكوراً من كل اللبنانيين، السير في الحملة العادلة الى النهاية. فاقفل محلات ومسالخ وشركات، وفضح اصحابها عبر شاشات التلفزة. ونحن نأمل ان يستمر في خطواته المباركة، حتى يعود الحق الى اصحابه، وتطبق القوانين كاملة.
اما الوزير علي حسن الخليل فكشف عن فضائح لا تقل اهمية عما كشفه ابو فاعور، فاكد ان هناك ملايين الامتار من اراضي الدولة سيطر عليها بعض «المحظوظين» والمحميين، فاضاعوا على الخزينة اموالاً طائلة، لو تمت جبايتها بصورة صحيحة لغطت ديون الدولة وعجزها المالي.
الوزير علي الخليل هو الاخر مصمم على السير في حملته حتى النهاية، لاعادة الارض المنهوبة الى الدولة، مع العلم ان هناك تعديات طاولت املاكاً خاصة، ويعجز اصحابها عن استرعاجها بفعل الحمايات والتشبيحات التي تؤمنها بعض الجهات للمغتصبين.
خطوة الوزيرين ابو فاعور وعلي حسن الخليل مشكورة من جميع المواطنين، خصوصاً وانهما لم يأبها للحملات التي تعرضا لها من قبل المتضررين، وفضحا كل الاسرار امام الرأي العام.
السؤال اليوم هو ان هذا الكم من الفساد ليس وليد يوم او شهر او سنة، بل انه تكوّن على مدى سنوات طويلة، حتى وصل الى هذا الحد من الاجرام. وهذا يعني ان سياسيين عديدين تعاقبوا على وزارتي الصحة والمال، فلماذا لم يكتشفوا ما كشفه الوزيران؟
والجواب على هذا السؤال لا يقبل التأويل. اما ان الوزراء الذين شغلوا وزارتي الصحة والمال كانوا متواطئين مع الفاسدين، وهذا اذا ثبت سيقضي باستدعائهم امام القضاء ومساءلتهم، ومحاسبتهم عما اقترفوه بحق المواطنين، مستغلين السلطة التي اعطيت لهم، واما انهم كانوا غير جديرين بمناصبهم، فلم يقوموا بالواجب الذي تفرضه عليهم وظيفتهم كوزراء معنيين، فتلهوا بامورهم الخاصة، غير مبالين بما يجري في وزاراتهم، وفي كلتا الحالتين، انهم دون مستوى الوزارات التي شغلوها وكان يجب الا يسموا في هذه المناصب وبالتالي يجب مساءلتهم.
ولكن اين المجلس النيابي؟
اليست وظيفته الاولى التي اختاره الشعب لاجلها، ان يراقب عمل الحكومة ويحاسبها، ويحافظ على حقوق الناخبين؟
هل سمعنا مرة واحدة ان المجلس النيابي فضح قضية من هذا العيار الثقيل وحاسب الحكومة او احد الوزراء عليها واسقط مرتكبيها؟
بالطبع كلا. وهذا يدل على نوعية الطبقة السياسية التي تتحكم بالبلد، في غفلة من الزمن. انهم يتلهون في مناحراتهم وتأمين مصالحهم، واخر من يسألون عنه هو الشعب الذي اختارهم لتمثيله. على كل حال هذا الشعب اصبح براء منهم لانهم قابعون على كراسيهم غصباً عنه، فهل اخذوا رأيه يوم مددوا لانفسهم؟
لقد قال الوزير علي حسن الخليل ان الوزراء في الحكومة بات كل واحد منهم يعتبر نفسه «ليس رئيساً للجمهورية وحسب، بل امير وملك». ان هذه العقلية هل يمكن محاسبتها وردعها؟ ومن يحاسبها طالما انها تمثل الكنل النيابية التي اختارتها.
كذلك حملت الانباء منذ ايام ان شقيق نائب يترأس عصابة لسرقة السيارات، لن نعلق على هذه الفضائح ونترك الامر للشعب النائم نوم اهل الكهف، عله يستفيق يوماً فيقلب الطاولة فوق رؤوس الجميع ويعيد الحق الى نصابه.
الامل ضعيف والتمنيات مجرد احلام، ولكن ربما تحققت الاحلام يوماً. فهل يكون ذلك في العام 2015؟

«الاسبوع العربي»

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق