«يوم للستات» لـ كاملة أبو ذكري في مهرجان لندن السينمائي الـ60
شخصيات الفيلم المحورية: إلهام شاهين ونيللي كريم وناهد السباعي
إشراقة وجه عزة، التي تلعب دورها الفنانة المصرية ناهد السباعي، ونظرتها بحرية للأفق الممتد وهي تقول «هاشتري مايوه»، هما الانطباع الأول الذي يدوم عند مشاهدة فيلم «يوم للستات» للمخرجة كاملة أبو ذكري.
وكان أول عرض عالمي للفيلم في مهرجان لندن السينمائي في دورته الستين التي تجري فعالياته من 5 إلى 16 تشرين الأول (اكتوبر) الجاري.
وتبدأ أحداث الفيلم، الذي يعرض خارج المسابقة الرسمية للمهرجان، عام 2009 في حي شعبي من أحياء القاهرة، حيث يقرر مركز الشباب في الحي تخصيص يوم الأحد من كل أسبوع للنساء فقط في حمام السباحة الذي افتتح مؤخراً.
يثير النبأ الكثير من الحماس وينقسم أهالي المنطقة بين رافض ومؤيد، ليصبح حمام السباحة منذ تلك اللحظة شخصية فاعلة في الفيلم تجمع مصائر بطلاته وأبطاله وتغير فيها الكثير.
وفي حبكة ذات عمق وحساسية تذكرنا بفهم بيدرو ألمودوفار في أعماله للمرأة، يربط سيناريو الفيلم، الذي كتبته هناء عطية، مصائر بطلاته بهذا اليوم الأسبوعي من الحرية والبهجة والشمس.
الشخصيات المحورية في الفيلم هن شامية ( إلهام شاهين) وليلى (نيللي كريم) وعزة ( ناهد السباعي).
شامية، التي نحسب أن شخصيتها من أفضل الأدوار التي لعبتها شاهين، هي صاحبة أحمر الشفاه الأحمر الصارخ الذي يرمز إلى تحدي تقاليد الشارع في هذه المنطقة القاهرية البسيطة.
شامية، التي تحب العطور وأغاني عبد الحليم حافظ وتشرب الكحول سراً، في منتصف العمر ولكنها ما زالت تحتفظ بمسحة من جمال سنوات مضت كانت تعمل فيها عارضة للرسامين. ولا تسلم شامية، التي يحمل قلبها الكثير من الحزن، قط من النظرات ومن القيل والقال، ولكنها تخفي ألمها بوجه ضاحك متحد.
أما ليلى، التي تلعب دورها نيللي كريم، فيحمل وجهها حزناً دائماً ونظرة تائهة إذ فقدت زوجها وابنها الوحيد في حادث غرق العبارة الشهير ومنذ ذلك الحين وهي لا تجد أي نوع من السلوى أو النسيان.
تعيش ليلي مع والدها، الذي يلعب دوره فاروق الفيشاوي، وهو رجل يقبل على الحياة والضحك والشراب، وأخيها صاحب الأفكار المتشددة أحمد الفيشاوي، أما مصدر رزقهم جميعا فهو متجر صغير للعطور المقلدة والعطور الشرقية تديره ليلى، التي عادت إليه لتجد بعض السلوى عن حزنها.
وتلعب ناهد السباعي دور عزة ثالث بطلات الفيلم وتعامل في الحي على أنها «بلهاء»، وهي تلعب كرة القدم مع الصبية، وصاخبة ضاحكة كالأطفال، ولكنها أيضاً شرسة إذا تطلب الأمر.
تعيش عزة، يتيمة الأب والأم، مع جدتها المسنة الغائبة في خرف شيخوختها، ورغم ما يبدو من سذاجتها، لكن عزة هي التي تعتنى بجدتها.
وتكون عزة أول المتحمسات للذهاب إلى حمام السباحة وشراء ملابس سباحة زاهية الألوان وفي دعوة الجارات للذهاب إلى المسبح، خصوصاً شامية وليلى.
ويتحول «يوم الستات» في المسبح إلى كرنفال نسائي بهيج، ويوجز وجودهم في حيزهن الآمن كل ما ينقص المرأة في المجتمع الخارجي.
وفي مشهد يكثف الكثير من المعاني نرى النساء وهن يلقين أغطية رؤوسهن ويلي ذلك تنفس عميق وابتسامة. ولكن رغم أن الحيز نسائي فقط، لا يقدم أي من النساء على ارتداء ملابس سباحة صريحة، إذ يمنعهن الخجل والتقاليد من نزول الماء إلا بملابس متحفظة نوعاً.
وفي هذا اليوم والمكان، تتخلى نساء الحي تدريجياً عن التحفظ فيغنين ويرقصن على موسيقى. وفي المسبح يصبح بينهن «عيش وملح»، كما يقول المثل المصري، حيث يشكل الطعام طقساً رئيسياً من طقوس حمام السباحة، ومع الطعام والإحساس بالراحة، ينطلق اللسان ويبدأ في قص ما يوجع القلب.
وتتوثق عرى الصداقة بين النساء. شامية، التي كانت عادة تجابه بصد النساء لها لما يبدو عليها من تحرر، تكسب ود الجميع ويتحلقن حولها في شغف ليسمعنها تحكي عن هؤلاء الرسامين الذين كانوا يطلبون منها أن تكون عارضة عارية للوحاتهم. ونرى في أعين المستمعات تلك الرغبة أن يكن في محل تلك الجميلة التي فتنت الرجال.
وحين تبكي شامية في ألم حقيقي لهجر حبيبها لها لأن عملها جعله لا يقبل على الزواج منها، يبكين معها ولها، ويقبلنها كواحدة منهن تعاني ما يعانين منه.
وفي المسبح أيضاً تغسل النساء همومهن في الماء. بعد رفض طويل، تقتنع ليلى، التي تعيش في حداد دائم، بالذهاب إلى المسبح. هناك عندما تغطس في الماء الذي أخذ منها وحيدها غرقا في مكان آخر، تجد نفسها تنفجر باكية، وهي التي لم تبك قط منذ فجعت في ابنها. وبعد ذلك تبدأ رحلة التعافي.
وتكتشف عزة مدى الحرية والثقة التي تمنحها السباحة، لتصبح أكثر ثقة في نفسها وفي جمالها كامرأة. وتكتشف أن هناك من يعجب بها ويهواها.
ولا تنجرف أبو ذكري للحديث عن المجريات السياسية والاقتصادية في مصر وتكتفي بإشارات عابرة نفهم مغزاها ولا نغرق في تفاصيلها. وكأن أبو ذكري والسيناريست هناء عطية أرادا أن يكون الفيلم حقاً «يوم للستات» في بلد كثيراً ما تكون فيه الأيام عليهن وضدهن.
ومن المشاهد القليلة التي يأتي فيها ذكر مجريات ما يحدث في مصر مشهد تقلب فيه ليلى قنوات التلفزيون لنجد قناة تعرض تقريراً عن حادث «عبارة السلام»، التي غرقت مودية بحياة أكثر من 1000 شخص من كانوا على متنها، وقناة تعرض مقتطفاً من خطاب للرئيس المصري السابق حسني مبارك.
وثمة تطرق إلى قضية التطرف الديني في المجتمع المصري، متمثلاً في شقيق ليلى (أحمد الفيشاوي) الذي يفتعل شجاراً مع النساء، لنعلم من السياق أنه مدفوع بكبت جنسي يشعر به، ويسب من يذهبن لحمام السباحة ويصفهن بالفسق والفجور، ولكن الشارع يتصدى له ويضطر هو لمغادرة الشارع.
وقد يعد ذلك تبسيطاً لمشكلة ضخمة تواجه مصر وتعد مصدراً رئيسياً للتضييق على النساء، ولكن أبو ذكري قررت ألا تغرق في المأساوية، وأن تركز على القوة التي تستمدها النساء من بعضهن البعض.
بقى الإشارة إلى أن موسيقى تامر كروان للفيلم بدت كالخيط الذي تنتظم فيه أحداثه في سلاسة شديدة، كما يبدو أن «يوم للستات» يعد مجازياً «يوم للستات» في السينما المصرية. إضافة إلى أن مخرجته وكاتبة السيناريو له وبطلاته من النساء، فالفيلم أيضاً إنتاج نسائي، فهو من إنتاج «شاهين فيلم»، التي تمتلكها إلهام شاهين، إحدى بطلات الفيلم.
بي بي سي عربي