شامل روكز رجل الواجب يقول كل شيء
عبرا، طرابلس، عرسال، نهر البارد، ليس هناك منطقة لم يطأها شامل روكز، وليس هناك معركة غير معروفة لديه، او لم ير فيها احد رفاقه يسقط في ساحة الشرف. بطل الجيش، ضابط ذو كفاءات استثنائية، «القائد» كما يسميه القريبون منه تودداً، تحدث الى الزميلة ماغازين عن الاوقات المهمة في تجربته العسكرية، وبداياته في تلمس السياسة.
اسمر البشرة خجول، العميد شامل روكز يجمع بين الكياسة والقبضة الحديدية. كلماته يختارها بعناية فتخرج طبيعيه، وافكاره تعرض بهدوء، تدافع عن المبادىء الثابتة. خمس وثلاثون سنة امضاها في الجيش اللبناني صقلت، بالمعنى الايجابي، هذا الضابط اللامع. انضباطي، منظم، محدد متشبث قوي بمفهوم الدولة ومؤسساتها، ايمانه قوي بالشعب ومتفائل بحرارة، يرفض القسوة وعدائية رجال السياسة اللبنانية.
جرح سبع مرات، وعلق على صدره ثمانية عشر وساماً بينها اثنان احدهما فرنسي والاخر اسباني. شامل روكز ربح كل المعارك التي خاضها الجيش اللبناني في السنوات العشر الاخيرة. على رأس فصيل شهير من النخبة (المغاوير) حارب في الشمال، في الجنوب والبقاع، مما عزز في نفسه شعور قوي بالهوية الوطنية وتعلق ثابت بكل شبر من الارض.
ذكريات معركة عبرا في شرق صيدا تعود الى السطح عبر التقرير الجديد (18 تشرين الاول) في دعوى احمد الاسير الذي لم يتم الاستماع اليه بعد من قبل القاضي، بعد مرور سنة على اعتقاله. «نهر البارد كانت اطول معاركي، دامت مئة يوم – كما يتذكر شامل روكز -، ولكن عبرا كانت الاكثر ضغوطاً. كنت مدركاً ان علي انهاءها بسرعة قبل ان يحاولوا ايقافي».
من هم؟ هؤلاء الـ هم يرد ذكرهم دائماً في الاحاديث. العميد شامل روكز، لا يجادل. يعتقد ان الرسائل والدروس التي تستخلص من التجارب التي يمر بها اهم بكثير من الاسماء. همه ان يعطي العسكريين صورة الضابط المنضبط، الذي يخدم سلسلة الرتب القيادية لا يؤكد الشائعات التي راجت في زمن معركة عبرا بحيث اقفل هاتفه لتجنب الضغوط. «في صخب المعركة… لم يعد يسمع شيء… على كل حال فان الاتصالات الهاتفية كانت سيئة في المنطقة» كما يقول، وخلال المقابلة اعترف بانه تعرض لضغوط. «لقد استعدنا مسجد بلال بن رباح، ولكنني لم اكن قد اعلنت ذلك بعد، كما يتذكر، وعندها تلقيت مكالمة هاتفية من مسؤول كبير يطلب الي وقف اطلاق النار، بحجة ان هناك نساء على وشك الولادة في المسجد. وقال محدثي انه استقى هذه المعلومات من المشايخ. دعوت هؤلاء العلماء للمجيء الى عبرا ولكنهم ادعوا انهم لا يتجرؤون على عبور حارة صيدا (ذات الاكثرية الشيعية). قائد المغاوير السابق نقل 12 شيخاً في قافلة الى داخل الجامع. «انظروا النساء اللواتي سيضعن» قائلاً للعلماء، وهو يريهم مخازن الاسلحة والمتفجرات.
استخدام المدنيين كحجة ازعجته اكثر من ثلاث ساعات تأخير بسبب احد ضباطه من آل الشعار من قرية عكار العتيقة، وشقيقه شهيد في نهر البارد اصر على اجلاء كل سكان مبنى كانوا في وضع خطر جداً. انتهت المهمة. تم تأمين الامن في عبرا ولم يسقط اي ضحية مدنية.
بالمقابل، عندما يتذكر مأساة عرسال، حيث تم خطف ثلاثين عسكرياً على ايدي المتطرفين في آب 2014 شعر ببعض الاحباط تولد من الشعور بان المهمة لم تكتمل. «الجهاز العسكري الذي كان منتشراً ارتكب بعض الاخطاء التي حالت دون تأمين دفاع جيد للمراكز العسكرية، كما قال، هذا الجهاز كانت مهمته الاولى القتال ضد العصابات وليس ضد تهديد ارهابي. كان على الجيش ان يأخذ الحذر حيال كل الاحتمالات».
عندما وصل المغاوير الى المحلة، اشتعلت المعركة وشنوا هجوماً مضاداً سمح للجيش باستعادة المواقع التي خسرها وبالتالي توسيع خياراته كالانتقال الى الهجوم. ولكن الاوامر صدرت بوقف العمليات. «حصل وقف لاطلاق النار سمح للمجموعات المسلحة باجلاء العسكريين المخطوفين الى الخطوط الخلفية. ولكن تجمع العلماء المسلمين وعد باعادة الرهائن». كما يتذكر شامل روكز. غير ان الوعد بالطبع لم ينفذ ابداً، هل كان من اجل وقف المعارك؟ «اصدرت الاوامر…. مفضلاً الا اسمع شيئاً عن الموضوع بهدف عدم احباط المؤسسة العسكرية». واضاف: كنا قادرين على كسب المعركة ولكن ربما كانت هناك اعتبارات اخرى اجهلها. قائد الجيش يجب ان يكون يعرفها».
ويشرح العميد روكز اذا استطاع متطرفو عرسال اجراء تقاطع مع مناطق لبنانية اخرى، فانهم يشكلون عندها تهديداً حقيقياً لامن البلاد وهذا ما لم يعد وارداً حالياً. «بصورة شاملة الجهاز العسكري الحالي يؤمن الحماية للقرى وللسكان. فعندما تتحرك المجموعات المسلحة، يتبلغ الجيش بالساعة ويتخذ القرارات. فهو يتمتع بالمرونة اللازمة ليتحرك».
شامل روكز طور خلال السنين اعتقاداً عميقاً بان التضامن بين الشعب والجيش شرط لا بد منه لبناء جيش قوي ومتحد. في زمن الازمة الداخلية، او الخطر الخارجي يجب تطوير مبدأ التضامن الوطني ورص الصفوف حول المؤسسات للدفاع عن البلاد. «التجربة التي عشتها في نهر البارد ثبتت هذه القناعة. عندما وصلت الى هناك لاحظت ان المدنيين ابناء منيمنه، وبحنين وببنين والمحمرة… يحملون السلاح للدفاع عن مراكز الجيش ضد فتح الاسلام. وخلال المئة يوم من المعركة كان المدنيون متضامنين مع العسكر وهذا اعطى دفعاً معنوياً ومادياً للجيش. من هنا ولدت فكرة بانه يجب علينا ان نبقى قريبين من الشعب. ويمكنني ان اؤكد لك، انه حيثما كنا ذاهبين، 50 بالمئة من مهمتنا كانت قد انتهت لدى وصولنا، لان الشعب ايضاً كان معنا».
من هذه التجربة ولدت فكرة السباق من ثكنة الى ثكنة الذي نظمه المغاوير والذي يجمع كل سنة مئات العسكريين والمدنيين. هذا الحدث اصبح موعداً تقليدياً وهو يتابع حتى بعد تقاعد العميد روكز، عبر جمعية تدعى «كشافة القمم».
انطلاقاً من هذه القناعة، يؤيد شامل روكز احياء قرار خدمة العلم للرجال والنساء على غرار النموذج السويسري. «تجنيد لثلاثة اشهر في السنة الاولى، ثم خمسة عشر يوماً كل سنة يعطي الشباب الشعور بانهم يخدمون وطنهم، قال، ويتلاشى الشعور بانهم غير معنيين لدى وقوع معركة. كل لبناني يجب ان يشعر انه معني باي شبر من الارض وباي شهيد لبناني. ابناء كسروان او المتن يعتقدون ان ابناء حاصبيا، والجنوب مختلفون، لانهم لا يعرفونهم، والعكس صحيح. خدمة العلم هي فرصة للتلاقي، فيكتشفون انهم ليسوا مختلفين بعضهم عن بعض، يأكلون، يعيشون ويعملون معاً، وهذا يخلق جواً من الانفتاح».
على الرغم من خمس وثلاثين سنة في الجيش، يعتبر شامل روكز انه لم يقدم كفاية من اجل بلده. «اشعر بأن لي القدرة على أن اعطي المزيد واكمال ما بدأته في المؤسسة العسكرية». كما اشار. مع ذلك يدافع عن دور الوسيط الذي ينسبه اليه البعض، انه ليس رجل وساطة الذي يدوّر الزوايا ولكنه رجل مبادىء «انطلاقاً من هذه المبادىء اتعامل مع الجميع بطريقة واحدة. هدفي اقامة اكبر تضامن بين اللبنانيين حول قضية وطنية، قضية الدولة».
هل تساوره فكرة النيابة؟ «كل الخيارات مفتوحة. النيابة، الوزارة واي مركز اخر نشغله هي وسائل لخدمة الوطن وليست الهدف». اذا سئل هل انه يحب «كسروان واهله»، يؤكد، انه من المبكر جداً لهذه الموضوع. هل يكون رئيس لائحة، مستقلاً، عضواً في ائتلاف انتخابي؟ «فلننتظر ونر الظروف».
شامل روكز لا يتهرب من اي سؤال، حتى الاسئلة المزعجة. ولكن نشعر احياناً من خلال اجاباته ان هناك مواضيع يفضل عدم الاسترسال في الحديث عنها، كونه صهر العماد ميشال عون هل هذا مكسب له او على العكس فرملة؟ «لم اطمح يوماً ان اكون صهر العماد عون» قال. ربما في هذه الاجابة تورية او اشارة ما. انه لا يقول اكثر من ذلك ولكنه يحدد ان العماد ميشال عون كان بالنسبة اليه قائد الجيش وقائداً سياسياً. «لدينا علاقات عائلية سليمة. ولا مرة كان هناك تفكير بتقاسم الحصص او الادوار داخل العائلة».
علاقته بزوجته كلودين عون تعود الى العام 1990. ثم حصل الانفصال بسبب منفاها الباريسي الى جانب والدها وزواجها الاول. التقينا مجدداً في العام 2005 وقررنا تأسيس عائلة. قال، واشار الى ان هذه العلاقة تحكمها العواطف ولا شيء اخر.
موضوع اخر من المحرمات، علاقته مع وزير الخارجية ورئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل، والتي يصفها البعض بأنها سيئة. حاول التقليل من اهمية هذه المعلومة. العميد شامل روكز يرسم مجالات كل منهما. «انه رئيس التيار الوطني الحر، ويهتم بحزبه. انا لدي طريقتي في التفكير والعمل. عندما نلتقي لا نتحدث عن هذه الامور. وسائل الاعلام تحدثت عن مصالحة بعد ان نشرت زوجتي صوراً لغداء عائلي. ولكن هذا اللقاء لم يكن فيه ما هو غير طبيعي. احياناً نتناقش في السياسة ولكن لكل منا انشغالاته».
شامل روكز يعمل من اجل قانون جديد للاحزاب، يتجاوز الانقسامات الطائفية ويشجع على الهوية الوطنية. «اليوم، الاحزاب هي طائفية ويجب ان يتوقف ذلك» كما يقول. كذلك يهدف الى العمل الشعبي والهدف الاوحد تدعيم الدولة. «البلاد بحاجة الى ثورة عبر الاستطلاعات الشعبية وذلك بفضل قانون انتخاب جديد. نحن في نظام برلماني والشعب هو مصدر كل السلطات. يجب العودة الى الشعب، يجب اخراجه من الطائفية والمذهبية اللتين يتخبط فيهما». الاولية هي لانتخابات رئاسية واي اصلاح يجب بالضرورة ان يمر عبر قانون انتخاب جديد، ومحاربة الفساد واللامركزية. انه مستعد للعمل مع كل من يؤمن بهذه المبادىء باستثناء الفاسدين والمجرمين وليفهم من يفهم.
بول خليفة
الاعلان عن ممتلكاته
يرفض شامل روكز ان يرد على حملات التشويه التي تستهدفه. «على قائد الجيش الرد على هذه الحملات» كما يقول. ويؤكد انه قدم للسلطات المعنية جردة بممتلكاته لدى دخوله الى الجيش واخرى قبل تقاعده. انه غير مديون ولكنه استعان بقرض مصرفي لبناء فيلا في اللقلوق (جبيل) وهي على وشك الانتهاء.
ضد التمديد لقهوجي
العميد شامل روكز ضد مبدأ التمديد، بما في ذلك قيادة الجيش. فهو يعتبر انه يجب تطبيق مبدأ التداول «هناك ضباط لديهم الكفاءة المطلوبة، يجب اعطاؤهم الفرصة. يجب احترام المهل ومدة الولاية. هذه المبادىء مقدسة في قلب المؤسسة العسكرية ولكنها لا تحترم بسبب الظروف الحالية».