سياسة لبنانية

التدخل الروسي في سوريا والملف الرئاسي اللبناني

تردد أن الرئيس تمام سلام تلقى (خلال زيارته نيويورك لتمثيل لبنان في أعمال الجمعية العمومية للأمم المتحدة) نصيحة من أحد القادة العرب بأن يتوقف المسؤولون اللبنانيون عن المراهنة على أن تسهل إيران انتخاب رئيس وأن يقلعوا عن مطالبتها بذلك، وأن يطلبوا بدلاً من ذلك من موسكو أن تبذل جهودها في هذا الصدد لأنها أقدر على أن تحصّل نتائج من طهران في هذا الملف، من أي جهة أخرى.
وفي بيروت، اعتبرت شخصية سياسية بارزة ومعنية بمتابعة الاتصالات لإنهاء الشغور الرئاسي عن كثب، بعد أن كان التدخل العسكري الروسي في سوريا أخذ مداه، أن النصيحة التي تلقاها سلام سليمة وصحيحة، لأن ما سينجم عن هذا التدخل لا بد من أن يأتي بحل سياسي لسوريا، قد لا يكون قريباً، لكن الحملة العسكرية الروسية لا بد من أن تنتهي بهذا الحل، الذي سينجم عنه فتح ثغرة في الأزمة اللبنانية تؤدي إلى انتخاب رئيس.
وفي اعتقاد الشخصية نفسها أن ما يقال عن أن تدخل موسكو في سوريا يأخذ من دور إيران فيها ليس بعيداً من الواقع، وبالتالي فإن هذا سينعكس على ثقل طهران في التركيبة اللبنانية. فولوج الحل السياسي الذي دونه صعوبات الآن، لا بد من أن ينتج انسحاباً لحزب الله من سوريا عندما يحين وقت التسوية، وينعكس الأمر تغييراً في المشهد السياسي في البلدين.
وعن المقصود بما يتردد في بعض الأوساط عن أنه سيكون لموسكو دور في المخرج من الشغور الرئاسي بموازاة السعي لحل سياسي في سوريا؟ تسارع المصادر المتابعة لهذا الاحتمال إلى القول إن دور موسكو لا يعني أنها هي التي ستختار الرئيس، على رغم أنها متابعة عن كثب منذ زمن كل ما يتصل بالاستحقاق اللبناني بما فيها الأسماء المحتملة، بل أنها ستدفع نحو وقف تعطيل الانتخاب، في سياق التوافقات الدولية الإقليمية على تفكيك التأزم في المنطقة وامتداده إلى لبنان. وهي تعرف أن الأمر يتطلب توافقات إقليمية قبل أي شيء.
وتقول مصادر سياسة إن موسكو باشرت بهدوء جس النبض حول لبنان، وإن دبلوماسيين روساً تحدثوا عن خطورة الوضع فيه واحتمال انهيار مؤسسات الدولة في كل لحظة.
وبدت موسكو مقتنعة باستحالة وصول رئيس للجمهورية محسوب على طرف أو آخر، وأنه لا بد من طرح ملف لبنان جدياً لحظة وصول مفاوضات جنيف لحسم مدة بقاء الأسد. وتردد أن أحد الأطراف الإقليمية اقترح انتخاب رئيس لمدة سنتين، ما يفتح المجال لإعادة ترتيب الصورة اللبنانية بعد انتهاء المرحلة الانتقالية في سوريا. لكن موسكو أبدت رفضها لأي تعديل دستوري قد يفتح الباب أمام ورشة وتعقيدات كبيرة.
ويعتبر القريبون من حزب الله «إن ما بعد دخول الروس الى سوريا سيختلف عما قبله بالنسبة  إلينا، وميزان القوى في لبنان سيكون مريحاً أكثر لنا، حيث سيكون حزب الله أكثر قدرة على التحكّم باللعبة السياسية». وقد أظهرت طهران إشارتين إلى إمكان انتخاب رئيس للجمهورية قريباً: الأولى في قول بروجردي إنه يأمل أن تكون زيارته التالية للقصر الجمهوري، والثانية هي قول ولايتي للوزير جبران باسيل إننا نأمل في انتخابات رئاسية قريبة. وثمّة اعتقاد لدى كثيرين بأن التدخل الروسي يحظى بموافقة دولية – إقليمية شاملة.
فليس بوتين في وارد ارتكاب خطأ المغامرة عسكرياً بهذا الحجم في سوريا، وليس بالتأكيد في وارد التسبب في اندلاع حرب إقليمية أو عالمية بشرارة سورية. ويردد القريبون من الحزب أن التسوية في سوريا ستتم على الأرجح قبل الربيع المقبل، أي أن الخريف والشتاء السوريين سيشهدان ضغطاً عسكرياً روسياً – إيرانياً هائلاً نحو الحسم. وهذا ما سيدفع المحور العربي والإقليمي المقابِل إلى الموافقة على التسوية من دون شروط تذكر. وهذا التنازل سيترجم أيضاً في لبنان حيث تصبح التسوية ممكنة.
وترى جهات متابعة في 8 آذار أن لا حل سياسياً في سوريا قبل بداية حسم المعارك على الأرض والقضاء على الجماعات الإرهابية، وقبل حصول هذا الأمر وتحقيقه على الأرض، لا يظنن أحد أن القطار السياسي سينطلق وأن بوتين قرن القول بالفعل في مساندته النظام، ولذلك فتح أبواب الكرملين أمام الأسد.
وتؤمن جهات في 8 آذار بأن التبدلات الجديدة في الحرب السورية التي دخلت عامها الخامس «تصب في مصلحة محورنا»، إلا أنها لن تصل الى الخواتيم الإيجابية، قبل فتح قنوات اتصال حقيقية بين إيران والسعودية وتوصلهما الى مخارج اتفاق في اليمن.
من جهتها، ترى مصادر في 14 آذار أنه وعلى رغم أن لا مؤشرات إلى نيات حزب الله الدخول في تسوية سياسية، إلا أن اللافت للانتباه أن كلامه المكرر عن عدم التعويل على الخارج أتى هذه المرة بعد الدخول الروسي في الحرب السورية، ما يعني أن لديه قناعة علنية وضمنية بأن هذا التدخل لن يُفضي إلى حلول سريعة للأزمة السورية، وذلك خلافاً للترويج الذي يتولاه فريقه السياسي والذي من الواضح أنه يدخل في باب الحرب النفسية لا أكثر ولا أقل، خصوصاً أن موسكو وبعد شهر تقريباً على دخولها الحرب السورية لم تنجح بتغيير الوقائع الميدانية، بل باتت تستجدي حلاً سياسياً يخرجها من مأزق تورطها العسكري في هذه الحرب.
وأما في حال قرر حزب الله جدياً عقد تسوية داخلية فذلك يعني إستباق أي تدخل روسي لحل الأزمة اللبنانية، لأن فشل موسكو بتحقيق حل في سوريا قد يدفعها في خطوة تعويضية إلى البحث عن تسوية في لبنان تحت مسمى «اتفاق موسكو». فأن تكون استراتيجية إيران وروسيا استراتيجية واحدة مبدئياً، لا يعني تسليمها كل الأوراق في المنطقة، لأن الورقة السورية اليوم أصبحت موضوعياً بيد موسكو، ولا رغبة لطهران بأن ينسحب هذا الواقع على الملف اللبناني، بل تريد إبقاء المبادرة بيدها، الأمر الذي يتطلّب الخروج من التعطيل السياسي قبل أن تبادر موسكو لبنانياً.
(الحريري قال في بيان له: «إن تعليق الآمال على التدخل العسكري الروسي في سوريا لقلب طاولة الحوار في لبنان هو رهان في الاتجاه السياسي الخاطىء، وإذا كان البعض يجد في هذا التدخل محاولة أخيرة لإنقاذ رئاسة بشار الأسد من السقوط، فإننا على يقين، بأن لا شأن للتدخل الروسي ولا صلة له بتحديد مصير رئاسة الجمهورية في لبنان والأمور التي تنظم العلاقة بين اللبنانيين». وأعلن «أننا من جهتنا، لا نرى وظيفة للحوار الوطني في هذه المرحلة من حياة لبنان، سوى البت بمصير رئاسة الجمهورية وإنهاء الفراغ في سدة الرئاسة، والتوافق على شخصية وطنية تعيد الإمساك بمفتاح تكوين السلطة وتفعيل عمل المؤسسات الدستورية. خلاف ذلك، يذهب حزب الله بالحوار الى الدوران في دوامة الانتظار الإقليمي، وهو انتظار لن يجدي نفعاً، مهما طال أمده أو قصر»).
مصادر دبلوماسية غربية تقول إن «منطق التسوية في دمشق لن يأتي برئيس لبناني ينحاز الى فريق من اللبنانيين بل سيؤيد رئيساً توافقياً يجمع بين الفريقين 8 و14 آذار انطلاقاً من أن البحث يدور حول تسوية قد تشارك فيها إيران والسعودية والدول العظمى. وهذا ما بدأ به وزير الخارجية الأميركي كيري». وتؤكد المصادر الغربية «أن أي تسوية مفترضة في سوريا إذا أبقت الأسد في السلطة مدة محدودة، فإنها لن تسمح للفريق المؤيد له على الساحة الداخلية اللبنانية بالتصرف كأنه قادر على ترجيح انتخاب رئيس وتسجيل انتصار على الفريق الآخر. فالأمور لن تعود الى الوراء في سوريا، والبحث يدور على صيغة مستقبلية وفاقية».
وتشير المصادر الى «أنه في انتظار انقشاع الوضع في سوريا وفي السياق نفسه الوضع الإقليمي والدولي، سيكون الوضع في لبنان متأزماً، وقد يتصاعد التأزم مع تصاعد الأزمة في سوريا مما قد يشكل خطراً على الوضع الداخلي اللبناني من ناحيتين، نتيجة لتزايد عدد اللاجئين السوريين الذين سيفرون من المعارك في سوريا والتأزم المذهبي الذي ستشهده المنطقة، وصعود التطرف وفقا لما لمح إليه الرئيس فرنسوا هولاند».

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق