تحقيق

«متحف ذاكرة بيروت” الى ربيع 2015

انه “البيت الأصفر”، او “بيت متحف بيروت”، تحت الأضواء مجددا، والمناسبة زيارة رئيس بلدية باريس برتران دولانوي الى بيروت آتيا من باريس مع وفد، لمتابعة مراحل تنفيذ مشروع “بيت متحف بيروت” في منطقة السوديكو وتبادل الخبرات بين بلديتي بيروت وباريس بشأنه، بدعوة من رئيس بلدية بيروت بلال حمد الذي “زف” اللبنانيين بشرى سارة، واخيرا وبعد طول انتظار، “العمل بمتحف بيت بيروت سينتهي في ربيع 2015”؟! فما هي حكاية ذاك البيت الأصفر وما علاقته بذاكرة بيروت!

هو البيت الأصفر في منطقة السوديكو مجددا تحت الاضواء بكل ما يحمله من ذكريات وحكايات، هو الشاهد على جولات وصولات الحرب اللبنانية وخطوط تماسها، لكنه وسط كل ذاك الجنون والعنف تمكن من الصمود مؤكدا انتصار ارادة الحياة، ومن هنا أرادت بلدية بيروت تحويله الى مبنى لكل أبناء لبنان من خلال إعطائه إسم “بيت بيروت” بحيث يحافظ هذا المرفق العمراني على هوية وتراث بيروت ويجعل من المكان مركزا حضاريا وثقافيا ومدنياً مفتوحاً للجميع  يؤكد على انتصار لغة الحوار من خلال معارض فنية ومنتديات للشعر ومسرح ومركز للمحاضرات ستشكل الذاكرة الاصيلة لبيروت.

مبنى بركات.. الأصفر
يعتبر المبنى الأصفر في منطقة السوديكو في بيروت من ابرز المباني التي   لا زالت صامدة بعد ما اصابها من وحشية وقذائف وشظايا الحرب اللبنانية التي امتدت لسنوات طويلة وكان المبنى الاصفر شاهدا وساحة لها. ولهذا المبنى التاريخي تسميات عدة منها “بيت بيروت”، و«مبنى بركات” وغيرها…
 فهذا المبنى الذي يقع على زاوية الطريق، ويحمل خلف صورة بيروت الكبيرة التي تغطيه وعنوان “متحف لذاكرة الحرب” آثار وذكريات كل سنوات الحرب وبصماتها في كل ارجائه، بني في أوائل العام 1924 وعرف يومها باسم “مبنى بركات”، وتألف حينها من طبقتين مبنيتين من الحجر الرملي الأصفر اللون، عمره المعماري الشهير يوسف أفندي أفتيموس أحد أوائل المهندسين اللبنانيين بناء على طلب أصحاب المبنى من آل بركات، وقد زاده هذا البناء شهرة، وكمله في العام 1932 المهندس المعماري فؤاد قزح مضيفا اليه طبقتين إضافيتين بناء على طلب آل بركات. وكان في ذلك الوقت يعد تحفة معمارية مهمة.
يتألف المبنى اذا من أربع طبقات، تزينها أعمدة وقناطر مزخرفة ودرابزين مشغول، ويتميز بـ«متكأ الفراغ” وهو الجسر الممدود في الهواء والملتف كحزام حول الأعمدة، فيربط شرق البناء بغربه ويمحو الحدود بين الجهات، ويعتبره المهندسون والخبراء إنجازاً طليعياً هندسياً وتراثياً فريداً، وذا قيمة معمارية إستثنائية ونموذجاً من هندسة العشرينيات.

 


 

على خط التماس
وعلى مدى سنوات طويلة، استقبل المبنى الكثير من العائلات البيروتية ممن عملت وسكنت فيه، ومنهم الدكتور نجيب الشمالي (جراح في طب الأسنان) الذي سكنه منذ العام 1943، وكان يرتفع على مجموعة من المحال الراقية التي أغلقت أبوابها مع بداية الحرب وهاجر أصحابها، وقد ظل كخلية نحل نابضة بالحياة إلى أن حطت الحرب الأهلية رحالها في العام 1975، فوقوعه على تقاطع نشط بين طريق الشام وشارع الاستقلال حوله خلال الحرب الأهلية إلى خط تماس، ومن ثم مركزاً عسكرياً، ولم يسلم البيت من القناصة الذين استغلوا هندسته المفتوحة على الخارج في لعبة القنص، فبنوا جدراناً عمقها متر و80 سنتمتراً، أضافوا فوقها أكياس رمل، لحماية أنفسهم من الرصاص المضاد.
وبانتهاء الحرب في العام 1989، بدا ذاك المبنى مختلفاً تماماً عن النموذج الذي كان يمثله في السابق، فقد اخترقته الأعيرة النارية والقذائف، وتحولت طبقاته إلى شهود عيان على شتى أنواع الأسلحة المستخدمة في تلك الحرب، ولم تقتصر أزمة هذا البيت على الحرب الأهلية ورصاص القناصين، فيد المتعهدين طاولته وقررت هدمه وبيع تراثه، قبل أن تتسارع الجمعيات المدنية والناشطون للمطالبة بحمايته والحفاظ عليه، ودفع بلدية بيروت للاستيلاء عليه ووضعه تحت وصايتها.

 

“أبساد” انقذته
فمنذ العام 1997، واجه مبنى بركات خطر الهدم، على الرغم من طابعه المعماري المميز، إلا أن المساعي الجبارة التي بذلها المهندسون المعماريون والناشطون في المحافظة على التراث والصحافيون والمنظمات غير الحكومية مع الجهات الرسمية نجحت في المحافظة على هذا المبنى، وكان في طليعة هؤلاء منى حلاق رئيسة جمعية المحافظة على المواقع التراثية والطبيعية والأبنية القديمة في لبنان “أبساد”، وهي مهندسة معمارية شكلت الصوت الأساسي في المحافظة على مبنى بركات في السوديكو، وقد ناضلت حتى استُملك من بلدية بيروت.
وهكذا وبفضل تلك الجهود، ومع انطلاق مرحلة إعادة إعمار بيروت، سلط الضوء على هذا المبنى لعراقته ولكونه يمثل إرثاً معمارياً يجب الحفاظ عليه، وفي صيف عام 2003 ، أصدرت الحكومة اللبنانية تعليمات تقضي بنقل ملكية المبنى الأصفر إلى بلدية بيروت، ونص المرسوم رقم 10362 تحديداً على إنشاء “متحف وملتقى ثقافي وفني وحضاري، ومكان لحفظ الأبحاث والدراسات التي تتناول مدينة بيروت عبر التاريخ”.

 

وصار “بيت بيروت”
وفي عام 2006، وقعت بلديتا بيروت وباريس اتفاق تعاون شمل ترميم المبنى، بعدما تعهدت باريس بالمساعدة في التمويل، وقامت بلدية باريس بتأليف لجنة من معماريين بهدف مساعدة بلدية بيروت على وضع برنامج للمتحف، واختيار معماري لبناني لإعادة التأهيل، وفي أيلول (سبتمبر) 2008   أطلقت البلدية مشروع تحويله ذاكرة للمدينة بمبلغ كلفته 15 مليون دولار تحت اسم “بيت بيروت”.
واوضح القائمون على المشروع، أن البيت بصورته الجديدة سيضم في طبقته الأرضية مكتبة وكافيتيريا ومحلا لبيع التذكارات، أما في الطبقة الأولى، من الجهة الشرقية، فسيُعاد تأسيس المكان الذي كان يشغله الدكتور نجيب الشمالي، وتُخصص الجهة الغربية لذكرى القناصين والحروب والتركيز على الناحية الإنسانية للقتال. وستخصص الطبقة الثانية لتطور بيروت العمراني والاجتماعي ابتداءً من القرن التاسع عشر، أما الطبقة الثالثة فستزال غرفها كلها لتكون مساحة واسعة للفنون، وسيتحوّل سطح البيت إلى مطعم يساهم في تأمين دخل للمشروع.
 

الى ربيع 2015…
وكان من المفترض، أن يتم فتح أبواب هذا المتحف الخاص بتاريخ مدينة بيروت لاستقبال الزوار في عام 2012، لكن هذا الأمر لم يحصل، جراء تجاذبات سياسية مختلفة، الا ان المجلس البلدي لمدينة بيروت أطلق الاعمال في هذا المشروع قبل نحو عام ونيف، ووضع حجر الاساس في 2012. وقامت بلدية باريس خلال هذه المرحلة، أي قبل بدء الاعمال، بمواكبة بلدية بيروت في إرسال خبراء في المتاحف والمراكز الثقافية شاركوا في وضع التعاميم والدراسات، كما ارسلت وفودا واكبوا عملية التنفيذ .

ووفق ما اعلنه رئيس بلدية بيروت بلال حمد امس انه “من المتوقع ان ينتهي العمل ببيت بيروت في ربيع 2015، وسنحتفل ان شاء الله بانتهاء اعمال المبنى الاصغر، اذ اننا لا نقوم فقط بترميم المبنى، بل نشيد أيضا مبنى جديدا ملحق به، وسيكون هذا المتحف ذاكرة مدينة بيروت “.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق