سياسة عربية

تونس: الازمة تتعمق و«التأسيسي» يعطل اعماله

رغم كل المحاولات التي تبذل للتخفيف من حدة الازمة التونسية، والوصول الى حلول وسطية لتلك الازمة التي يحاول بعض الاطراف الدفع بها نحو خط سير يلتقي مع الخط المصري المتفجر، بدا واضحاً انها ما زالت في تصاعد مستمر، وان عناصر التفجير فيها تعمل على تجديد نفسها وصولاً الى تحقيق الشعارات التي ترفعها المعارضة.

ما يعزز تلك الفرضية، التصاعد المستمر في تفاصيل الازمة، وصولاً الى مستوى المواجهات العسكرية في العديد من المحاور، وبلوغ تلك المواجهات الذروة على الحدود مع الجزائر. فالمواجهات هناك تطورت آلياتها وصولاً الى استخدام القصف الصاروخي، والطائرات، والمدفعية وجميع انواع الاسلحة الثقيلة. ومن ابرز ما يميز تلك المواجهات ان العناصر الفاعلة فيها من القوى الاسلامية، حيث يقوم الجيش بقصف مواقع تابعة لتنظيمات سلفية، انقلبت على حزب النهضة الذي يعتبر المظلة السياسية التي تنضوي تحتها جماعة الاخوان المسلمين. بينما تتشكل المعارضة من قوى اسلامية (سلفيين)، وليبرالية ويسارية وغيرها. وسط معلومات عن اتساع دائرة المعارضة وانضمام احزاب جديدة اليها، وانقسام حاد في النشاط الاعلامي تبعاً لمرجعيات الموالاة والمعارضة. في تلك الاثناء، تتواصل المحاولات الهادفة الى لَم الشمل وتحقيق المصالحة بين الاطراف البارزة في النشاط السياسي على الساحة. غير ان المؤشرات تؤكد عمق الفجوة في الطروحات بين الجانبين من جهة، والاطراف من كل جانب. في هذا السياق، دعا الرئيس التونسي المنصف المرزوقي المجلس التأسيسي – البرلمان – الى استئناف عمله مقترحاً تشكيل حكومة وحدة وطنية لاخراج البلاد من الازمة السياسية الحادة التي تعمقت اثر اغتيال النائب المعارض محمد البراهمي امام منزله في الخامس والعشرين من شهر تموز (يوليو) الفائت.

دعوة المرزوقي
وقال المرزوقي في خطاب ألقاه خلال حفل بمناسبة عيد المرأة التونسية، ان على المجلس التأسيسي المكلف صياغة دستور جديد لتونس أن يرجع الى عمله، وان يعطي دستور البلاد الاولوية، وان يحدد موعد الانتخابات، بحيث تتضح خريطة الطريق التي يعول عليها البعض للخروج من عنق الزجاجة.
واقترح – تحديداً – تشكيل حكومة وحدة وطنية تمثل فيها كل الاطياف السياسية، وتشارك في صنع القرار، وفي التأكد من أن الانتخابات المقبلة ستكون حرة ونزيهة «مئة بالمئة» وأنها لن تشوبها شائبة، وتعطى كل الضمانات لمن يريدونها.
وتطالب المعارضة بحل المجلس التأسيسي والحكومة التي يرأسها علي العريض القيادي في حركة النهضة الاسلامية وبتشكيل حكومة انقاذ وطني غير متحزبة. غير ان حركة النهضة ترفض هذا المقترح وتطالب بتشكيل حكومة وحدة وطنية تضم احزاب المعارضة التي رفضت بدورها هذا الاقتراح.
وكان مصطفى بن جعفر رئيس المجلس التأسيسي والامين العام لحزب التكتل أحد الشريكين العلمانيين في الحكم لحركة النهضة، اعلن الاسبوع الفائت تعليق أعمال المجلس الى اجل غير مسمى، مفسحاً المجال امام اطلاق حوار بين الفرقاء السياسيين.
ودعا بن جعفر الاتحاد العام التونسي للشغل (الهيئة المركزية النقابية) الى القيام بدوره في جمع الاطراف حول طاولة الحوار على اساس المبادرة التي اطلقها الاتحاد في 29 تموز (يوليو)، والتي تنص على حل الحكومة الحالية والتوافق على شخصية وطنية مستقلة تكلف بتشكيل حكومة كفاءات، شريطة ان تكون محايدة ومحدودة العدد وتضم شخصيات مستقلة يلتزم أعضاؤها بعدم الترشح إلى الانتخابات المقبلة. كما تنص على إحداث لجنة خبراء في القانون الدستوري وتكليفها بمراجعة الدستور الذي اعده المجلس التأسيسي والعمل على تخليصه من كل الثغرات والشوائب التي تنال من مدنية الدولة ونظامها الجمهوري والتي تمس الخيار الديموقراطي.
الى ذلك، أقرّ إسلاميو حركة النهضة الحاكمة في تونس ومعارضو حركة نداء تونس أنهم أجروا مباحثات سرية في أوروبا خلال الأسبوع الفائت على امل إيجاد حل للأزمة السياسية التي تعصف بالبلاد. وأفاد الحزب المعارض في بيان له أن زعيم نداء تونس، رئيس الوزراء السابق الباجي قائد السبسي، الذي يصنف ضمن خانة العداوة مع الإسلاميين، التقى خلال جولته الأوروبية زعيم حركة النهضة راشد الغنوشي الذي اكد لاحقاً على ايجابية وصراحة اللقاء، دون ايراد المزيد من التفاصيل، بينما أفادت وسائل الإعلام التونسية أن اللقاء كان في باريس. وكشفت حركة نداء تونس التي تصنف ضمن اطار (يمين الوسط) عن تلك المباحثات بعد كثرة الشائعات حولها، في حين نفى الغنوشي بشدة أن يكون غادر تونس لإجراء تلك المفاوضات. ولم يوضح الطرفان لماذا فرضت السرية على ذلك اللقاء، بينما تعاني تونس من أزمة سياسية حادة تعصف بالشارع.

رفض المفاوضات
وقالت «نداء تونس» في بيانها: إن الاجتماع مع الغنوشي نظم بالتوافق مع الشركاء في جبهة الخلاص الوطني التي توصف بانها تضم اطرافاً غير متجانسة. وكان المعارضون يرفضون أية مفاوضات طالما لم تقدم  الحكومة التي تقودها حركة النهضة الإسلامية استقالتها، بينما قالت الحركة إنها لن تستقيل. وقال الإسلاميون إنهم يرفضون أي مفاوضات طالما تستمر المعارضة في المطالبة باستقالة الحكومة. وبالتزامن، أبلغ رئيس الحكومة التونسية علي العريض وفداً برلمانياً تونسياً  سبق ان التقاه أن حكومته منفتحة على المبادرات التي من شأنها الخروج ببلاده من الأزمة السياسية التي تمر بها مؤكداً انه سيعمل على توفير المناخ السياسي لإنجاح المسار الانتقالي وتحمل المسؤولية في التصدي للإرهاب ومواجهة المخاطر التي يمكن ان تحوط ببلاده. واعلن حزب النهضة الحاكم ان مجلس شورى الحزب سيعقد اجتماعاً خاصاً لمناقشة المبادرات الهادفة الى اخراج البلاد من الازمة المستمرة. وكشف الحزب عن وجود العديد من المبادرات الجدية التي يمكن دراستها، على امل التوصل الى حل يجنب تونس الانجرار نحو العنف، لكنه لم يوضح ماهية هذه المبادرات.
في تلك الاثناء، قال مصدر عسكري تونسي إن القوات المسلحة التونسية قصفت بالطائرات إسلاميين مسلحين قرب الحدود الجزائرية، واعتقلت أربعة منهم، وقتلت آخرين. وقال شهود ومصدر عسكري: إن قوات الجيش نفذت ضربات جوية، استهدفت بها مسلحين إسلاميين يختبئون في جبل الشعانبي. وكثف الجيش التونسي من قصف المواقع المشبوهة في منطقة جبل سمامة وسط غربي البلاد. بينما كثفت القوات المسلحة من تواجدها في المنطقة، بناء على معلومات تؤكد وجود عناصر إرهابية  في هذا الجبل. وأشار المصدر إلى استمرار عمليات القصف البري والجوي، وكذلك عمليات الاستطلاع الجوي لرصد تحركات المجموعات الإرهابية في جبلي «سمامة» و«الشعانبي».

تونس – «الاسبوع العربي»

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق