سياسة لبنانية

الجولة الأولى لـ «الانتخابات البلدية» قراءة سياسية في النتائج والخلاصات

جرت الجولة الأولى للانتخابات البلدية في بيروت والبقاع، وهذه أبرز الخلاصات والاستنتاجات والنتائج:
1- إجراء الانتخابات البلدية في هذا الظرف يعد إنجازا في حد ذاته. هذا دليل حسي على أن الدولة موجودة وقادرة على تنظيم انتخابات رغم كل الفراغات التي تضرب بنيتها الفوقية وأدت الى حال شلل وتعطيل على مستوى قمة السلطة… وهذا مؤشر إيجابي للوضع في لبنان الذي يذهب الى انتخابات مستوفية للشروط والمواصفات وسط محيط متفجر ومتدهور… إنه مؤشر على وجود حد معقول من حياة سياسية ديمقراطية، وعلى وجود وضع أمني مستقر.
الانتخابات البلدية إنجاز يسجل للدولة اللبنانية التي تعيش مفارقة لافتة: المؤسسات السياسية الدستورية في الدولة معطلة، فارغة (الرئاسة) أو مقفلة (المجلس) أو في وضعية تصريف أعمال (الحكومة)… أما المؤسسات والأجهزة الأمنية فإنها ناشطة وفعّالة. وفي الوقت الذي تخوض مواجهة مفتوحة مع الإرهاب، هي قادرة على خوض تحدي حماية الانتخابات وتوفير المناخ الأمني لها… المفارقة الثانية أن الدولة المكشوفة الرأس ليست عارية القدمين، والدولة الجامدة والفارغة على مستوى قمة السلطة ليست كذلك على مستوى قاعدة السلطة وبناها التحتية.
الانتخابات البلدية التي تسجل للدولة، تُسجل «عليها» أيضاً. فالدولة القادرة على إجراء انتخابات بلدية على امتداد كل الوطن قادرة على إجراء انتخابات نيابية أيضا. وهي عندما تنجح في إجراء انتخابات بلدية إنما تبطل المسوغ والمبرر الذي اعتمد في التمديد للمجلس النيابي وتفضح السبب السياسي في عدم إجراء الانتخابات النيابية وافتعال ذريعة الوضع الأمني… ولذلك لا يعود مستغرباً بعد اليوم أن تزداد الضغوط في اتجاه إجراء انتخابات العام 2017 النيابية وأن يكون من الصعب جداً تمرير مشروع التأجيل والتمديد مرة جديدة إلا في حالة «الأسباب والظروف القاهرة» وفي حالة «الحرب»… وهذه الضغوط في اتجاه الانتخابات النيابية سترفع درجة الضغوط في اتجاه إقرار قانون جديد للانتخابات ومن حماوة المعركة السياسية الدائرة حول هذا القانون.
2- ما لفت في انتخابات بيروت وكان «علامة فارقة» هو تدني نسبة المشاركة والاقتراع التي بالكاد لامست عتبة الـ20 في المئة…
المعركة في بيروت لم تكن معركة انتخابات ومن يفوز، المعركة كانت معركة مشاركة وأي نسبة. فقد كان محسوماً أمر فوز لائحة «البيارتة» وخسارة لائحة «بيروت مدينتي» في معركة غير متكافئة سياسياً (تكتل كل الأحزاب) ولوجستياً (إمكانات وماكينات). والأنظار اتجهت الى نسبة المشاركة التي جاءت متدنية ودون التوقعات، وأيضاً دون حملة التعبئة السياسية التي قادها الحريري شخصياً ولاقاه فيها قادة الأحزاب المسيحية عبر بيانات ومواقف تحث على المشاركة والتصويت لـ «المناصفة»… وهذه المشاركة الضعيفة والخجولة والتي أمكن تبريرها بأنها مماثلة لآخر انتخابات بلدية جرت في العام 2010، مردها الى جملة أسباب لعل أبرزها وأهمها إثنان:
– «أزمة الثقة» المتفاقمة بين الطبقة السياسية «المنتخبة» والطبقة الشعبية الناخبة، وهذا الإحجام الانتخابي يعكس حالة إحباط و«قرف» الناس الذين ما عادت لديهم ثقة بأن الانتخابات يمكن أن تغيّر وتحسن في أحوالهم، خصوصاً وأن الانتخابات البلدية جاءت في ظل أوضاع مزرية وضاغطة بلغت نقطة الذروة بعد تكدس النفايات لأشهر في شوارع بيروت، وبعدما فاحت رائحة الفساد على نطاق واسع، وبعد تظاهرات وصرخات احتجاجية جرت في وسط بيروت…
– «أسباب انتخابية – تقنية» حالت دون وجود حوافز للإقبال الشعبي وأوجدت مناخاً من «اللامبالاة»: جمهور الأحزاب اعتبر أن الفوز مؤكد ومحسوم لـ «لائحة البيارتة» وتصرف كثيرون من خلفية أن مشاركتهم لا تقدم ولا تؤخر… الشعور نفسه كان لدى جمهور المجتمع المدني المعارض الذي اعتبر أن لا مجال لخرق هذا البلوك «الحزبي السلطوي» وتصرف من خلفية أن معركته هي لتسجيل موقف وليس لتسجيل انتصار أو اختراق…
وهذا التدني المتكرر في الانتخابات البلدية في بيروت وأيضاً في كثير من مواقع ودوائر الانتخابات النيابية يعزز فكرة وضرورة تغيير قوانين الانتخاب البلدي والنيابي لتحفيز المشاركة الشعبية وإشعار الفئات المهمشة الضعيفة في إمكاناتها وأعدادها، وبالإجمال الفئات غير الحزبية أن لها حيّزاً ومساحة حضوراً وقدرة على إثبات الوجود…
3- إذا كانت نسبة المشاركة في انتخابات بيروت مماثلة للعام 2010، فإن ما يختلف هذا العام أن نسبة الأصوات التي حصل عليها تيار المستقبل في بيروت كانت أقل من العام 2010.  وهذا انعكاس طبيعي لتراجع الوضع الشعبي والتنظيمي للتيار بعد سنوات من إقامة رئيسه في الخارج، وفي ظل مشاكل مالية وتجاذبات داخلية ومتغيّرات طرأت على مناخ الشارع السني… يضاف الى ذلك أن عوامل التعبئة لم تكن موجودة، فليس هناك خصم مباشر وفعلي ولا عناوين سياسية للمعركة، فيما شعار التصويت لـ «المناصفة والعيش المشترك» لم يكن جذاباً ومقنعاً…. والزعماء المسيحيون لم يكن وضعهم في بيروت أفضل من وضع الحريري، وحيث أظهرت الوقائع عدم استجابة الشارع المسيحي لـ «النداءات”» وخروج الوضع في أماكن معينة عن السيطرة خصوصاً مع التيار الوطني الحر في الأشرفية.
4- المعركة الفعلية التي اختصرت الجولة الأولى وشدت الأنظار واستقطبت الأضواء كانت «معركة زحلة»… في عاصمة البقاع كانت المعركة سياسية ومعركة إثبات وجود للأحزاب والقوى في زحلة… في زحلة كانت معركة «الأحزاب المارونية”» على «الأرض الكاثوليكية»، حيث اتحدت أحزاب القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر والكتائب في لائحة واحدة ضد لائحة الكتلة الشعبية برئاسة ميريام سكاف… ولما لم يجد نقولا فتوش مكانا له في اللائحتين، شكل لائحته الخاصة…
النتائج مع اتضاح الصورة وجلاء غبار المعركة فجر اليوم جاءت على الشكل الاتي:
– لائحة «إنماء زحلة» (الأحزاب) 10510 صوتاً.
– لائحة «زحلة الأمانة» (الكتلة الشعبية) 8896 صوتاً.
– لائحة «زحلة تستحق» (فتوش) 7044 صوتاً.
هذه النتيجة تعني:
– أن تحالف الأحزاب ربح المعركة، وأن تحالف «القوات – التيار» نجح في أول اختبار على الأرض وفي أول ترجمة عملية انتخابية للتفاهم السياسي. وهذا النجاح يعزز وضع هذا التحالف في انتخابات جبل لبنان الأحد المقبل، ويعزز مشروع التحالف في الانتخابات النيابية المقبلة، خصوصاً إذا جرت على أساس قانون الستين…
– أن ميريام سكاف خسرت في أولى معاركها وفي أول اختبار خاضته وبكثير من التحدي والثقة بالنفس وبالحلفاء الجدد… ولكن سكاف خسرت خسارة مشرفة ونجحت في شد العصب في الكتلة الشعبية وفي صياغة شخصية سياسية وفي اقتطاع حيثية شعبية…
– أن الفارق «ضئيل» بين اللوائح الثلاث التي أثبتت حضورها بما في ذلك لائحة فتوش التي سجلت رقما فاق التوقعات… وهذا الهامش الضيق للربح والخسارة مرده الى تدخل حزب الله بشكل مباشر ومعلن (وبنسبة أقل تدخل الحد الأدنى لـ «المستقبل») الذي رفد لائحتي سكاف وفتوش (كما أعطى أصواته للمرشحين العونيين على لائحة الأحزاب) وتصرف على أساس أن لديه ثلاثة حلفاء في زحلة وليس حليفاً واحداً، وهذا ما لم يمر دون تململ وانزعاج في أوساط الرابية رغم تفهم دوافع الحزب الى هذه «اللعبة» التي هدفت الى خرق لائحة الأحزاب على حساب القوات اللبنانية…

5- المعارك الأبرز في البقاع، إضافة الى زحلة، توزعت على:

– بعلبك حيث التنافس ببعد سياسي تجاوز الإطار الإنمائي أو العائلي المحض، وهذا ربما ما يفسر حرص نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم على الانتقال الى البقاع، والمشاركة الشخصية في إدارة غرفة العمليات الانتخابية، وكأن الحزب يريد أن يؤكد أن انشغاله بالجبهة السورية وبرصد الخطر الإسرائيلي على الحدود الجنوبية لا يمنع اهتمامه بتحصين الجبهة الداخلية وبالدفع في اتجاه توليد مجالس بلدية تواكب احتياجات بيئته الحاضنة ومطالبها الإنمائية.
– بريتال التي شهدت حماوة انتخابية ترجمت بإقبال هو الأكبر في يوم أمس الانتخابي حيث لامست نسبته الـ 62 في المئة مع إقفال صناديق الاقتراع. وقد خاض حزب الله معركة بلدية في البلدة، للمرة الأولى منذ اتفاق الطائف، بعد ضغوط من أهالي شهداء الحزب الذين تستفزهم مواقف الشيخ صبحي الطفيلي المسيئة لشهداء المقاومة وللقتال في سوريا، علماً بأن البلدة منحت لوائح الحزب وحلفائه في الانتخابات النيابية نحو 95 في المئة من أصواتها. وخاض الحزب المعركة وحيداً في وجه الطفيلي، إثر انسحاب حركة «أمل» من المعركة، بعدما كانت قد سمّت ثلاثة أعضاء على لائحة الحزب. وفسر انسحاب الحركة بأنه دعم من القيادي في «أمل» بسام طليس للائحة المحسوبة على الطفيلي، كون طليس يمون على رئيسها عباس زكي اسماعيل. وأظهرت النتائج شبه النهائية فوز لائحة «التنمية والوفاء لشهداء بريتال»، أي لائحة حزب الله، بكامل أعضائها الـ 18.
– عرسال التي تنافست فيها ثلاث لوائح مدعومة كلها وبنسب متفاوتة من تيار المستقبل: لائحة الرئيس الحالي للبلدية علي الحجيري، ولائحة «عرسال تجمعنا» برئاسة باسل الحجيري، ولائحة «عرسال أولاً» برئاسة حسين الحجيري. (عرسال زارها الوزير نهاد المشنوق واستقبلته بالأرز والهتافات وحصلت منه على تنويه خاص).
– راشيا التي كانت الأكثر حماوة بين بلدات القضاء التي شهدت منازلات لم تخلُ من الحدة. وسجلت اللائحة المدعومة من الحزب الاشتراكي والوزير وائل أبو فاعور التي يرأسها بسام دلال فوزاً كبيراً على لائحة الرئيس السابق للبلدية زياد العريان والشيخ سهيل القضماني بفارق يقارب الـ 600 صوت وسط نسبة اقتراع درزية مرتفعة ونسبة اقتراع مسيحية منخفضة.
– رأس بعلبك التي خيضت معركتها بين لائحتين، الأولى مدعومة من النائب السابق سعود روفايل والحزب الشيوعي والقوات اللبنانية وتيار المستقبل، والثانية مدعومة من الوزير السابق ألبير منصور والحزب السوري القومي الاجتماعي. وليلاً، أظهرت النتائج تقدم لائحة الشيوعي والقوات على لائحة القومي ومنصور. وفي القاع، حيث فازت لائحة القوات اللبنانية على لائحة التيار الوطني الحر والحزب القومي بفارق طفيف.
وأما في صغبين، فقد حدث العكس وفازت اللائحة المدعومة من التيار الوطني الحر والحزب السوري القومي الاجتماعي على اللائحة المدعومة من القوات اللبنانية والنائب روبير غانم.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق