أبرز الأخبار

صفقات من تحت الطاولة: كردستان تعلن «حدودها الابدية»، وداعش تعلن دولة الخلافة

رغم ما يقال عن مشاورات واتصالات عنوانها تسوية الاوضاع في العراق، يتوقف المتابعون عند معطيات تتقاطع بشكل كامل مع تلك المقولات.
من ابرز ما يمكن التوقف عنده في هذا الصدد، اعلان تنظيم العراق والشام «داعش» دولة الخلافة، ومبايعة زعيمها ابو بكر البغدادي «خليفة للمسلمين». وفي الوقت نفسه اعلان الاكراد انه لا تنازل عن الاراضي التي سيطرت عليها البشمركة في الآونة الاخيرة. وخصوصاً كركوك التي تراها القيادة الكردية ركناً اساسياً من اركان «الدولة الكردية».

تحولت الساحة العراقية الى منطقة مزدحمة بمن يصنفون على اساس انهم من «اصحاب المصالح». حيث ارسلت كل من الولايات المتحدة الاميركية وايران طائرات بدون طيار لتنفيذ طلعات تجسس ومراقبة. بينما ارسلت روسيا سرباً من طائرات السوخوي المطورة لمساندة الجيش العراقي.
وامتدت المواجهات «الداعشية» الى الاراضي السورية، حيث سعت جماعة النصرة الى تحرير بعض المناطق من ايدي تنظيم داعش. وطالب وزير الخارجية الاميركي جون كيري من اسماهم «المعارضة الراشدة» بالتصدي لخطر داعش واوكل لهم بعض المهمات على الارض العراقية وسط تساؤلات حول مستقبل الملف السوري في ضوء ذلك التكليف.
من هنا يعتقد المتابعون ان معالم المشهد العراقي بدأت تتضح شيئاً فشيئاً. وبدأت المتابعات تتعمق في فهم تفاصيل الازمة، تشخيصاً وعلاجاً. وهي بكل بساطة، مجرد مقاربة بسيطة من حيث الاطار العام، متجذرة من حيث التعقيدات، عميقة من حيث العوامل المصلحية الضيقة.

توافق على المواجهة
باختصار، هناك توافق من قبل جميع الاطراف على مواجهة تنظيم داعش، والابقاء على وحدة العراق. الا ان ذلك يصطدم بما يجري على الارض اولاً، ويحتاج الى تغييرات في القيادة العراقية، وبحيث يوافق المالكي وائتلافه على التنحي وافساح المجال امام شخصية اخرى لقيادة البلاد، طبقاً لاسس جديدة تستبعد عمليات الاقصاء، والتهميش التي  تستهدف بعض التيارات.
فالتقارير تتحدث ان تيار السنة لا يمانع في التخلي عن حراكه الذي يندرج تحت مسمى «داعش» لصالح وحدة العراق مقابل اقصاء الجهويين والطائفيين من اروقة الحكم في اشارات واضحة تستهدف نوري المالكي الذي يتشبث بالحكم ويرى ان فرصته ما تزال قوية في الوصول الى سدة رئاسة الحكومة لفترة جديدة.
هذا من حيث المبدأ، اما في التفاصيل، فالامر قد يكون محكوماً بكم من التعقيدات، وصولاً الى ازمة متجذرة، وتقاطعات قد يكون من الصعب التوقف عند اساسياتها المتعلقة بالحل. من ذلك، ما يعتقد انه صفقات يجري البحث في تفاصيلها من تحت” الطاولة».

بديل المالكي
كيف؟
بداية، يتوقف العراقيون ومن يتابع قضيتهم من المعنيين عند كم من الحقائق، يمكن حصرها في خيارين اثنين: اولها، التوافق على بديل للمالكي ليتمكنوا موحدين من مواجهة المسلحين الذين باتوا يسيطرون على مساحات شاسعة من البلاد. والثاني، التقسيم مع تصاعد المطالبات بإقليم سني مماثل للكردي.
ومع ان تلك المعادلة لا تخلو من تعقيدات كبيرة، الا ان العملية – مرحلياً – تحتاج الى توافق برلماني اولاً. وهو العنصر الذي لم يتحقق بعد، والذي ادى الى تواتر الدعوات من اجل تأجيل جلسة البرلمان المنتظر عقدها الثلاثاء. وقد بادر اياد علاوي الى توجيه تلك الدعوة.  ومن اجل استكمال الصورة، لا بد من تشخيص المشهد، بدءا من منطقة الحكم الذاتي الكردي، حيث أكد مسعود البرزاني رئيس إقليم كردستان العراق، أن سيطرة الأكراد على كركوك ومناطق أخرى كانت من بين المناطق المتنازع عليها مع بغداد أمر نهائي. مشيراً الى ان «المادة 140 من الدستور الخاصة بهذه المناطق والتي تتحدث عن استفتاء حول مستقبل المنطقة لم يبق لها وجود».
وقال البرزاني في مؤتمر صحافي مشترك مع وليام هيغ وزير الخارجية البريطاني في اربيل «صبرنا 10 سنوات مع الحكومة الاتحادية لحل مشاكل هذه المناطق وفق المادة 140 من دون جدوى، وكان في هذه المناطق قوات عراقية وحدث فراغ أمني وتوجهت قوات البشمركة لملء هذا الفراغ والآن انجزت هذه المادة ولم يبق لها وجود».
وتنص المادة 140 من الدستور على إجراء استفتاء في المناطق المتنازع عليها بين إقليم كردستان الذي يتمتع بحكم ذاتي منذ عام 1991 والحكومة المركزية في بغداد خصوصًا كركوك الغنية بالنفط والتي تمثل أساس هذا النزاع بسبب سكانها من مختلف القوميات العراقية.
وفرضت قوات البشمركة الكردية سيطرتها بشكل كامل على مدينة كركوك في 12 حزيران (يونيو) الحالي، في تحول تاريخي في هذه المدينة التي تضم أكراداً وعرباً وتركماناً، بهدف حمايتها من الهجوم الذي يشنه مسلحون في مناطق مختلفة من العراق.
وكان البرزاني أكد سابقاً أن السلطات الكردية مستعدة إذا اضطر الأمر لجلب كل قواتها إلى المدينة، للحفاظ عليها. وقال في أول زيارة إلى كركوك منذ سيطرة القوات الكردية عليها إثر انسحاب القوات الحكومية انه «إذا اضطر الأمر سنجلب جميع قواتنا للحفاظ على كركوك وجميع مكوناتها، وإذا اقتضى الأمر سأحمل السلاح بنفسي للدفاع عن كركوك وأهلها». وأضاف: «ما أردناه لحماية كركوك وأهلها وصلنا إليه، ورغم ذلك فإن المحافظة بحاجة إلى حماية وخطط حكيمة».


اقليم سني
أما الوجه الاخر من المشهد، فقد عبر عنه صالح المطلك، نائب رئيس الوزراء العراقي رئيس مجلس الحوار الوطني حيث أكد في حوار صحفي أن العراق لا يمكن أن يبقى موحداً في ظل استمرار نهج حكومة المالكي في إقصاء السنة وتهميشهم، وفي سياسة التفرد بالسلطة. وكشف المطلك عن ان فكرة إنشاء إقليم سني بدأت تلقى قبولاً واسعاً بين السنة، بعد أن كانوا أول الرافضين لها منذ سقوط نظام صدام حسين. واضاف، ان المواطنين ترجموا  هذا الرفض بشكل واضح من خلال امتناعهم عن المشاركة في الاستفتاء على الدستور في العام 2005. واستطرد المطلك يقول: «وإذا شعرنا أننا وصلنا إلى طريق مسدود، ولا نية حكومية صادقة لرفع الظلم عن سنة العراق، فطريقنا سيوصلنا إلى إقليم خاص بنا». مضيفاً، ان المعطيات الجديدة والأخطار المحدقة بالعراق ستدفع إلى حشد الدعم المحلي والإقليمي والدولي لإقامة إقليم سني. وبالتوازي، اشاد المطلك بتصريحات رئيس حكومة إقليم كردستان نيجرفان البرزاني الأخيرة التي شدد فيها على ضرورة إقامة إقليم سني على غرار إقليم كردستان العراق.
واعتبرالمطلك أن هناك سبيلاً وحيداً لتجنب انزلاق العراق إلى حرب أهلية ويتمثل بإيجاد بديل للمالكي يؤمن بأهمية إبرام عقد سياسي جديد بين جميع الكتل السياسية، ينصف المواطن العراقي من دون استثناء، ويكون بعيداً عن التقسيمات الطائفية. وأعرب عن قناعته التامة بأن المالكي لن يرضخ للأصوات الشعبية المطالبة بتنحيه.
وأصر المطلك على أن تنظيم الدولة الاسلامية لا يمكن أن يهزم وينتهي نفوذه في العراق إلا إذا قررت الفصائل المسلحة السنية الوقوف بوجهه والحد من توغله في الأراضي العراقية. مضيفاً انه لا يمكن اتخاذ قرار كهذا  قبل تخلي المالكي عن سياسته التسلطية وقبل أن تتشكل حكومة جديدة برئاسة شخصية سياسية تتوافق عليها غالبية القوى السياسية، تجري حواراً جاداً مع الفصائل المسلحة وتستمع إلى مطالب السنة الشرعية والمطلوب هو تشكيل حكومة شراكة وطنية، تضمن مشاركة جدية في صناعة القرار وإقدام الحكومة الجديدة على الدفع باتجاه الحصول على ضمانات من جميع الكتل السياسية بالشروع في تغييرات جذرية على بعض المواد الدستورية، التي خلقت شرخاً كبيراً بين مكونات الوطن الواحد، حينها تعود الثقة بالنظام الجديد الذي سيتولى مقاليد الحكم.


مرونة
من جانب آخر أكدت كتلة المواطن، التابعة للمجلس الأعلى الإسلامي بزعامة عمار الحكيم أن ائتلاف دولة القانون يبدي مرونة ملحوظة إزاء سحب ترشيح زعيمه نوري المالكي لرئاسة الحكومة المقبلة، لا سيما بعد زيارة جون كيري إلى بغداد.
وكشف النائب حسن الساري تقديم الائتلاف قائمة من خمسة بدلاء لخلافة المالكي، هم طارق نجم وحسين الشهرستاني وخضير الخزاعي وهادي العامري وفالح الفياض. وأن اسم الفياض مطروح بقوة من قبل دولة القانون.
وأوضح الساري أن الائتلاف الوطني أعد قائمة مرشحين تضم عادل عبدالمهدي وأحمد الجلبي وبيان جبر الزبيدي، مشدداً على أن مرشح التحالف الوطني لرئاسة الحكومة المقبلة سيتم اختياره بالتوافق مع الكتل السياسية الفائزة.
ووعد الساري بحسم «مرشحهم» لرئاسة الوزراء في الأيام المقبلة، لكنه اشار الى ان تمسك دولة القانون بالمالكي يعد من أبرز النقاط التي قد تعرقل اتفاق كتل التحالف على مرشحه. ومن جهته، وعلى الرغم من تسرب معلومات حول صفقة مضمونها دعم المالكي مقابل تأييد ضم كركوك لاقليم كردستان، أكد التحالف الكردستاني عدم مناقشة مرشحه لرئاسة الجمهورية لانشغال الجميع بالانهيارات الأخيرة، لكنه أكد عدم مشاركته في الحكومة المقبلة إلا مع تقديم بديل للمالكي.
وقال مؤيد طيب المتحدث باسم كتلة التحالف الكردستاني ان «الكرد لن يشاركوا في حكومة يترأسها المالكي»، مشيراً الى انه وعلى هذا الأساس سيتم انتظار مرشح التحالف الوطني لمنصب رئاسة مجلس الوزراء وبعدها التوجه لاختيار «مرشحنا» لشغل منصب رئاسة الجمهورية. وتوقع ان الاتفاق على تشكيل الحكومة المقبلة سيستغرق وقتاً طويلاً.
ومن جهته أكد الحزب الإسلامي الجناح العراقي للاخوان المسلمين أن المكون السني يعاني من انقسام بشأن اختيار مرشحه لمنصب رئاسة مجلس النواب.
ودعا إياد السامرائي الامين العام للحزب، إلى اجتماع للكتل السنية للاتفاق على مرشحها قبل انعقاد الجلسة الأولى للبرلمان الجديد.
ومن جهته، دعا ائتلاف الوطنية العراقية بزعامة علاوي إلى تأجيل جلسة البرلمان الأولى المقررة الثلاثاء المقبل لاختيار الرئاسات الثلاث للجمهورية والبرلمان والحكومة لحين التوافق على  مشروع وطني شامل يحقق امن ووحدة العراق.

الاقليم الكردي
في محافظات الموصل وكركوك وديالي وصلاح الدين وضعت قوات البشمركة يدها عليها بعد اخراج القوات العراقية الاتحادية منها بموازاة احتلال تنظيم الدولة الاسلامية في العراق والشام (داعش)  لمحافظة الموصل (405 كم شمال بغداد) مطلع الشهر الحالي وانكسار الجيش العراقي وتبعثر قواته.
وحول رد ائتلاف دولة القانون حيال الرسائل الكردية، قال القيادي الشيعي إن لا رد رسمياً على ذلك حتى الآن، مضيفاً أن ثمة تسوية يجري التأسيس لها من قبل جميع الكتل السياسية بسبب كمية الضغوط الخارجية على الجميع لخفض حجم المطالب والاشتراطات من أجل الوصول الى حكومة موحدة تستطيع ايقاف التدهور الامني الذي حصل شمال وغرب البلاد. وكشف القيادي الشيعي أن تحرير الموصل من تنظيم داعش من قبل الجيش العراقي والمتطوعين الشيعة قد توقف الآن حتى تكوين قيادات عسكرية سنية تأخذ على عاتقها مهمة تحرير المدينة بدعم لوجستي وعسكري من الحكومة المركزية، تجنباًُ لاظهار تحرير الموصل بأنه حرب شيعية ضد السنة، حسب تعبيره.
الى ذلك، قال مارتن ديمبسي، رئيس هيئة الأركان المشتركة الأميركية، إن استخدام القدرات الجوية الأميركية لاستهداف زعماء التمرد الذي يقوده السنة هو أحد الخيارات التي يجري الإعداد لها كي تكون جاهزة لدى الرئيس وهو يدرس سبل دعم العراق. وقال ديمبسي، في مقابلة إذاعية، إن حماية البنية الأساسية الضرورية في العراق هو جزء من هذا الخيار. ومقابل ذلك، تسعى إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما الى تسريع عملية تسليم الأسلحة الأميركية التي يشتريها العراق من الولايات المتحدة.
وأضاف القائد العسكري الأميركي: نشغل الآن عدداً كبيراً من الطائرات بطيار ومن دون طيار، ونستخدم قدرات الاستخبارات والاستطلاع، ونبني صورة تمكننا من توفير الدعم لقوات الأمن العراقية في مواجهتها مع تنظيم الدولة الإسلامية في حالة اتخاذ قرار بذلك.

سفن حربية
وفي الاثناء، أفادت شبكة CNN بأن هناك مشاورات تجري على أعلى مستوى في واشنطن، بين البيت الأبيض ووزارة الدفاع (البنتاغون)، بشأن إرسال سفن حربية إضافية، أو أي تعزيزات عسكرية أخرى إلى المنطقة.
ومن جهتها، أكدت وزارة الدفاع الأميركية انه يجري حالياً تشغيل طائرات من دون طيار في أجواء العراق بهدف «حماية العسكريين الأميركيين على الأراضي العراقية»، واضافت ان «بعض هذه الطائرات مسلحة». وقالت في بيان إنها شرعت في استخدام طائرات بطيار ومن دون طيار في سماء العراق «بطلب من الحكومة العراقية».
وطلب العراق 800 صاروخ هيلفاير جو – أرض الذي يمكن طائرات الهليكوبتر من استهداف الدبابات وغيرها من المركبات المدرعة بالإضافة الى مئات من صواريخ هيلفاير التي ستسلم للبلاد في الأسابيع المقبلة.
وقال مسؤول أميركي آخر إن هذه الطائرات لن تستخدم في شن غارات جوية على مواقع مسلحي تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام»، المعروف باسم «داعش»، وإنما تقتصر مهامها على توفير تأمين إضافي لنحو 180 مستشاراً عسكرياً أميركياً يتواجدون حالياً في منطقة بغداد. مشيراً الى أن أي غارات جوية هجومية، وليست دفاعية في طبيعتها، مازالت تتطلب تفويضاً من الرئيس باراك أوباما.
في المقابل، اكد نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي ريابكوف ان بلاده لن تقف مكتوفة اليدين امام الهجوم الذي يشنه تنظيم «الدولة الاسلامية في العراق والشام».
وقال ريابكوف في مؤتمر صحفي عقده في دمشق، «ان روسيا لن تبقى مكتوفة اليدين ازاء محاولات جماعات بث الارهاب في دول المنطقة».
ورداً على سؤال عن الوضع في العراق، حيث سيطر تنظيم «الدولة الاسلامية» خلال الاسبوعين الماضيين على مساحات واسعة في شمال البلاد وغربها، قال ريابكوف ان «الموضوع خطير للغاية في العراق وخطر على اسس الدولة العراقية». واكد انه لا يمكن حل هذه المسألة «الا عبر حوار وطني حقيقي». الا ان تقارير لاحقة اشارت الى ارسال ست طائرات من طراز سوخوي لمباشرة ضرب اهداف لحركة داعش.

هجوم مضاد
في الاثناء، تشير تقارير رسمية الى ان القوات العراقية بدأت الجمعة عملية واسعة لاستعادة السيطرة على مدينة تكريت كبرى مدن محافظة صلاح الدين.
وقال مسؤول عسكري بارز ان «قوات طيران الجيش تنفذ عمليات قصف مكثف تستهدف المسلحين في مدينة تكريت (160 كلم شمال بغداد) بهدف حماية القوات التي تسيطر على جامعة تكريت».
واضاف ان «قوات اخرى تنتشر حول مدينة تكريت استعداداً لتنفيذ عملية كبيرة ضد الارهابيين المتواجدين في المدينة».
وبحسب تقارير رسمية عراقية نجحت بعض تلك القوات في اختراق خطوط داعش والسيطرة على بعض المواقع. وانها تستفيد من دعم اميركي، وايراني، تقوم به طائرات تجسس بدون طيار.

احمد الحسبان

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق