متفرقات

كهوف عُمان… مزيج من الواقعي والأسطوري

وسط الجبال الشاهقة في كل محافظات سلطنة عُمان حكايات طويلة يتداخل فيها الواقعي بالأسطوري، والمتخيل بالمألوف. جبال مليئة بالأسرار والغرائب، ولكنها أيضاً مليئة بالكهوف الموغلة حكاياتها بالأسطوري، والواقعية السحرية كما يحلو لنقاد الرواية والأدب القول، يقول الأسطوري ان هذه الكهوف العميقة مجالس للجن والسحرة، ومأوى للمغيبين، بينما للواقعي وللعلم رأي آخر تماماً.
يقول العلم وفقاً للموسوعة العمانية ان هذه الكهوف تكونت بناء في الفترات المطيرة التي سادت شبه الجزيرة العربية في فترات البليستوسين نتيجة هبوب الرياح الموسمية، مما أدى إلى سقوط الأمطار الغزيرة وجريان الأودية والشعاب وارتفاع مخزون المياه الجوفية الأمر الذي أسهم في نشاط التجوية الكيميائية فتكونت الكثير من الظواهر الجغرافية من بينها الكهوف.
وساعدت وعورة الوصول أحياناً إلى هذه الكهوف وتوغلها الكبير في عمق الجبال أو في أطرافها القصية إلى ظهور البعد الأسطوري في حكاية الكهوف، وهو بعد حضر كثيراً في المخيلة العمانية، على أن أكبر الكهوف في عمان واكثرها غرابة يحمل اسم «كهف مجلس الجن». وتتنوع الكهوف في السلطنة من حيث أسباب التكوين إلى نوعين: كهوف الإذابة التي تنتج بتحلل الصخور بفعل تساقط الأمطار عليها، لا سيما في مناطق الضعف في الصخور الجيرية القابلة للذوبان في الماء، وهذا الذوبان يقوم بتوسعة الثغرات الصغيرة حتى تصير ممرات وقد تتطور إلى كهوف كبرى، ومن أمثلة هذا النوع من الكهوف في السلطنة كهف الهوتة في ولاية الحمراء، وكهفا طوي عتير وطيق في محافظة ظفار.


أما النوع الآخر من الكهوف في عمان فهي كهوف التعرية التي نتجت عن طريق النحت والتعرية بفعل الرياح، إذ تقوم الرياح بنحت الأجزاء الرخوة من الصخور وتجويفها، وتتركز هذه التي تتميز بصغر حجمها عند أطراف جبال الحجر الشرقي وجبال الحجر الغربي.
ويبلغ عدد الكهوف في السلطنة بحسب الموسوعة العمانية حوالي 2000 كهف، وتتباين أعدادها في محافظات السلطنة بسبب اختلاف أشكال السطح والتركيب الجيولوجي والمناخ.
ويوجد في محافظة ظفار وحدها حوالي 670 كهفاً، ويرجع ذلك إلى تأثرها بهبوب الرياح الموسمية في الصيف، وتمتعها بمناخ معتدل دافىء معظم السنة، مما يسهم في نشاط الإذابة بواسطة المياه الباطنية الناتجة عن تسرب مياه المطر الساقطة في الصيف، وغالباً ما يزداد التحلل الكيميائي بزيادة الحرارة والرطوبة، خصوصاً في الصخور الجيرية.
وتتنوع الكهوف في محافظة ظفار حسب طبيعة التكوين فهناك الكهوف المجاورة لعيون الماء والتي ارتبطت نشأتها بنشأة تلك العيون ومنها كهوف عيون طبرق وحمران ورزات وصحنوت وجرزيز الواقعة أسفل حواف جبل القرا.
وكهوف الأودية الجافة ككهف أودية: دربات وثيدوت ونحيز وعقبة أسير، وكذلك الكهوف الساحلية المنتشرة بالجروف البحرية المتقطعة التي تشرف على بحر العرب في ما بين مرباط شرقاً والمغسيل غرباً، ورغم رسوخ الأساطير في المخيلة العربية بشكل خاص، إلا أن السلطنة عملت على تحويل العديد من الكهوف إلى مزارات سياحية راقية، كما حدث مع كهف الهوتة في ولاية الحمراء.
ويعد كهف «مجلس الجن» من أغرب كهوف عمان، وهو ثالث أكبر كهف جوفي في العالم، وتتسع أرضيته إلى عشر طائرات جامبو كبيرة بسهولة ويسر.
كما أن ارتفاعه يسمح بوقوف أربع من هذه الطائرات فوق بعضها حتى تصل إلى سقفه، فيما قدر بعض الخبراء سعة الكهف لـ 12 طائرة بوينغ 747 أو ما يصل إلى 1600 حافلة سياحية، كما يمكن أن يحوي بداخله أكثر من خمسة فنادق بحجم فندق قصر البستان. اكتشف الكهف «مجلس الجن» لأول مرة صدفة عندما كانت جهات حكومية تبحث عن احتياطيات لمياه جوفية في المنطقة الشرقية.
وشكل الكهف رعباً في بداية اكتشافه، قبل أن يتطوع احد العاملين في مشروع البحث عن المياه الجوفية، وهو (دون ديفيسون) في عام 1983، للنزول الى الكهف من خلال إحدى فتحاته التي يبلغ عمقها 120 متراً وهي الفتحة الأقصر من بين فتحات الكهف الثلاث.
وبعد ذلك بسنة نزلت للكهف زوجته (شيريل جونز) ولكن من الفتحة الأعمق والتي بلغ طولها 158 متراً وسميت الفتحة باسمها.
ومن بين كهوف السلطنة أيضاً كهف الهوتة الذي يقع في ولاية الحمراء ويصلح لتصوير أفلام رعب داخله دون الحاجة إلى ديكورات فقد تكفلت الطبيعة بصنع نتوءات صخرية تنزل من سقف الكهف، وعلى أشكال غريبة يسميها العمانيون رؤوس الشياطين.

وتبددت المخاوف من الكهف عندما أعدته وزارة السياحة ليكون احد أجمل المنتجعات السياحية وبنت داخله قطاراً يحمل الركاب في جولة بانورامية وسط إضاءة تزيد من جمال وأناقة الكهف. ومن بين الكهوف الكثيرة في عمان كهف مقل، ويقع بولاية بني خالد بالمنطقة الشرقية بقرية مقل بوجود الواحات المائية الجميلة والتي اتخذت الولاية منها شعاراً ومن بين الصخور التي نحتتها الطبيعة تتدفق المياه العذبة مشكلة ذلك المنظر البديع الذي لا تجد له مثيلاً في أي ولاية أخرى وتنساب المياه منها ليتلقفها العماني القديم صانعاً منها أفلاجاً تمتد الى كيلومترات عدة لتروي المناطق الزراعية. وتمتد طول هذه الواحات المائية إلى أكثر من مائتي متر في بعض الأماكن، وبعرض عشرين متراً في بعض الأجزاء، كما يبلغ عمقها أكثر من ستة أمتار تقريباً، مما يجعلها انسب مكان لممارسة السباحة وحول هذه الواحات توجد أشجار خضراء خلابة لتكون مكان استرخاء واستجمام للتمتع بالمياه الرقراقة كما توجد استراحات ومسجد لمرتادي المكان.
ويقع كهف صحور في وادي نحيز في مدينة صلالة، ويوجد هذا الكهف في أحد تكوينات الصخور الجيرية المنتمية إلى الفترة المبكرة من العصر الثلاثي.
يقع في الهضبة التي فيها الكهف مدخل كبير الحجم يطل على الوادي بقوسه المزين بهوابط قديمة وصاعدة كبيرة يبلغ ارتفاعها مترين، تقف كحارس لتلك الردهة، وللوصول إلى الغرفة الرئيسية للكهف، لا بد من اجتياز الممر الضيق الواقع في الجهة الشمالية من المدخل.
وتزدان هذه الغرفة بالكثير من التراكيب الكهفية الجميلة كالأعمدة والهوابط بأنواعها المختلفة (كالمصاصات والهوابط المدببة). ويمكن مشاهدة قطرات الماء المتدلية في الكثير من الهوابط التي لا تزال في مراحل تكونها.
لكن العلامة المميزة لهذا الكهف هو ذلك الحوض الجاف الذي يبلغ طوله 8،1م وعرضه  1،5والذي انطبعت عليه آثار لمياه شلالات متحجرة، تبدو كما لو أنها كانت تنساب بالأمس القريب.
ويزخر هذا الكهف أيضاً بالعديد من الكائنات كالخفافيش والحشرات، وتنفرد حفرة الاذابة بطوي اعتير والتي تعرف (ببئر الطيور)، بأنها اكبر الحفر عالمياً حيث يبلغ حجمها حوالي 975000م3.بينما يبلغ قطرها ما بين 130و150 متراً. اما عمقها فيبلغ حوالي 211 متراً وبإمكانها استيعاب بناية من 70 طبقة، وهي كذلك اعلى من اكبر اهرامات الجيزة بمصر حوالي 70 متراً.
إلى ذلك تقع حفرة إذابة طيق على بعد 9كم شمال شرق طوي اعتير على تقاطع واديين رئيسيين يتجه أحدهما من الشمال الى الجنوب، أما الآخر فمن الشرق إلى الغرب، أفضل طريق للوصول إلى الحفرة هو ذلك المتجه من الشمال عبر الطريق الساحلي لطوي اعتير، وعلى بعد 24كم من دوار المعمورة، فبعد الوصول إلى طوي اعتير (32 كم) اسلك الطريق الممهد المتجه نحو الشمال واستدر نحو اليمين بعد 10كم ثم مباشرة يساراً واستمر في السير لمسافة 5،6كم حتى تصل إلى نقطة تتقاطع فيها الطرق.
هناك اسلك الطريق الواقع إلى يمينك باتجاه مواز لوادي ثيرات لتصل إلى الحفرة بعد 4،7 كم
تعد هذه الحفرة خزان ماء رئيسياً فيما لو أغلقت فوهتها النشطة في فترة معينة من العام، فامتلاؤها بملايين الأمتار المكعبة يمكن أن يجعل منها مورداً يمد المنطقة بأكملها بالماء، ولتقويم الوضع والإمكانيات المائية للحفرة وحتى يمكن الاستفادة منها على أفضل وجه لا بد من دراسة جيولوجية دقيقة تتقصى كلاً من نظام الصدوع والينابيع الداخلية والأنفاق.
إن الأدلة الجيولوجية المتوافرة حالياً تقودنا الى حقيقة شبه مؤكدة تتمثل في وجود اتصال تحت أرضي بين حفرتي الإذابة بطيق وطوي اعتير عبر عدد من الأنفاق الباطنية المتجهة من الشمال إلى الجنوب ومن المشرق الى الغرب، والتي تشبه في اتجاهاتها الصدوع والوديان المنكشفة على السطح، وتقع الحفرة على تقاطع وادي ثيرات ووادي شاري في الجزء الجنوبي من الحفرة، ويحوط بها جدران صخرية شبه عمودية، إنها كهوف عميقة ومليئة بالأسرار وبالأساطير، لكنها أيضاً قادرة على صناعة سياحة عالمية يتداخل فيها الحقيقي بالخيالي والواقعي بالسحري.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق