تحقيق

… ولا زال القطاع العقاري في لبنان صامدا!

بين السيء والأسوأ حتماً هو ليس في اسوأ اوضاعه. صح أن العام 2013 لم يكن مثاليا بالنسبة إلى القطاع العقاري لكنه في المقابل لم يكن الأسوأ. هل سمعتم مثلاً عن إعلان إفلاس صاحب أرض أو رجل اعمال في قطاع العقارات؟ قد لا يكون الجواب مقياساً، وقد يكون التناقض الواضح بين آراء رجال الإقتصاد والعاملين في قطاع العقارات كافياً لتوضيح الصورة. لكن ما لا يقبل الشك هو ان ازدهار السوق العقارية يقوم على قاعدتين: الأمن والسياسة. ومع انتفاء الصورتين يصبح الكلام اكثر موضوعية. فهل تتوضح الصورة مع تشكيل حكومة وانتخاب رئيس جديد للجمهورية؟ وماذا لو تخربطت كل الأوراق ودخلنا مرحلة الفراغ؟ في حسابات المعنيين، السوق العقارية صامدة فهل نجرؤ على القول بعد «نيال من له مرقد عنزة في لبنان»؟

لا البلد بخير ولا أهله. القلق سيد الموقف والأفق مسدود، وكل ما في الأجواء يوحي بأننا متجهون نحو الأسوأ! وهذا وحده كاف لإعادة الحسابات في مطلق اي استثمار فكيف الحال بالنسبة إلى القطاع العقاري؟
نبدأ من بيانات القطاع في العام 2013. فالأرقام تظهر أن لا تراجع إلا بنسبة 2،6 في المئة عن العام 2012. أما حجم المبيعات العقارية فبلغ 8،71 مليارات دولار مقارنة بـ 8،94  مليارات دولار في العام 2012. كما انخفض عدد العمليات العقارية من 74569 عملية بيع في العام 2012 إلى 69198 في العام 2013 أي بتراجع نسبته 7،2 في المئة. أرقام نحسد عليها إذا ما حاولنا مقاربتها بالوضعين الأمني والسياسي. فهل يدق العاملون في قطاع العقارات على الخشب معنا أم تكون مجرد تعويذة؟
ر
ئيس نقابة الوسطاء والإستشاريين العقاريين في لبنان مسعد فارس بدا أكثر من متفائل. وللتفاؤل إسبابه المحسوبة على قاعدة البيانات العقارية، ويقول: «لا تختلف حركة السوق العقارية عن مطلق باقي الأسواق لكن عندما نقول عقاراً لا بد من الدخول في التفاصيل التي على اساسها يمكن بناء الحجة وأضدادها».

القروض السكنية الى ارتفاع
نبدأ من حركة بيع الشقق السكنية. يؤكد مسعد فارس «أن سوق الشقق التي لا يزيد سعرها عن 500 ألف دولار لم تتوقف ونشاطها لا يزال على وتيرته إن لم نقل أنه يزيد في بعض الأحيان وهنا لا بد من الإشادة بالدور الذي يلعبه حاكم مصرف لبنان رياض سلامة لجهة دعم المصارف بهدف إيصال النتائج الإيجابية إلى المستهلك»، ولفت إلى أن المقبلين على الزواج والراغبين في شراء منزل يتوجهون إلى المصرف للحصول على قرض سكني. وتشير الأرقام إلى ارتفاع نسبة القروض السكنية بحيث باتت تشكل أكثر من نصف المبالغ التي توفرها السوق العقارية والتي تصل قيمتها إلى نحو 7 مليارات دولار سنوياً. مما يؤكد أن هذه الفئة لا تتأثر بالوضعين الأمني والسياسي».
نقفز إلى الوحدات التي تراوح أسعارها بين 500 ألف والمليون دولار «هنا لا بد من الإعتراف بأن الحركة بطيئة لكنها لم تتوقف. كذلك الحال بالنسبة إلى الطلب على الشقق التي تراوح
أسعارها بين المليون والمليوني دولار. أما إذا ما تخطينا رقم المليونين فالسوق في حالة جمود»، وهذا طبيعي.

 اللبنانيون مقيمون ومغتربون يحركون السوق
لكن من يحرك هذه الفئات وكلنا بات على يقين بأن حركة الإستثمارات العربية غائبة والمستثمر الخليجي بات يعد إلى المليونين وربما أكثر قبل أن يوقع على عقد استثمار طويل الأمد وبمبالغ مالية طائلة. يجيب فارس
بكل ثقة «الشعب اللبناني المقيم والمغترب هو من يحرك السوق العقارية في لبنان سواء وافقنا على هذا الرأي أم حاولنا تغليفه ببعض العبارات التي ترضي السائح أو المستثمر العربي. لكن عندما نتكلم عن سوق عقارية فالمستثمر الوحيد هو اللبناني المقيم والمغترب. أما المستثمر العربي فلا يدخل أكثر من مليار دولار في السوق العقارية من اصل المليارات السبعة التي تشكل أرباح السوق سنوياً». ويضيف: «نحن لا نقلل من قيمة وأهمية المستثمر العربي لكن هذا هو الواقع» ولفت إلى أن نسبة استثمار الإغتراب اللبناني باتت أقل بعدما كانت موزعة مناصفة بين المقيم والمغترب بسبب انعدام الثقة وانعكاس الثورات الإقليمية وتحديداً السورية على الوضعين السياسي والأمني في البلد. وبات المغترب يفكر مرتين قبل أن يقدم على شراء شقة أو أرض في لبنان».
لكن هذا الوضع لن يستمر حتماً، وفق ما يؤكد فارس «المهم استعادة الثقة بالسوق اللبنانية وعودة الأمن والإستقرار وهذا ما لمسناه مثلاً مع تشكيل الحكومة بحيث عدنا نسمع رنين الهاتف في الشركات العقارية بعدما كان شبه مقطوع». وماذا لو استمر الخلاف على البيان الوزاري وتحولت هذه الحكومة إلى حكومة تصريف أعمال ودخلنا مرحلة الفراغ الرئاسي؟ يجيب فارس بشكل حاسم: «عندها نكون دخلنا مرحلة الإنتحار».
دور ال
مستشارين العقاريين إرشاد المستهلك بهدف الوصول إلى نتيجة ترضي الطرفين والأهم عدم إدخال المستهلك في دائرة الإفلاس أو العجز عن شراء شقة أو تسديد قيمة القروض السكنية لاحقاً. من هنا نصيحة المستشارين العقاريين للمستهلك اللبناني في شراء شقة لا يتجاوز سعرها الـ 500 الف دولار وهذا يفترض القبول أو الإقتناع بالشقق المتوسطة الحجم او الصغيرة.

 اسعار تحلق…
ندخل في دائرة الأرقام، ففي بيروت مثلاً لا تزال اسعار الشقق محلقة «لكن بيروت ليست سلة واحدة» على ما يقول مسعد فارس. فسعر المتر المربع في الأشرفية يختلف عما هو عليه في منطقة العدلية من هنا لا بد من التمييز بين الأشرفية كعقار وسكن من جهة أخرى. أما المعدل ال
وسطي للأسعار فيراوح بين 7000 و8000 دولار. وقد يصل إلى 10 آلاف دولار كما الحال في مشاريع ضخمة على غرار مشروعي «سما بيروت، وسكاي غايت»! أرقام تصدم ربما لمن يقاربها بالوضعين  الإقتصادي والإجتماعي في البلد لكنها واقعية. فماذا عن وسط بيروت وتحديداً منطقة سوليدير؟
هنا لا بد من رفع الغ
طاء عن «الصيت» الذي يحوط بالمنطقة ويضعها في مصاف الأكثر غلاء على مستوى اسعار العقارات بينما العكس صحيح. فسعر المتر المربع في منطقة سوليدير بحسب مسعد فارس يراوح بين 6000 و7000 دولار. ومع ذلك تشير الإحصاءات إلى وجود تململ لدى أصحاب المحال وتحديداً المطاعم بسبب انعدام الحركة في بيروت على خلفية الوضع الأمني والتهديدات المتواصلة من قبل التنظيمات الجهادية. وما كلام نقيب اصحاب المطاعم بول عريس عن تعثر نسبة 60 في المئة من المطاعم في وسط بيروت إلا انعكاس لواقع بات يهدد المالك والمستأجر معاً. لكن الثابت أن اسعار الإستثمارات الجديدة لا تدخل في هذا الجدول لأن كلفة مواد البناء ارتفعت إضافة إلى اسعار الأراضي.
من يشتري ا
لاراضي في لبنان؟
لا يختلف اثنان على أن الأرض في لبنان مغرية جداً، وهي بمثابة الثروة التي تدر ذهبا على أصحابها. «أما الشاري فهو حتماً اللبناني المقيم والمغترب لأن الثقة بالوطن موجودة ولأن أسعار الأراضي إلى ارتفاع» وفق ما يؤكد فارس.
لكن تفاؤل المستشارين العقاريين لا ينعكس على خبراء الإقتصاد، وقد يكون لتوجسهم تبريراته العلمية. الخبير الإقتصادي الدكتور لويس حبيقة يقرأ في واقع حركة السوق العقارية على الشكل الآتي: «الواضح أن هناك أزمة. فإذا نظرنا إلى واقع الأرقام نلاحظ أنها تختلف بين المعلنة
والواقعية. فالمتر المربع المصنف بـ 1000 دولار يباع بـ 800 دولار وربما أقل. أما حركة الشراء فقليلة لأن اللبناني بات يفكر في توفير القرش الأبيض ليومه الأسود». وأبدى حبيقة خشيته من تدهور الحركة في حال دخلت البلاد حال الفراغ فـ «المستأجر في منطقة سوليدير ما زال يتريث ولن ننسى التسهيلات التي يقدمها المالك للمستأجر هناك حتى لا يصل إلى مرحلة الإقفال».
لكن إلى متى يمكن أن يصمد المالك كما المستأجر؟
يجيب حبيقة «إتكالنا اليوم على ما سينتج عن هذه الحكومة، وأية خضة إضافية على المستويين الأمني والسياسي ستؤدي حتماً إلى الإنهيار خصوصاً أن المواطن يعيش حالاً من القلق الدائم والأفق مسدود. أما على المستوى الإقليمي وتحديداً تداعيات الثورة السورية فالواضح أنها انعكست سلباً نتيجة
تراجع حركة الإستثمارات».
ما يميز الحركة في السوق العقارية أن الإنهيار يحصل بشكل انحداري على ما يوضح الدكتور حبيقة وهذا ما يخشى منه «لذلك نأمل أن تتحسن الأوضاع السياسية والأمنية في البلد حتى لا نصل إلى مرحلة الفقاعة. وأمامنا مهلة شهرين فإما أن نقلع أو نبقى كما نحن وهذا ليس بسيء مقارنة مع ما يمكن أن نصل إليه فيما لو حصل انهيار في سوق العقارات. وكل هذا يتوقف على إرادة السياسيين في إنهاض البلد أو انهياره».

فقاعة أو لا فقاعة؟
حتى في هذه النقطة يتعارض رأي الخبراء. مسعد فارس يؤكد أن لافقاعة فـ «الأرض تنبض خيرات ولم نسمع أن احداً اشترى قطعة أرض وخسر فيها. أما على المستوى السكني فالمستاجر نفسه يربح فكيف الحال بالنسبة إلى المالك؟ قد يكون المطور العقاري من أكثر المتضررين لأن لديه ديوناً، لكن التدابير المصرفية التي يتخذها حاكم مصرف لبنان كفيلة في حل أية مشكلة مصرفية قد تطرأ».
قد يكون القطاع العقاري في منأى عن كل ما يحصل من أزمات. وقد يصح تشبيهه بمثل الإبن البار أو الإستثمار الذي يدر ذهباً. لكن «الى متى يمكن لهذا القطاع أن يصمد؟».
كل شيء رهن على الشهرين المقبلين. نكرر السؤال: فقاعة أو لا فقاعة؟ السؤال الأصح: فراغ أو لا فراغ؟ عليه تتوقف كل الحلول والإجابات عن وضع البلد.

جومانا نصر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق