سياسة لبنانية

تحول في مسار الحوار الوطني: إقرار مبدأ «السلة المتكاملة» والذهاب الى «دوحة لبنانية»

لم تصل جلسة الحوار الوطني الأخيرة التي عقدت في عين التينة يوم 21 حزيران (يونيو) الى نتيجة عملية ولم تحقق اختراقاً في جدار الأزمة وملفاتها المتداخلة، وتحديدا في ملف قانون الانتخابات الذي كان الهدف المباشر لهذه الجلسة، بعدما كان الرئيس نبيه بري أصر على حصر النقاش بهذه المسألة وعلى ضرورة التوصل الى اتفاق بشأنه لإقراره لاحقاً في جلسة تشريعية… فقد تبيّن أن كل القوى والقيادات «متمترسة» خلف مواقفها وأفكارها، بدءا من تيار المستقبل الذي أعلن صراحة عبر الرئيس السنيورة أن أقصى ما يمكن أن يقبله ويقدمه هو المشروع المختلط الذي تم الاتفاق عليه مع القوات والاشتراكي (68 – 60)، رافضاً مشروع الرئيس بري (64 – 64) ومشروع حكومة ميقاتي (النسبية على أساس 13 دائرة)، وواعدا بإعادة درس مشروع قانون فؤاد بطرس (77 -51) الذي أقرته حكومة السنيورة.
والجديد البارز من خارج القوانين المتداولة، اقتراح رئيس الكتائب سامي الجميل الداعي الى إنشاء مجلس للشيوخ يتم انتخابه على أساس القانون الأرثوذكسي (كل طائفة تنتخب نوابها) مقابل إجراء الانتخابات النيابية على أساس الدائرة الفردية وانتخاب من خارج القيد الطائفي… وهذا الطرح لقي ترحيباً من الرئيس بري في الشق المتعلق بمجلس الشيوخ الذي يدغدغ مشاعر جنبلاط ويعتبر طلباً مزمناً لديه، لأن رئاسة مجلس الشيوخ ستكون للطائفة الدرزية.
ولكن رغم الإخفاق في إحراز تقدم على صعيد قانون الانتخاب، وهو ما كان منتظراً ومتوقعا، فإن جلسة الحوار نجحت في إحداث خرق سياسي من نوع آخر وعلى مستوى تحديد الإطار السياسي للحوار في المرحلة المقبلة وخريطة طريق وفق جدولة سياسية وزمنية… وبهذا المعنى، فإن جلسة الحوار الاخيرة شكلت نقطة تحول في مسيرة ومسار الحوار الوطني في طبعته المنقحة وجولته الجديدة التي فرضتها أزمة الفراغ الرئاسي، وهذا التحول نجم عن تطورين حصلا في جلسة 21 حزيران:
– الأول هو إقرار مبدأ السلة المتكاملة بعدما تأكد للجميع صعوبة التوصل الى حلول مجتزأة، وأن حصر النقاش في قانون الانتخاب أو في رئاسة الجمهورية يبقي هامش المناورات والخيارات، ومعها فرص التسوية، ضيقاً، في حين أن الخوض في السلة المتكاملة يفتح أفقاً سياسياً جديداً ويوفر فرصة إحداث خرق والخروج من طريق مسدود وحلقة مفرغة…
«السلة المتكاملة للحل» تعني مناقشة ومقاربة ملفات الرئاسة والحكومة وقانون الانتخاب دفعة واحدة، أي الاتفاق على شخص رئيس الجمهورية وعلى الحكومة المقبلة، رئاسة وحقائب وتركيبة، والقانون الجديد الذي ستجري الانتخابات النيابية على أساسه، إضافة الى بنود ومسائل أخرى تندرج في إطار استكمال تنفيذ اتفاق الطائف (اللامركزية – مجلس الشيوخ – الطائفية السياسية…).
ولكن رغم الاتفاق على المبدأ، فإن الخلاف قائم على التفاصيل وعلى ترتيب الأولويات. فهناك من يعطي أولوية مطلقة لانتخاب رئيس الجمهورية مثل المستقبل، وهناك من يعطي أولوية للاتفاق على قانون جديد للانتخابات يليه انتخاب الرئيس ثم الانتخابات النيابية مثل الرئيس ميقاتي. وهناك من يعطي أولوية لانتخابات نيابية جديدة على أساس قانون النسبية، بحيث لا ينتخب رئيس الجمهورية على يد البرلمان الحالي.
– الثاني هو إقرار مبدأ الذهاب الى «دوحة لبنانية» شبيهة في الشكل بمؤتمر الدوحة عام 2008 لجهة عقد جلسات حوارية متواصلة ومفتوحة لثلاثة أيام مطلع آب (اغسطس) المقبل، وشبيهة أيضاً في المضمون لجهة العناوين الثلاثة الكبرى (رئاسة الجمهورية والحكومة وقانون الانتخاب) المطروحة على بساط البحث والاتفاق ولكنها مختلفة بالتأكيد في الظروف الإقليمية المحيطة وفي موازين القوى السياسية المحلية.
الاتفاق على جلسات مفتوحة يعني الانتقال الى «مرحلة الجد» في الحوار، وأن العد العكسي للتسوية سيبدأ ابتداء من أول آب (اغسطس). وبالتالي فإن «الدوحة اللبنانية» تشكل فرصة جدية وأخيرة للخروج من الأزمة بدءاً من انتخاب رئيس جديد للجمهورية في الفترة الواقعة بين نهاية الصيف وبداية الخريف وقبل التغيير الرئاسي في الولايات المتحدة الذي سيفرض تجميداً لكل ملفات المنطقة كبيرها وصغيرها. فإذا لم تنجح الفرصة الأخيرة المتاحة لـ «لبننة الحل»، فإن الأمور والمبادرات ستفلت من يد اللبنانيين ويسقط الوضع اللبناني تحت تأثير العوامل والتطورات الإقليمية، وتأخذ الأزمة حجما أكبر وأخطر يفرض الذهاب من «دوحة ثانية» الى «طائف ثانٍ»… أي الى ما اصطلح على تسميته «المؤتمر التأسيسي».
مصادر عين التينة تصف جلسة الحوار الأخيرة بأنها أهم جلسة من جولات الحوار الحالية، نظراً لما سيجري عرضه فيها وموقف الرئيس بري من أجوبة القوى السياسية على الخيارات التي طرحها في مبادرته. وترى هذه المصادر أن هيئة الحوار ستجد نفسها أمام خريطة طريق إلزامية من الآن وحتى مطلع ربيع العام 2017، تتضمن جدول الأعمال الآتي:
1- التوافق سياسياً في هيئة الحوار على صيغة القانون الانتخابي (يعطي بري أفضلية لمشروع حكومة ميقاتي ثم لمشروعه المختلط).
2- انتخاب رئيس جديد للجمهورية.
3- التئام مجلس النواب في جلسة تتضمن بنداً وحيداً، وهو إقرار قانون الانتخابات المتوافق عليه.
4- إجراء الانتخابات النيابية وفق القانون الجديد.
5- انتخاب هيئة مكتب المجلس بما في ذلك رئيس المجلس الجديد ونائبه.
6- تعيين رئيس جديد للحكومة من ضمن تفاهم يشمل الحصص والتوازنات («الثلث المعطل» أو أي صيغة ضامنة) والبيان الوزاري (الثلاثية).
7- استكمال تنفيذ اتفاق الطائف، وهذا البند يحمل في طياته سلسلة بنود اصلاحية ستكون جزءاً أساسياً من «السلة المتكاملة» (خريطة الطريق)، ويقع في أولويتها إصدار نظام داخلي لمجلس الوزراء بقانون يصدر عن مجلس النواب (خصوصاً إعادة الاعتبار الى مؤسسة مجلس الوزراء ومقرها المنفصل عن مقر رئاسة الحكومة)، المداورة في وظائف الفئة الأولى، اعتماد روحية اتفاق الطائف في توزيع الحقائب السيادية (وفق المناقشات الميثاقية وليس النصوص الدستورية)، إقرار اللامركزية الإدارية، انشاء مجلس الشيوخ، تشكيل الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية السياسية، إقرار خطة تنموية شاملة، إلخ…

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق