الدولة اليمنية تتهاوى، والصراع بين القاعدة وانصار الشريعة يتصدر المشهد
تطورات خطيرة، ومثيرة، لونت المشهد اليمني بما يؤشر على تعقيدات من الصعب تجاوزها. ومن الصعب محو آثارها، وسط اعتقاد بانها جزء من مشروع يمتد الى المنطقة باكملها.
من ابرز المستجدات التي شهدتها الساحة اليمنية اقتحام الحوثيين لوزارة الداخلية، والسيطرة عليها وطرد موظفيها، واصدار الاوامر بوقف عمليات الصرف الا بموافقتهم. وكذلك وصول المسلحين الحوثيين الى محافظة حجة، الحدودية مع السعودية، والسيطرة عليها دون مقاومة. وتحول الصراع تدريجياً ليتصدر المشهد اليمني بين تنظيم القاعدة وانصار الشريعة. وظهور تيار قبلي سني ينسق مع القاعدة لمواجهة الحوثيين، الذين يرفضون تسمية حراكهم بـ «الاحتلال»، ويتحفظون على تسميتهم بـ «المسلحين»، ويقدمون انفسهم كلجان شعبية تعمل من اجل تصويب «مسار الثورة». وانكفاء الاحزاب السياسية على نفيها، ورفع شعارات سياسية تجاوزتها المعطيات، واصبحت لا تقدم ولا تؤخر. واصبح السلاح المنتشر في كل مكان، وفي كل ركن، اللغة الرئيسية للتخاطب. مع ان غالبية المواقع التي احتلها الحوثيون سلمت بدون حرب.
سيطرة الحوثيين
فقد أكدت مصادر يمنية مطلعة أن الحوثيين بسطوا سيطرتهم الكاملة على محافظة حجة الحدودية مع السعودية، في حين شن تنظيم القاعدة هجوماً انتحارياً على موقع تجمع للحوثيين في مدينة رداع بوسط اليمن، مما أدى إلى سقوط عشرات القتلى والجرحى.
وأكدت المصادر أن الحوثيين تسلموا المحافظة دون مقاومة، بعد أن سيطروا على معظم المديريات هناك خلال الأشهر القليلة الماضية.
في الاثناء، أعربت المملكة العربية السعودية عن الأسف للأحداث الأمنية التي تشهدها الجمهورية اليمنية. وجدد مجلس الوزراء السعودي في الجلسة التي عقدها في مدينة جدة برئاسة الأمير سلمان بن عبد العزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع، الدعوة لليمنيين بجميع أطيافهم السياسية والمذهبية إلى «تغليب المصلحة الوطنية على المصالح الفئوية الضيقة والحرص على عدم المساس بالشرعية وعدم خدمة مصالح من لا يريد خيراً لليمن الشقيق وشعبه».
وفي الاثناء، ذكرت مصادر قبلية أن مسلحين سنة يتبعون تنظيم القاعدة قتلوا 20 من المقاتلين الحوثيين الشيعة واستولوا على مدينة مهمة في وسط اليمن في اتساع للصراع الطائفي وسط انهيار لسلطة الحكومة المركزية.
وفي وقت لاحق، قتل 15 شخصاً بينهم اطفال حين فجر انتحاري سيارته المفخخة قرب حاجز تفتيش للمتمردين الشيعة في وسط اليمن كما قال شهود.
ووقع الانفجار على بعد امتار من مركز تفتيش في بلدة رداع التي شهدت قتالاً عنيفاً بين مسلحي تنظيم القاعدة المدعومين من القبائل السنية والمتمردين الحوثيين الذين يريدون توسيع سيطرتهم في المنطقة.
هجوم للقاعدة
وكان قتل 20 شخصاً على الاقل في هجوم للقاعدة بسيارة مفخخة استهدف منزلاً للمتمردين الحوثيين الشيعة وفي اشتباكات تلت الهجوم في رداع بمحافظة البيضاء في وسط اليمن، بحسبما افادت مصاد قبلية.
وذكرت المصادر ان مسلحي القاعدة اسروا خلال الاشتباكات التي وقعت ليل الاحد الاثنين 12 شخصاً من الحوثيين الذين عززوا خلال الايام الاخيرة انتشارهم في منطقة رداع التي تعد من معاقل القاعدة في اليمن.
وافادت مصادر قبلية في محافظتي البيضاء وذمار في وسط اليمن ان اشتباكات عنيفة تجددت بين المسلحين الحوثيين وعناصر يعتقد انهم من القاعدة في رداع.
واوضح شهود عيان ان عناصر انصار الشريعة هاجموا عقب سماع دوي انفجار مسلحين حوثيين كانوا متمركزين في الجهة الشمالية الشرقية للمدينة وعند أطراف محافظة ذمار على الطريق الرابط بين مدينة رداع ومنطقة عنس وجبل أسبيل عند الطرف الجنوبي الشرقي لمحافظة ذمار المجاورة.
وأكدت مصادر أمنية محلية وأخرى قبلية أن الاشتباكات استمرت لساعات عدة وأستخدم فيها الطرفان مختلف الأسلحة الرشاشة الخفيفة والمتوسطة.
وفي غضون ذلك، افادت مصادر قبيلة أن عدداً من قبائل محافظة اب في جنوب غرب صنعاء، على رأسها قبائل منطقة بعدان المطلة على عاصمة المحافظة دعت إلى عقد اجتماع قبلي موسع لتحديد موقف واضح من ميليشيا الحوثي في المحافظة.
وذكرت المصادر القبلية ان مسلحي القبائل احتجزوا العشرات من الحوثيين اثناء محاولتهم الدخول الى مدينة اب.
وسبق ان انتشر الحوثيون في اب الاسبوع الماضي قبل ان يوقعوا اتفاقاً مع القبائل للخروج منها.
اختفاء محافظ صنعاء
إلى ذلك، اختفى محافظ صنعاء عبدالغني جميل عقب سيطرة الحوثيين على مكتبه وتقديمه استقالته للرئيس عبد ربه منصور هادي وسط أنباء عن اختطافه من قبل الحوثيين.
وكان جميل قال في تصريح صحفي إنه سيظل الجندي الوفي الذي يكن للرئيس هادي كل الاحترام والتقدير لكن التدخلات الحوثية في شؤون عمله وسيطرتهم على إدارة المحافظة أجبرته على تقديم استقالته. سياسياً، أكدت مصادر مقربة من رئيس الوزراء المكلف خالد بحاح، أنه بدأ مشاوراته لتشكيل حكومة الكفاءات، مؤكداً بأن مهمته شاقة وبحاجة للوقت.
بينما تشير معلومات متسربة من اروقة المشاورات ان بدر الدين الحوثي يصر على حصول جماعته على حقيبتي المالية والداخلية كوزارتين سيادتين إلى جانب وزارة الإدارة المحلية التي كلف أحد أتباعه بإدارتها حالياً بديلاً عن الوزير في حكومة الوفاق الوطني الذي تم إقصاؤه وطرده من عمله، غير أن الرئيس هادي يريد أن يمنحه وزارتي الإدارة المحلية والتخطيط، فيما تمنح الإعلام والثروة السمكية للحراك الجنوبي وتوزع بقية الوزارات على الأحزاب الأخرى، مشيرة إلى أن المفاوضات لا تزال جارية.
وبالتوازي، هدد تكتل «أحزاب اللقاء المشترك» بعدم المشاركة في الحكومة الجديدة، التي يتولى تشكيلها خالد بحاح، وفق «اتفاق السلم والشراكة الوطنية»، الموقع من قبل الأطراف السياسية في البلاد.
رسالة اللقاء والمشترك
وأكدت أحزاب اللقاء المشترك، في رسالة وجّهتها إلى الرئيس عبد ربه منصور هادي الثلاثاء، أنه في حال الإخلال بمستوى تمثيل الأحزاب والمكونات السياسية الموقعة على «اتفاق السلم والشراكة الوطنية»، فإنها لن تشارك في الحكومة المرتقبة، معتبرة أن تجاهل الشراكة الوطنية «بالإصرار على التفاضل بين الأحزاب الموقعة على اتفاق السلم والشراكة الوطنية يؤذن بفشلها سلفاً». وشددت على تمسكها والتزامها بالمساواة بين الأحزاب والمكونات الموقعة على اتفاق السلم والشراكة الوطنية في التمثيل في الحكومة.
وكانت مصادر سياسية يمنية قد أكدت في وقت سابق أن هناك اتفاقاً مبدئياً على تشكيل الحكومة الجديدة برئاسة خالد بحاح، على أن تكون حصة أحزاب اللقاء المشترك، التي تضم «الإصلاح والاشتراكي والناصري والحق والبعث واتحاد القوى الشعبية» تسع وزارات، وحصة حزب المؤتمر وحلفائه 9 وزارات، وجماعة الحوثي ست وزارات، والحراك الجنوبي السلمي ست وزارات، فيما يحتفظ الرئيس هادي بحقه في التعيين للوزارات السيادية.
وأشارت المصادر إلى أن أحزاب «اللقاء المشترك» اعتبرت توزيع الحقائب الوزارية غير عادل، فيما يجري الآن التفاوض بين المكونات على وضع حلول مناسبة. وقالت «إن هناك استياء كبيراً من قبل الكثير من الأطراف من التمدد المسلح لجماعة الحوثي في عدد من المحافظات، رغم التوقيع على اتفاق السلم والشراكة الوطنية».
تنسيق امني
في السياق عينه، كشف عضو لجنة الوساطة وأحد مشايخ محافظة إب صخر أبو راس عن تنسيق يجري بين اللجنة الأمنية العليا بمحافظة إب وسط اليمن واللجان الشعبية المناوئة للحوثي، مبيناً بأن اللجنة توافقت وبغياب الحوثي على أن تتحمل الدولة مسؤولياتها في فرض الأمن والاستقرار وأن يكون المواطنون عوناً لها.
وقال أبو راس: توصلنا إلى اتفاق وبغياب ممثلي الحوثي الذين لم يكونوا مدعوين بالأصل، إلى أن تتولى الدولة مسؤولياتها وأن يقف الشعب إلى جانبها ويكون عونا لها. كما توصلت قبائل مديرية بعدان بمحافظة إب إلى اتفاق يقضي بتوحيد الصفوف والحفاظ على مديريتهم خالية من المسلحين الحوثيين، وشن هجوم معاكس على الحوثيين الذين وصفوهم بالدخلاء من خارجها.
المشهد اليمني بصورته الراهنة يكشف عن صعوبة بالغة، وعن بداية تهاوي الدولة، وصولاً الى الحكم الميليشياوي، الامر الذي ولد حراكاً مناهضاً لهذا الواقع يعتقد محللون انه سيفرض نفسه على الساحة. وقد يكون له شأن. ولكن بعد مواجهات حامية خصوصاً وان تياري الحوثيين والقاعدة هما من يتصدر المشهد.
ا. ح