رئيسيسياسة عربية

لبنان والتغيير الآتي من عمّان!

ثمة من المراقبين من يجزم بأن خلط الاوراق اللبنانية ليس بعيداً عن التطورات التي تحدث في المنطقة: بدءاً من بيت القصيد اي الازمة السورية وانتهاء بالزيارة اللافتة توقيتاً ومضموناً للرئيس الاميركي باراك اوباما الى الشرق الاوسط، مروراً بأبرز نتائجها اي اعادة التواصل التركي – الاسرائيلي وشحذ همم الحلفاء تمهيداً للمعركة الكبرى في سوريا.

تبرز زيارة اوباما للشرق الاوسط، وخصوصاً وقفته المهمة في المملكة الاردنية الهاشمية، كواحدة من المحطات البارزة التي ستحدد مصير الكثير من المسائل الشائكة التي تحوط المنطقة بمخاطر وجودية، من الملف النووي الايراني الى المسألة الاسرائيلية – الفلسطينية، فالمسألة السورية بتعقيداتها، ومنها التعقيدات اللبنانية.
يحلو لمراقبين سياسيين ان يقولوا ان على اللبنانيين «ترقب رياح التغيير التي ستأتيهم هذه المرة من عمّان الاردنية لا من الشام السورية»، في اشارة الى المحادثات التي اجراها الرئيس الاميركي مع العاهل الاردني الملك عبدالله الثاني، والتي «وضعت اللبنة الرئيسة للمعركة السورية الحاسمة التي تحضّر لها الادارة الاميركية، والتي تشحذ لها كل حلفائها الاقليميين، وتسعى الى توحيد مواقفهم وتذليل ما اعترى علاقاتهم من شوائب، على غرار العلاقة التركية – الاسرائيلية».

بين بوش واوباما
يضع تقرير بحثي مقارنة بين الظروف المحيطة بزيارة الرئيس السابق جورج دبليو بوش الى الشرق الاوسط في العام 2008 وزيارة اوباما في العام 2013، فيشير الى ان بوش زار الشرق الأوسط مرتين، حيث زار إسرائيل والضفة الغربية والإمارات العربية المتحدة والكويت والبحرين والمملكة العربية السعودية ومصر. وتجدر مقارنة المنطقة وسياسة الولايات المتحدة الخارجية بين ذلك الحين والوقت الراهن، حيث إن الاختلافات واضحة. ففي عام 2008، شكل موضوع العراق قوة دفع مهمة لزيارات بوش، كما أن التفاؤل بشأن القضية الإسرائيلية – الفلسطينية كان عالياً، وقام بوش بأول رحلة له بعد وقت قصير من مؤتمر أنابوليس، بينما قام برحلته الثانية في الوقت الذي كانت المفاوضات تجري بصورة متواصلة وجدية. بيد ان النظرة من المشرق العربي كانت مختلفة أيضاً: فقد كان حزب الله يشن حرباً ضد الحكومة اللبنانية (احداث ايار – مايو 2008)، وكانت واشنطن تضغط على سوريا لوقف تسهيل مرور الارهابيين إلى العراق. كما كانت علاقة الولايات المتحدة مع مصر قوية، على رغم أنه حتى في ذلك الحين كانت هناك شكوك حول استمرار حسني مبارك في الحكم. أما علاقات واشنطن مع دول الخليج فكانت هي الأخرى أقرب بكثير أيضاً. واليوم، ربما يكون التحدي النووي الإيراني القضية الوحيدة التي هناك شعور بأنها مماثلة للوضع الذي كان قائماً في منطقة الشرق الأوسط عام 2008. لم يعد العراق يشكل أولوية؛ والمفاوضات الإسرائيلية- الفلسطينية متوقفة وحماس أكثر ترسخاً في غزة من أي وقت مضى، وشهدت واشنطن تحولاً كاملاً في ما يتعلق بسوريا من خلال التعاطي مع دمشق أولاً ثم الضغط عليها بعد ذلك، كما أن الانتفاضات العربية قد أضافت مستوى من عدم اليقين، وعلاقات الولايات المتحدة مع دول الخليج هي أكثر تباعداً. وفي عام 2008، كانت الأسئلة التي يوجهها الصحافيون حول شؤون الشرق الأوسط تتعلق بكل التفاصيل الدقيقة، ولم يعد هذا هو الواقع هذه الأيام».

الانسحاب الاميركي
ويلفت التقرير الى ان «التصور الراهن في المنطقة هو أن الولايات المتحدة آخذة في التراجع، كما هو واضح من خلال انسحابها من العراق، وممارستها الحيادية السلبية تجاه سوريا، وإزالة حاملة طائرات من الخليج، والحديث العلني عن التركيز على محور آسيا، وزيادة التركيز على القضايا الداخلية. وهناك حقيقة لهذه الادعاءات، فعلى رغم أن الرئيس أوباما تحدث في الكثير من الأحيان حول اتباع سياسة الانخراط عند توليه منصبه، إلا أن سجله منذ ذلك الحين أظهر اتباع سياسة عدم الانخراط». ويرى أن «دافع الإدارة الأميركية نحو الانسحاب (من الشرق الاوسط) يستند إلى حد كبير على أخطاء الماضي، لكن الكثيرين في المنطقة يعتقدون بأن هذه الأخطاء تعطي الولايات المتحدة أسباباً أكثر عمقاً لتحمل المسؤولية، اذ ان عدم وضوح سياسات الولايات المتحدة وأهدافها جعل الحلفاء غير متأكدين ما اذا كان بإمكانهم الاعتماد على واشنطن. علاوة على ذلك، فإن الدول التي تمر بمرحلة انتقالية مثل ليبيا وتونس غير متأكدة من الكيفية التي سيكون فيها النظام الإقليمي الجديد وبدأت تعتقد أن تحالفاً استراتيجياً مع الولايات المتحدة لم يعد ذا قيمة كما كان الأمر من قبل».

خلط الاوراق
ويعتقد المراقبون السياسيون ان خلط الاوراق اللبنانية واعادة ترتيب الكثير من المواقع والسياسات «جاءا في خضم هذا الانسحاب الاميركي التكتيكي وفق استراتيجية القيادة من الخلف التي تتبعها الادارة الرئاسية الاميركية منذ انتصاف الولاية الاولى لاوباما، والتي ترتكز على ان يكون الانخراط الاميركي غير مباشر في القضايا المثيرة في الشرق الاوسط وباقي مناطق التوتر، بمعنى ان تلزّم واشنطن ادارة هذه القضايا الى حلفائها، تماماً كما كان الدور التركي في المسألة السورية. وفي هذا السياق يأتي الضغط الرئاسي الاميركي على رئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتانياهو لاصلاح ذات البين مع رئيس الحكومة التركية رجب طيب اردوغان، بما يخدم ضرورة اصطفاف كل حلفاء واشنطن في خندق واحد في انتظار المعركة الآتية».
وكانت إسرائيل قد اعتذرت لتركيا عن قتل تسعة أتراك في مداهمة لقافلة بحرية كانت في طريقها إلى غزة في العام 2010، واتفق البلدان على تطبيع العلاقات بينهما في انفراجة مفاجئة أعلنها الرئيس الأميركي، اثر زيارته اسرائيل.

لبنان في زيارة اوباما
ويلفت المراقبون الى ان الملف اللبناني ليس في منأى عن اهداف الزيارة الرئاسية الاميركية وعن ارهاصاتها، حتى لو لم تكن حاضرة في اجندة الزيارة، «اذ ان التحولات في الاقليم تبدو في ابهى حللها، وخصوصاً ان الافرقاء المتحالفين والمختلفين يستجمعون اوراق القوة لما يظهر انه المعركة المصيرية في سوريا. وتفترض واشنطن ان على حلفائها في المنطقة الانخراط في هذه المعركة، كل من موقعه السياسي او الاستخباري او حتى العسكري. كما تفترض ان حلفاءها في بيروت ليسوا بمنأى عن المشاركة في هذه المعركة، مع ما يفترض ذلك من انخراط مباشر، إن لجهة الدعم اللوجستي والسياسي لقوى المعارضة السورية، او لجهة المحاصرة السياسية لخصوم هذه المعارضة، وفي طليعتهم حزب الله. عند هذا الحد كان لا بد من خطوة تعيد خلط الاوراق وتحشر الحزب في زاوية مشاركته في القتال الى جانب النظام السوري. وليس اكثر فاعلية من اطاحة ما تسميه واشنطن حكومة الحزب، تمهيداً لاعادة تركيب السلطة اللبنانية».
ويستند المراقبون في تحليلهم هذا على مجموعة من المؤشرات:
- «اتهام الحكومة البلغارية حزب الله بالتورط في تفجير مطار بورغاس في تموز (يوليو) 2012، ومسارعة المعارضة البلغارية الى اتهام الحكومة بتسييس التحقيق استجابة الى طلب اميركي في هذا الشأن، مع العلم ان هذه المعارضة تعتبر الحكومة خاضعة لواشنطن.
- «ادانة محكمة قبرصية اللبناني المولد حسام طالب يعقوب، السويدي الجنسية، بأنه خطط لهجوم على سياح إسرائيليين في قبرص، وبتعاونه مع حزب الله».
- «الضغط الفرنسي – البريطاني لادراج حزب الله في اللائحة الاوروبية للمنظمات الارهابية او تلك الداعمة للارهاب، استناداً الى التحقيق البلغاري والحكم القضائي القبرصي.
- «اعلان الرئيس اوباما نفسه عن ضرورة عزل الحزب لبنانياً، بقوله من دون مواربة، في مؤتمر صحافي في جامعة بن غوريون على هامش زيارته لاسرائيل، انه «يجب ان يسمى حزب الله على حقيقته منظمة ارهابية لان العالم لا يمكن ان يتقبل منظمة ارهابية تقوم بقتل الابرياء وتطلق وابلاً من الصواريخ».

العزل
ويشير المراقبون الى ان «خلط الاوراق اللبنانية جاء تحديداً في هذا السياق الاميركي – الفرنسي – البريطاني الضاغط لمحاصرة حزب الله واشغاله لبنانياً، تمهيداً للمعركة الكبرى في سوريا. وهذا الاشغال – وفق التفكير الاميركي – يكون عبر اطاحة الحكومة التي يرعاها الحزب ومن ثم الضغط لتشكيل حكومة حيادية تكون مهمتها الوحيدة تنظيم انتخابات تشريعية عامة تكرّس عزل الحزب من خلال قانون انتخاب يمنع تحكمه وقوى الثامن من آذار بالغالبية النيابية، بما يعزز النظرية الوسطية (الرئاسية – الجنبلاطية) التي ستكمل مهمتها الراهنة في مسك العصا من وسطها بإعتبارها قوة سياسية ونيابية ووزارية مرجحة وراجحة سيكون لها وزنها في الاستحقاقات اللبنانية المقبلة، وفي طليعتها مصير الانتخابات الرئاسية، تجديداً في الرئاسة او تجديداً لها».
ويلفت المراقبون الى ان هذه المقاربة الاميركية للواقع اللبناني «سبق ان جرى استشرافها منذ ان اعلنت سفيرة الولايات المتحدة الاميركية مورا كونيللي في الرابع من آذار (مارس) اثر لقائها رئيس مجلس النواب نبيه بري ان واشنطن  ترى انه «في حال عدم إمكانية الاتفاق على قانون جديد (للانتخابات النيابية) في المدى القريب جداً، فإن الفشل، في نظرنا، بتحقيق توافق بشأن قانون جديد لا يعني بأن الانتخابات البرلمانية لا يمكن ان تُجرى في موعدها. نحن نشجع لبنان بأن يُجري الانتخابات في موعدها»، معلنة «تقديرنا للجهود التي يبذلها رئيس مجلس النواب للتوصل إلى توافق يسمح بإجراء الانتخابات في موعدها (…) وللجهود الاستثنائية المبذولة من قِبَل رئيس الجمهورية ميشال سليمان وبري ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي للتمسك بمتطلبات الدستور اللبناني لاجراء الانتخابات في موعدها». واضافت: «باعتباره أحد أقدم الديمقراطيات في المنطقة، يجب على لبنان، بإعتقادنا، أن يلتزم الجدول الزمني للانتخابات الذي ينص عليه الدستور». كما شددت على أن «الشعب اللبناني يدرك بأن أحد متطلبات الانتخابات الحرة والنزيهة هو أن تُجرى في موعدها». واعربت عن تفهمها وتقديرها للقلق «الذي عبَّر عنه الكثير من اللبنانيين بأنه يُمكن وينبغي تحسين النظام الانتخابي. ونحن نؤيد الجهود الرامية إلى التوصل إلى توافق بشأن صيغة جديدة تخدم تطلعات اللبنانيين الأساسية نحو نظام يوحِّد الشعب اللبناني ويحترم تعددياته المختلفة».

طلال عساف

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق