صحة

زراعة الكلى… نهاية دنيا أم بداية عمر؟

وزنها خفيف، خفيف جداً، ومهمتها كبيرة، كبيرة جداً. تٌنقي الدم من السموم وتمتص المواد النافعة وتطرد المواد الضارة. سماكتها أقل من ثلاثة سنتمترات وفعاليتها أكثر بكثير مما تظنون. الكليتان، على اليمين وعلى الشمال، حكاية طويلة طويلة بخواتيمٍ ليست دائماً سعيدة! فماذا لو أصابها مكروه؟ ماذا لو تعطلت إحداها؟ وماذا لو سمعتم طبيباً يهمس في أذنِ قريب عن قريب: إنه يحتاجُ الى زراعة كلى؟

 ليست زراعة الكلى طبعاً سهلة وليست أبداً صعبة! ماذا نقصد أن نقول؟ نريد، ومنذ البداية، أن نحسم المسألة: الطب يتطور وابتكار العلاجات مستمر والبروتوكولات الجديدة بدأت تأخذ منحى تطمينياً. نعم، ثمة بروتوكول جديد في زرع الكلى يهدف الى تحقيق عمر أطول للكلية المزروعة.
الموضوع يهمكم؟ الموضوع قد يهمكم ذات يوم؟ الموضوع لا يهمكم؟ لا بأس، إستديروا حولكم. حدقوا في الوجوه. أصغوا الى حكايات الناس ولا بدّ أن تجدوا من يُحملق الآن، الآن بالذات، ليعرف أكثر عن زراعة الكلى! ثمة أشخاص خالوا للحظات أنهم بلغوا «آخر الدنيا» يخضعون الى غسيل كلى «يوم إي يوم لأ» وينتظرون بفارغ الصبر أن يجدوا كلية يزرعونها… لكن ماذا لو فشلت الزراعة؟ ماذا لو رفضت أجسامهم الكلى المزروعة؟ أسئلة، أسئلة، أسئلة… فهل من أجوبة تشفي غليل القلوب؟
 
بروتوكول جديد
كُشف النقاب عن بروتوكول جديد في زرع الكلى يهدف الى تحقيق عمر أطول للكلية المزروعة، جرت مناقشته في ورشة عمل حول أمراض الكلى، نظمتها الجمعية اللبنانية لمكافحة أمراض الكلى وارتفاع ضغط الدم وترأسها استشاري أمراض الكلى وعلم المناعة ورئيس قسم أمراض الكلى وغسيل الكلى وزراعة الأعضاء في مستشفى جامعة تولوز البروفسور ليونيل روستاينغ… فماذا في تفاصيل الورشة؟ وماذا في تفاصيل بارقة الأمل الجديدة؟
رئيس الجمعية اللبنانية لأمراض الكلى وارتفاع ضغط الدم الدكتور خوسيه خبوث الذي تابع تفاصيل البروتوكول الجديد قال: « إن أملاً جديداً ولد هو أن عمر المتبرع ما عاد عائقاً، بعدما أثبتت الدراسات أن الصحة الجيدة والعودة الى مزاولة الحياة الطبيعية أصبحتا ممكنتين لمتلقي الأعضاء من المتبرعين الأكبر سناً».
شرط العمر إذا زال. ماذا عن رفض الجسم للكلية المزروعة؟
رئيسة قسم أمراض الكلى في مستشفى أوتيل ديو تجيب: إن طرح تركيبات جديدة متطورة من الأدوية لقمع جهاز المناعة أدى الى تقليص معدل الرفض الحاد للكلية المزروعة وتحسين معدل الحفاظ على سلامتها على المدى القصير بعد عملية الزرع وحدّ من الإصابات بالتهابات حادة وسيطر على مخاطر الإصابة بارتفاع ضغط الدم.
البروتوكول الجديد، لمن يهمه الأمر، جاء نتيجة تجارب سريرية بحثية نفذتها «نوفارتس» شملت ألفي مريض جرى خلالها تقويم فوائد استخدام علاجات جديدة مبتكرة تجمع بين وظائف الكلى وحصيلة التطعيم القصير والطويل. في كل حال، ثمة من قد يرتعد من فكرة أن بروتوكولاً قد يقمع جهاز المناعة… فهل هذا طبيعي؟ إن قمع نظام المناعة المستخدم في العلاج ليس ساماً أبداً للكلى وهو يقلل من احتمال العدوى الفيروسية ويُخفض نسبة الإصابة بالسرطان بعد انتهاء عملية زراعة الكلية.

المضاعفات
رائع أن نسمع عن بروتوكولات طبية جديدة قد تحمي من بعض مضاعفات زراعة الكلية العادية… لكن ماذا عنها؟ ماذا عن تلك المضاعفات؟ 
قبل أن يعبر المريض الى غرفة العمليات ويُنفث البنج فيه ويبدأ المشرط في أداء دوره، يعرف، أو يفترض ان يعرف، أن جملة مضاعفات محتملة مرتبطة بالعمل الجراحي، أي نوع من العمل الجراحي، بينها: العدوى التي قد تتطلب تناول المضادات الحيوية لفترة طويلة، النزف إما أثناء العملية أو بعدها، الإلتهاب الرئوي، حدوث جلطات دموية… وحين تُنقل كلية من جسم إنسان سليم الى جسم مريض قد تحدث جملة مفاجآت تجعل الجسم المتلقي، وتحديداً جهاز المناعة في الجسم المتلقي، يلفظ الكلية الجديدة، لأن جهاز المناعة، لمن لا يعرف، مصمم للحفاظ على صحة الإنسان عبر اكتشاف الأجسام الغريبة، وبما أن الكلية المزروعة تُعد بالنسبة الى هذا الجهاز جسماً غريباً يُحاول أن يلفظها، ظناً منه أنه يُخلص الإنسان منها، لهذا يُفترض أن يتناول أدوية تكبت ردة فعل جهاز المناعة، وضروري أن يعرف المريض أن حدوث آلام أو ظهور حمى في مكان الكلية الجديدة أو حتى حصول تغيرات في كمية البول قد تكون إشارات الى حدوث عدوى أو رفض الجسم للكلية الجديدة، وإذا اكتشفت هذه العلامات باكراً قد ينجح الطاقم الطبي في إسعاف الكلية المزروعة لتعود وتتفاعل مع الجسم الجديد فيتعافى المريض بدل أن يخسر بارقة الأمل التي دنت كثيراً منه!

كثير من الماء
في كل حال، يفترض أن تعيش الكلية المزروعة، إذا تمت الأمور كلها على ما يرام، بين عشر وعشرين سنة في الجسم الذي زرعت فيه. والنصيحة التي تُغدق على المتلقي: اشرب كثيراً من السوائل… وما دمنا ذكرنا «سوائل» هل تعلمون أن مهمة الكليتين تنقية الدم من السموم وإخراج هذه الملوثات مع البول؟ 
تسكن الكليتان، اليمنى واليسرى، في التجويف الخلفي للبطن، على جانبي العمود الفقري، وتحتوي كل كلية على مليون وحدة ترشيح أو إفراز! ويحتوي البول الطبيعي كما تعلمون على أملاح ذائبة وعلى مواد كيميائية يفترض أن يتخلص الجسم منها دورياً، وهذه طبعاً مهمة الكليتين اللتين تعملان على إخراج نحو ليتر ونصف الليتر من البول يومياً، محملاً بتلك المواد والأملاح والأحماض، وذلك عبر ممارسة عملية ترشيح ما لا يقل عن 180 ليتراً من الدم! كمية طبعاً كبيرة لكليتين لا يزيد وزنهما معاً عن 300 غرام!
«سبحان الخالق» عبارة لا بدّ أن نرددها في كل مرة نتعرف فيها على مهام الأعضاء التي تُشكل أجسامنا! ثمة سرّ عظيم في كل عضو. وللكلى، في وظيفتها، أيضاً قدرة هائلة! فهي، على صغرها، تُنقي الجسم من المواد الضارة وتمتص المواد النافعة من غلوكوز وصوديوم… وثمة ارتباط بين ضغط الدم وطبيعة عمل الكلى التي تفرز هورمون «الرينين» الذي يؤدي هبوطه الى ارتفاع ضغط الدم وهورمون «البروستاغلاتدين» الذي يعمل على تمدد وانقباض الأوعية الدموية التي تحافظ على ثبات ضغط الدم. ماذا يعني هذا؟ يعني أن يلتفت من يعانون من ارتفاع ضغط الدم الى عمل الكليتين اللتين قد ترسلان إشارات تحذيرية عبر ضغط الدم!
ثمة من يسأل: هل يعتبر لون البول، غامقاً أو فاتحاً، إشارة الى كفاءة عمل الكليتين؟
لون البول الطبيعي هو أصفر، بكل درجات اللون الأصفر، الذي قد يفتح أو يغمق بحسب كمية المياه التي نشربها. ويُقصد بهذا، في تفسير أدق، أن مهمة الكلى إفراز الأملاح والأحماض في البول، فإذا كانت كمية البول قليلة، نظراً لعدم شربنا الكمية الكافية، جاء اللون مركزاً، غامقاً، والعكس تماماً صحيح، فإذا أكثرنا من شرب السوائل توزعت تلك المواد على كمية أكبر من البول فيخرج فاتحاً.
أمر آخر يفترض أن يعرفه مريض الكلى وهو وجود علاقة وثيقة بين طبيعة عمل الكليتين ونسبة الكالسيوم الطبيعي في الجسم، ما يعني أن ظهور أي خلل في وظائف الكلى قد يرتدّ خللاً على نسبة الكالسيوم في الدم والعظام… لماذا؟ لأن الكلى مسؤولة عن تنشيط عمل فيتامين د المسؤول عن امتصاص الكالسيوم من الإمعاء.
سؤال أخير: هل يستطيع الإنسان أن يعيش بكلية واحدة؟
ببساطة، نعم. ويستطيع اكثر من هذا ان يعيش بكليتين لا تزيد كفاءتهما عن 25 في المئة من الكفاءة الطبيعية… فهما، على عكس ما يظن الكثيرون، مرنتان لكن، وكما يقول المثل: ما زاد عن حده انقلب الى ضده!
الكلى عالمٌ في جسدٍ، والجسدُ بلا كليتين يعاني الأمرين، أما الكلية المزروعة فباتت، في بروتوكول جديد، في أمان أكبر…

نوال نصر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق