أبرز الأخباردوليات

ماذا قال الايرانيون لفابيوس عن لبنان؟

لوران فابيوس هو أول وزير خارجية فرنسي يزور طهران منذ 12 عاماً… وأول وزير أوروبي يصل الى طهران بعد الاتفاق النووي معها…
ثمة تسابق أوروبي باتجاه إيران لقطف ثمار الاتفاق في مجالات الاقتصاد والتجارة والاستثمارات. وما أن جف حبر قرار مجلس الأمن الذي حوّل اتفاق فيينا الى اتفاق دولي، حتى أسرع الى طهران نائب المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل وزير الاقتصاد والطاقة «زيغمار غبريال» لحصاد ما استثمرته ألمانيا في إيران وهو ضخم لأنها نصبت نفسها المدافع الأول عن المصالح الإيرانية… بريطانيا أيضاً متأهبة للاستفادة من الانفتاح والتطبيع مع  إيران وهي كانت في طليعة استعادة العلاقات الدبلوماسية معها… وأما فرنسا فقد كانت السبّاقة مع أنها كانت الأكثر تشدداً على طاولة المفاوضات النووية… فالحكومة الفرنسية تواجه ضغوط أرباب العمل والشركات الكبرى الذين يدفعون الى تسريع التطبيع مع  إيران حتى لا تصل فرنسا متأخرة ويحصد الآخرون ثمار الاتفاق، خصوصاً وأن فابيوس بسبب الدور المتشدد الذي لعبه أثناء المفاوضات النووية تواجهه مهمة صعبة في إقناع طهران بإعطاء الشركات الفرنسية دوراً مهماً… ولكنه متحمس لهذه المهمة وهو الذي كان صريحاً في القول قبل أيام لإذاعة فرنسا الدولية «صحيح أن فرنسا كانت صارمة للغاية ولكن هل تُعاقب الشركات الفرنسية؟! جوابي هو لا لأنه في الماضي كان لنا وجود في إيران، ما لنا من خبرة في الكثير من المجالات ممتاز والإيرانيون جديون».
فرنسا ليست محرجة في الانفتاح على إيران كما لم تكن محرجة في تبرير موافقتها على الاتفاق النووي. كل ما يهمها الآن هو مراعاة مشاعر وهواجس أصدقائها الخليجيين وطمأنتهم بأن الانفتاح على إيران لن يكون على حساب أمنهم ومصالحهم… وبأن فرنسا ستضع إيران أمام الاختبار لإثبات أنها تغيّرت وأنها بعد الاتفاق ليست إيران ما قبل الاتفاق، وأنها جاهزة وراغبة في الانخراط بعملية تسهيل التسويات وإيجاد الحلول ولتبريد حرارة الأزمات المشتعلة في الشرق الأوسط…
لبنان واحد من هذه الأزمات الإقليمية… وواحد من ساحات الاختبار الفرنسي لإيران، ذلك أن باريس تريد أن يكون لبنان هو «الاختبار الأول» للمسار الجديد للسياسة الإيرانية في المنطقة بسبب الموقع التقليدي الذي يحتله لدى فرنسا، وبسبب الجهود السابقة التي قامت بها باريس عبر موفدها الخاص «جيرو» الذي زار طهران أكثر من مرة… وبسبب أن لبنان هو «الحلقة الأضعف والأسهل» في المنطقة والمؤهل ليكون ساحة الاختبار الأول. فأزمته باردة حتى الآن وتحت السيطرة والأقل تعقيداً مقارنة بأزمات المنطقة.
يظهر الفرنسيون اهتماماً ملحوظاً بلبنان الذي تربطه بفرنسا علاقة خاصة وتاريخية. الرئيس هولاند يلتقي تباعا أصدقاءه اللبنانيين وأولهم سعد الحريري ووليد جنبلاط، ويتفادى الزعماء الموارنة مكتفياً بالبطريرك الراعي. والرئيس هولاند أعلن أنه في صدد التحضير لزيارة لبنان قريباً وأنه اتصل بالرئيس تمام سلام داعماً له وناصحاً إياه بعدم الاستقالة… مع التذكير أن فرنسا بالتنسيق مع السعودية تقود عملية تسليح الجيش اللبناني، كما أنها في صدد تطوير دعمها للأجهزة الأمنية اللبنانية والتعاون معها. وقبل أيام كان وزير الداخلية نهاد المشنوق في باريس وأجرى محادثات شاملة أمنية وسياسية.
ما يهم باريس حالياً هو انتخاب رئيس للجمهورية في أقرب وأسرع وقت ممكن، لأنها قلقة جداً ازاء اتساع رقعة الفراغ في المؤسسات الدستورية ليصل الآن الى الحكومة، وازاء احتمال أن ينشأ عن هذه الأزمة السياسية المستفحلة مخاطر ومشاكل أمنية واقتصادية واجتماعية. ففي لبنان أزمة اقتصادية صعبة ومليون ونصف مليون لاجىء سوري يضافون الى الوجود الفلسطيني، وفي لبنان توازن هش ووضع دقيق وهو محاط بالحروب وبيئة إقليمية متفجرة. وهذا كله يدفع باتجاه تسريع انتخاب الرئيس ويفسر الإلحاح الفرنسي على إيران لإظهار حس المبادرة والتسهيل في لبنان.
الاهتمام الفرنسي الزائد بلبنان شيء… والرهان على أن يفضي الى نتائج وانفراجات ويفتح الطريق أمام انتخاب رئيس شيء آخر… لأن مسألة رئاسة الجمهورية تحوط بها تعقيدات داخلية وإقليمية وحلها متأخر للأسباب الاتية:
– مسيرة الاتفاق النووي لا تنتهي مع التوقيع عليه وإنما تبدأ معه… هناك مرحلة التسويق والبدء في التنفيذ التي ستمتد حتى نهاية العام قبل أن ينتج هذا الاتفاق مفاعيله وانعكاساته الإيجابية، هذا إذا كانت الانعكاسات إيجابية وليست سلبية.
– الوضع والحل في لبنان يرتبطان بتطورات الأزمة السورية من جهة، ومجريات العلاقة الإيرانية ـ السعودية من جهة أخرى… ولا انفراجات ومؤشرات إيجابية في المجالين.
– القرار الدولي (الأميركي) للبنان يقتصر على حفظ الاستقرار السياسي والأمني… ولا يدخل في تسويات وشؤون داخلية بما فيها رئاسة الجمهورية.
استنتاجاً يمكن القول إن الرهان على زيارة فابيوس الى طهران كي تشكل اختراقاً في الوضع اللبناني وتدفع في اتجاه انتخاب الرئيس، كان رهاناً في غير محله، خصوصاً وأن إيران ستكون بعد الاتفاق أكثر ارتياحاً الى وضعها في لبنان وغيره وأكثر تشدداً أو تريثاً وأقل استعداداً لتقديم تسهيلات أو تنازلات… وجوابها للزائر الفرنسي كان ما فحواه أنهم في الشأن اللبناني الداخلي لا يتدخلون ولا يملون على حلفائهم الخيارات والقرارات وإنما لهم حرية اتخاذ ما يرونه مناسباً وإيران تدعمهم في كل ما يقررونه… بكلام آخر قال الإيرانيون للفرنسيين مرة جديدة: حاوروا وتحدثوا مع حزب الله في لبنان. أما حزب الله فإنه يقول منذ فترة لتيار المستقبل حاوروا وتحدثوا مع العماد  ميشال عون…

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق