«حزب الله» في 3 نصوص اسرائيلية

ينصرف الاعلام الاسرائيلي، هذه الايام، الى مواكبة الحرب السورية وتأثيراتها اللبنانية من خلال مشاركة «حزب الله» فيها. ويبدو جلياً ان هذه المقاربة تركز بالدرجة الاولى على مدى تأثر الحزب بمسار هذه الحرب، ومستقبله الوجودي في ضوء تداعياتها. ولا يفوت هذا الاعلام تخصيص الوقت لتحليل ما سيكون عليه موقع الامين العام للحزب السيد حسن نصرالله ومستقبله، ربطاً بالحرب عينها.
يشير نص اسرائيلي، وُضع في سياق محاولة سبر التأثر اللبناني المباشر بمشاركة «حزب الله» في سوريا، الى ان الحزب «أصبح يجند ناشطين آخرين من الدائرة الثانية من مؤيدي المنظمة لارسالهم الى ميدان القتال. ولم يشارك هؤلاء المقاتلون الذين يأتون من صفوف الطلاب في جامعات لبنان في المعارك الى الآن حتى ولا في مواجهة دولة اسرائيل. ويجري لاولئك الطلاب الجامعيين اعداد عسكري يتم في معسكر يسيطر عليه ويقوده الحرس الثوري في لبنان. ومع انتهاء التدريبات يرسلون لمساعدة نظام الاسد في القضاء على المتمردين».
ويرى ان «وقوف «حزب الله» بجانب النظام السوري وتجنيد ناشطيه (من مواطني لبنان) للمعركة يجر لبنان كله الى دوامة الحرب الأهلية في سوريا، ويشجع على الانقسام الطائفي بين السنة والشيعة، وقد يفضي الى حرب أهلية في لبنان نفسه. وليس التوتر الطائفي ظاهرة جديدة في لبنان، لكنه ازداد في الآونة الاخيرة (…). وعلى رغم ان هذه الاحداث تعتبر متفرقة لا ينظمها معسكر من المعسكرات، فان الواقع في لبنان قابل للتفجر، ويمكن ان يفضي التوتر الموجود في الهواء أصلاً الى انتشار التوتر الطائفي سريعاً الى مدن اخرى في لبنان».
يضيف: «بُذلت في معركة القصير جهود كثيرة، فهذه المدينة التي تقع بالقرب من حدود لبنان وتُستخدم طريق إمداد رئيس للمتمردين السوريين، تعتبر نقطة استراتيجية مهمة للطرفين، وسقوطها في يد النظام السوري هو نقطة تحول في المعركة مع المتمردين. وعلى ذلك يمكن ان نفهم الجهود التي بذلها حزب الله لتجنيد مؤيدين وارسالهم لمساعدة النظام السوري في القصير. وقد تضعضع تأثيرات هذا الاجراء الاستقرار السياسي في لبنان وتزيد العنف في الدولة. إن المعسكر الليبرالي برئاسة سعد الحريري الذي حاول الامتناع عن تصريحات تتناول ما يجري في سوريا، عبر عن امتعاضه ودعا حكومة لبنان الى منع خروج مؤيدي حزب الله لخوض المعارك في سوريا».
ويخلص النص الاسرائيلي الى ان «سقوط القصير في يد النظام السوري» ومنظمة «حزب الله» يجعل المنظمة في مقدمة المسؤولين عن احتلالها، وسيثير ردوداً انتقامية ضد الشيعة في لبنان على يد منظمة جبهة النصرة، وهي المنظمة السنية التي تقود التمرد في سوريا، ومنظمات سنية اخرى.
وقد برهنت هذه المنظمات من قبل على قسوة عملياتها الانتحارية (…)، وليس من المستبعد ان توجه جهدها الآن الى لبنان ايضاً، الذي قد يجد نفسه يُجر الى صراع طائفي سني – شيعي كما يجري في العراق بسبب الحرب الاهلية في سوريا، وهو صراع يسبب ضحايا في كل يوم من دون ان نرى نهاية له».
الحزب ولبنان
ويستند نص اسرائيلي ثان الى «بحث شامل ومفصل عن تدخل «حزب الله» في سوريا وضعه «مركز معلومات الاستخبارات والارهاب» الذي ينتمي الى «مركز تراث الاستخبارات». ويلفت الى ان «النقاط المركزية التي تطرح في البحث هي: حتى قبل بضعة اشهر كان تدخل «حزب الله» في الحرب الاهلية السورية ضيقاً. ومذ ذاك تصاعد وبلغ رقماً قياسياً من آلاف المقاتلين. وجاءت الانعطافة في شدة التدخل على خلفية التخوف من أن يكون نظام الاسد على وشك الانكسار، وكانت مصلحة عليا لرجال «حزب الله» عدم السماح للنظام بالسقوط لان ذلك معناه بداية سقوطهم. هذا كان أمراً صريحاً من ايران الى (السيد) نصرالله. ايران نفسها تساعد قدر امكانها الاسد ولكنها حذرة جداً في ارسال مقاتلين من جانبها. الذراع المقاتل الذي يخصها في سوريا هو «حزب الله»، والانطباع هو أن ايران ستكون مستعدة للقتال في سوريا حتى آخر رجل لـ «حزب الله».
ويرى النص ان «القوة المقاتلة لـ «حزب الله» تعمل في مكانين أساسيين: الاول هو قبر «الست زينب» جنوب دمشق، الاكثر قدسية للشيعة، وهم يحجون اليه بجموعهم. السنة، الثوار وغير الثوار، بدأوا يهاجمون المكان. ولهذا فان قوة من «حزب الله» وايران ومتطوعين شيعة من كل ارجاء الشرق الاوسط يحمون المكان. في هذا المكان وجد الصراع الديني الجاري اليوم في سوريا وفي كل مكان بين الشيعة والسُنة، تعبيراً آخر له حاداً وملموساً: انها معركة «ش» ضد «س» في العالم الاسلامي الشرق اوسطي. اما المكان الثاني فهو القصير، مدينة فيها غالبية سنية، قرب الحدود اللبنانية، جنوب غرب حمص. أهميتها هي أولا وقبل كل شيء بالنسبة الى «حزب الله» وبقدر أقل بالنسبة الى السوريين، بسبب كونها مفترق طرق يمكن منه تحريك شحنات السلاح الى البقاع اللبناني الذي يسيطر عليه «حزب الله». ولكن هنا ايضاً العنصر الديني – الطائفي يلعب دوراً مهماً للغاية. حول القصير توجد قرى شيعية كثيرة كانت عرضة للهجمات من جانب السُنة. «حزب الله» جاء ليحميها. النجاح في القصير هو أولاً وقبل كل شيء لـ «حزب الله»، الذي تلقى مساعدة جوية ومدفعية سورية. النظام السوري، وفي اعقابه وسائل الاعلام الاسرائيلية، جعل القصير بمثابة انتصار ستالينغراد لنظام الاسد».
ويرى النص ان «الصراع الحقيقي الذي يخوضه الاسد ليس في القصير بل في حمص المجاورة، حيث يسيطر الثوار السنة على البلدة القديمة. وسيكون مشوقاً أن نرى اذا كان «حزب الله» سيساعد الجيش السوري في الهجوم المرتقب على المدينة. اذا فعل ذلك، وفي حمص لا يوجد شيعة، فمعنى الامر عندها أن «حزب الله» ينضم بكامله الى الحرب الاهلية السورية (…). يوجد في ذلك فضائل كبيرة لاسرائيل لانه كلما سفك دمه وتورط هناك، كلّما كان افضل. ولكن هناك ايضاً مخاطر كون الاسد سيكون مديناً بتعويضه بالسلاح الحديث. وكلما احتدم وضع (السيد) نصرالله، قد يرغب في أن يثبت في أنه لا يزال يعمل ضد اسرائيل وليس فقط ضد السُنة».
ويخلص الى ان «الدرس الاهم لاسرائيل هو التالي على ما يبدو: «حزب الله» هو أولاً وقبل كل شيء تابع الى ايران وأوامرها هي بالنسبة اليه بمثابة فرائض دينية. المصلحة اللبنانية توجد عنده فقط في المكان الثاني».
الاسد ونصرالله
ويذهب نص اسرائيلي الى مقاربة شخصية – سوسيولوجية – سياسية لما سيكون عليه موقع السيد نصرالله ومستقبله في ضوء تداعيات مشاركة الحزب في الحرب السورية، التي برأي كاتب النص «ستفضي الى نهاية الحياة العامة لزعيمين بارزين في الشرق الاوسط. الاولى وهي للرئيس بشار الاسد، ستنتهي سريعاً بل قد تكون بضربة سيف أو بتنكيل في ميدان المدينة. أما الثانية فستكون ابطأ لكن أصبح من الممكن الآن أن نقول في جزم إن الأمين العام لحزب الله (السيد) حسن نصرالله قد أنهى دوره التاريخي».
يضيف: «قد يستطيع (السيد) نصرالله الداهية بدعم ايراني أن يبقى رسمياً في عمله زمناً طويلاً بعد لكنه لن يحقق الهدف المركزي الذي وضعه لنفسه وهو ان يصبح زعيماً لبنانياً عاماً وعربياً عاماً. إن الذي أُعلن أنه عدو اسرائيل الاستراتيجي المركزي قد دفن بيديه انجازاته وأفضى الى نهاية الحلم الشيعي في لبنان. وكانت انجازاته كثيرة. لقد فهم (السيد) نصرالله قبلنا الحساسية الاسرائيلية بحياة المواطنين وقابلية الجبهة الداخلية للاصابة والنظرة التي لا تناسب فيها الى موضوع الأسرى والمفقودين، وأسس على ذلك نظرية قتالية تقوم على حرب استنزاف طويلة الى جانب توازن ردع مهدِّد. ونجح بفضل فهمه لاسرائيل في ان يطرد الجيش الاسرائيلي عن لبنان في سنة 2000 ويعلن بعد ذلك نصراً في 2006. ورث (السيد) نصرالله عن سلفه في منصبه الشيخ عباس موسوي قبعتين: الأمين العام للمنظمة، وممثل الحاكم الروحي (زعيم ايران) في لبنان. وقد حصر موسوي عنايته في القبعة الثانية وحاول ان ينشىء للشيعة في لبنان جهازاً بديلاً منفصلاً يشمل كل مجالات الحياة: التربية والثقافة، والمجتمع، والصحة، والمساعدة الاجتماعية، والاقتصاد وبناء قوة عسكرية ايضاً. ورقص (السيد) نصرالله في موهبة كبيرة في العرسين: فقد نجح في الحصول على دعم عسكري ومالي من ايران ونجح مع ذلك في أن يصبح زعيم الجميع. فقد أمر رجاله مثلاً بعدم التعرض لناس جيش لبنان الجنوبي بعد انسحاب اسرائيل وعامل المسيحيين باحترام وتسامح. وكذلك بذل مجهوداً ضخماً ليُخلص من السجن الاسرائيلي سمير قنطار وهو درزي لم يعمل في خدمته أصلاً».
يتابع: «كان (السيد) نصرالله يعتبر على امتداد بضعة اعوام بحسب استطلاعات الرأي، أكثر الزعماء العرب شعبية، وهو الزعيم الذي يواطىء لسانه قلبه، وليس هو فاسداً مثل المستبدين، والذي يتحدى اسرائيل ويقدر عليها. وتحول رمز السياسة الجديدة في الشرق الاوسط، فهو يتحدث بلغة تناسب كل انسان، وهو لا يطمس الحقائق ولا يتهرب وهو مستعد للاعتراف بالأخطاء، مع شيء من الفكاهة وشيء من التهكم، ومع استعمال كل أنواع وسائل الاتصال في عصر الانترنت. ثم جاءت الحرب في سوريا».
ويختم النص الاسرائيلي: «من المؤكد ان (السيد) نصرالله كان سيفرحه ان يتخلى عن العامين الاخيرين، وهي فترة لا يُعلم هل جُر فيها أم هب لحماية صديقه في دمشق. واذا كان قد آمن في البداية انه من الممكن انقاذ حكم الاسد فلم يعد على يقين من ذلك منذ زمن. وعلى رغم ذلك أطاع إطاعة كاملة أوامر طهران وأرسل آلافاً من أفضل مقاتليه لمساعدة النظام العلوي. لم تكن اسرائيل تستطيع أن تأمل معجزة أكبر من هذه. فالقتال لم ينقض عُرى أقوى جيش كان يواجهنا فقط ولم يُضعف قوة «حزب الله» العملياتية جداً فقط، بل صدّع تماماً صورة (السيد) نصرالله ايضاً. فهذا الرجل الذي سوغ بقاء «حزب الله» كقوة مسلحة في لبنان لمحاربة اسرائيل يرسل المنظمة لمساعدة سلطة متعطشة للدم على ذبح السنيين. كانت ضائقة (السيد) نصرالله لموت مقاتليه في سوريا كبيرة جداً حتى إنه أمر بدفنهم ليلاً بلا مراسم. وأصبحت المسافة قصيرة من هنا الى التورط في أكاذيب وطمس حقائق واعمال قتل سياسي وفساد كبار المسؤولين وسائر الطرق المعروفة جداً من سياسة المنطقة القديمة. كان (السيد) نصرالله يحلم بالسيطرة على لبنان وبجعله دولة دينية تقوم على أكثرية شيعية، لكنها تهتم ايضاً برفاه مواطنيها جميعاً. وسينهي عمله بدل ذلك (…)، يهتم بمصالح ضيقة لمجموعة صغيرة ويساعد مستبداً متعطشاً للدم على ذبح شعبه».
طلال عساف