كاظم الساهر عندما يغني نزار قباني

فعلها كاظم الساهر وكرس نفسه في ليلتين من مهرجانات بيت الدين رمزاً فنياً لا يتكرر، وبرومانسيته المعهودة التي ترجمها في قصائد نزار قباني، سحر الساهر الجمهور الذي ملأ المدرجات والسلالم الداخلية كما الساحات الخارجية وحجز لنفسه مقعد «الشرف» في برنامج ليالي بيت الدين الذي وصفه في نهاية الحفل بالأرقى والأكثر تنظيماً. وككل لياليه لم ينزل عن المسرح في الموعد المحدد بالحاح من الجمهور ليؤكد من جديد أنه قيصر الغناء في كل مكان وزمان.
كان يمكن تقصي أجواء مسرح بيت الدين من موقف الباصات في منطقة ستاركو في وسط بيروت. فالعجقة على بطاقات حجز المقاعد في الباصات المخصصة كشفت عما سيكون عليه المشهد فوق. ومع أنها ليست المرة الأولى التي تمتلىء فيها مدرجات بيت الدين إلا أن لصوت كاظم الساهر سحراً وجاذبية يستفزان ليس فقط النساء إنما أيضاً كل من يتقن لعبة الغناء على أوتار الساهر ويتذوق قصائد نزار قباني.
بين الساهر وقباني
بين العشق والإرتقاء نحو أرفع خيوط الإحساس كان الإنسجام واضحاً بين كاظم الساهر ونزار قباني. فنجح الأول في إعادة إنعاش الذاكرة والمشاعر من خلال نوتة ألحانه وصوته الذي لم يتعب ولم يتغير منذ 25 عاماً حتى اليوم. وتمكن الثاني من إعادة توأمة الروح الشاعرية التي باتت تغرد بفعل التكنولوجيا خارج سرب الخيال والمشاعر البشرية.
«أشهد أن لا امرأة أتقنت اللعبة»، «إني خيرتك فاختاري»، «قولي أحبك»، «علمني حبك»، «بغداد»، «بوسة» و… «أحبك جداً» التي ألهبت الأيادي تصفيقاً واستفزت ايضاً العنصر الذكوري الذي كان يرندح مع الساهر طرباً وغناءً ورقصاً. وعلى طريقته اللبنانية رحب الجمهور اللبناني البحت بقيصر الغناء الآتي من أرض العراق فغنى معه ورندح ولم يتوان عن مطالبته بالإعادة لا سيما في اغنيات العشق أو بأغنيات تحت الطلب. وكان للساهر تحية خاصة وتشجيع في كل مرة كان يترك فيها مساحة الغناء لجمهور أثبت عشقه ووفاءه لغناء الساهر وقصائد قباني.
مع نجوم «ذي فويس»
سمة التواضع التي ترجمها الساهر في إشراك مواهب من برنامج «أحلى صوت» في ليالي بيت الدين رسخت عشق الجمهور في طبيعة هذا الفنان البشرية. إلا أن الأداء لم يكن في غالبيته على المستوى المطلوب. ففي الليلة الأولى غنى مع يسرى محنوش لينفذ بذلك وعده للموهبة التونسية، ومعاً أديا أغنيته الرائعة «أشكيك لمين» التي تجاوب معها جمهور الساهر وتعالى التصفيق وصيحات الإعجاب في ليلة تناغمت فيها الألحان الرائعة والأصوات الطربية مع سحر وعبق مسرح بيت الدين التاريخي العريق. ثم كانت الوصلة الثانية في الليلة الأولى مع المشتركة السورية نور عرقسوسي التي خذلها صوتها في الطبقات المنخفضة، فتلقف الساهر الموقف، واعتبر ان هذه الطبقة لا تليق بصوت نور. لكن الوضع تغير في الليلة الثانية مع اغنية «زيديني عشقاً» التي أتقنت أداءها شعراً ولحناً. إلا أن حماسة الجمهور ولهفته ما كانتا لتظهرا إلا عندما يتدخل الساهر، ليزداد العشق في تلك الليلة، ويتحالف مع المشاعر المكبوتة لدى البعض والمهيأة سلفاً لازدواجية الشعر والألحان الموسيقية الرائعة.
الدبكة العراقية كان لها دور ومساحة لكن على الآلات الموسيقية فقط. ومع «عبرت الشط على موجة» انتفض الجمهور رقصاً وطرباً وتصفيقاً، وأيقظه من رحلة المشاعر العميقة، ليعود ويدخل فيها مع دخول موهبة جديدة من فريق كاظم الساهر في «ذي فويس» كريس جر، حيث أدت أغنية باللغة الإنكليزية ورافقها الساهر غناء وتصفيقاً. واللافت كانت مشاركة الساهر للفرقة الموسيقية في بعض «النقرات» على الطبلة، وتحية شخصية منه لكل عازف يؤدي وصلة إفرادية.
كاظم… نحبك جداً
ساعة ونصف الساعة هو موعد الحفل المقرر. هكذا كان محدداً على البرنامج . لكن الجمهور الذي غادر بعضه المقاعد ليجلس على السلم الطويل ما كان ليترك الساهر بسهولة، فامتدت السهرة ساعة إضافية. وكان صراخ النساء طلباً لأغنية عشق أو «المستبدة» وتصفيق حار وقوي مما دفع الفنان كاظم الساهر إلى الإعتراف بأن الجمهور اللبناني متذوق من الدرجة الأولى لأنه لا يطلب إلا القصائد الصعبة. وعلى رغم تلبيته غالبية القصائد إلا أنه تمنى على الجمهور أن يذهب إلى بيته ليرتاح من دون أن ينسى أن يقدم التحية للفرقة الموسيقية ويثني على التنظيم ويحيي بحرارة الجمهور الذي بقي حتى اللحظات الأخيرة متنبهاً لطلباته. وفي الليلتين كان الساهر العاشق والمعشوق لكل امرأة أتقنت لغة الحب أو استقالت منه. فأعادها إلى تلك المساحة بانحناءة رأسه المتواضعة على المسرح وصوته الذي كان يصدح عالياً ليوقظ الشرايين النائمة ويؤكد أنه قيصر الغناء في كل مكان وزمان.
ساعتان و15 دقيقة من العشق والزهد والثورة، وكان يمكن أن تمتد لأكثر من ذلك وبالحماسة والإنخطاف عينهما. فمع الثنائي كاظم وقباني لا يمكن إلا أن تطلب المزيد، ليس فقط من الحب والعشق، إنما أيضاً من الثورة التي أثبت الساهر أن لها أصولاً وعنواناً خارج الشارع واللون الأحمر. ثورة أعلنها ذات يوم نزار قباني بقصائده فحرك أوتار المرأة على مدى عقود، وغناها الساهر لتكون ثورة عشق أبدية.
كاظم الساهر «نحبك جداً» قالتها إحدى المعجبات قبل أن يودع جمهوره على وعد بلقاء جديد خلال السنة المقبلة، وموعد مع ثورة عشق جديدة.
ج. ن