صحة

أنصتوا بدقة الى استغاثة الرئتين!

الآن موسمه… أنصتوا الى من حولكم وسترنّ في آذانكم على الأرجح استغاثات من يردد بقلق وبلا هوادة: أشعر بألم في الروايا! لا بدّ ان تسمعوا من يضع يده على صدره متمتماً: رئتاي تؤلمانني! فهل الرئة حين تلتهب تؤلم؟ وهل الصقيع الذي يُنفذ هجمات متلاحقة علينا هو سبب الإصابة الأساسي بداء الرئة؟ ما هي بدقة شديدة الأعراض حتى لا نعود نتكهن كلما أصبنا بنوبة سعال أو شعرنا بهبة هواء أو لامست درجة حرارة أجسامنا 38، بأننا دخلنا درك التهابات الرئة؟

لن نغوص طبعاً في ارتكابات آفة التدخين التي تتسبب بنحو ثمانين في المئة من حالات الانسداد الرئوي التي تُصيب الكبار ويُعاني منها بحسب رئيس الجمعية اللبنانية للأمراض الصدرية الدكتور جورج خياط: نحو عشرين في المئة على الأقل من اللبنانيين! فكلنا نعلم ان السيكارة التي تتراقص بين الشفاه بخبثٍ قاتلة لكننا، للأسف، نعلم ونُدخن! اننا ننتقم من أنفسنا ونقتل أجسادنا ونحن نرسم ابتسامة عريضة كاذبة على محيانا!
انسوا السيكارة وتذكروا الثلوج التي كللت كل قمم العالم العربي وأدت الى هبوط غير مسبوق، في مناطق كثيرة، في درجات الحرارة والى تفشي أمراض البرد من سعال وزكام وآلام في الحنجرة وبلغم كثيف. داء الرئة أيضاً انتشر. الرئتان تتأثران جداً بالبرد وأعراض الالتهاب، إذا ضرب، تبدأ غالباً صامتة ما يسمح لنا هذا بأن نسرح في خيالنا ونتكهن الإصابة في أحيان كثيرة أو نتجاهلها في أحيان أخرى! وفي الحالين نرتكب الخطأ!

التشخيص بالأشعة
هل بإمكان الأطباء تحديد الإصابة بالالتهاب الرئوي من دون الاعتماد على الأشعة السينية؟ هل يمكن الاكتفاء بالتالي بالأعراض الظاهرة وبتاريخ المريض الطبي لإعلان المرء مريض التهاب رئوي أم لا؟
يقلبون في الجمعية اللبنانية للأمراض الصدرية بين طيات دراسة أوروبية حديثة جداً تشير الى ان الأبحاث بينت بشكل قاطع ضرورة فحص الصدر بالأشعة لتحديد داء التهاب الرئة. التشخيص النظري الشخصي إذاً يفيد، لا بل هو ضروري، شرط ان يعود ويترافق لمزيد من الدقة مع التصوير الشعاعي السيني، لأن هناك حالات قد تُحير تشخيصياً الأطباء ولا تحسمها إلا الأشعة السينية.

التشخيص البدني وحده إذاً صعب، خصوصاً إذا كان المريض يعاني من أمراض أخرى، ما قد يتسبب باستنتاجات غير محسومة. لكن هذا لا ينفي طبعاً وجوب أن يمسك الطبيب سماعته ويُصغي الى أصداء الرئتين، لئلا نقول استغاثات الرئتين، وسؤال المريض عما يشعر بدقة، ومن تلك الأسئلة على سبيل المثال طبعاً لا الحصر: هل تصاب بنوبات سعال مصحوبة بإفرازات بلغم؟ ما لون البلغم؟ ماذا كانت درجة الحرارة القصوى التي اجتاحتك؟ هل تشعر بقشعريرة متكررة؟ هل تشعر بألم في الصدر؟ هل تتعب بسرعة؟ هل أصابتك في الأيام التي سبقت حالات قيء وغثيان؟ هل تشعر بتشوش ذهني؟ هنا يفترض ألا يغيب عن بال أحد أن خطر التعرض الى الالتهاب الرئوي يزيد عند المدخنين طبعاً (وحدث هنا ولا حرج!) وعند من يعانون من أمراض أخرى تتعلق بالرئتين، وعند الأطفال دون السنة الواحدة أو من تجاوزوا سن الخامسة والستين. من يواجهون ضعفاً في جهاز المناعة ينضمون هم أيضاً الى لائحة من تزيد لديهم امكانات الإصابة، ومثلهم من يتناولون أدوية لتخفيض حموضة المعدة، ومن يبالغون في شرب الكحول أو عانوا للتو من نزلة برد أو يخضعون الى حمية غذائية او يعانون من سوء التغذية.

عوارض
تلك هي الاسئلة التي تُطرح وهذه هي الحالات الأكثر تعرضاً للإصابة لكن ما هي أبرز الأعراض؟
قد يشعر المصاب بضيق في التنفس وبسعال مزمن، مزعج، متكرر ويترافق هذا أحياناً مع خروج بلغم يميل لونه الى الأخضر، كما قد يعاني المريض من فقدان الشهية وخسارة في الوزن. وقد ترتفع درجات الحرارة ويتصبب العرق ويتسارع النبض ويحدث صفير في الصدر. أما في ما يخص الألم وهو ما يخيل الى الكثيرين أنه نذير إما أزمة قلبية أو نوبة رئوية فيبدو أن داء الرئة في حد ذاته لا يؤلم الصدر بقدر ما يُنهك خلال تطوره كل أعضاء الجسم، فيشعر المريض بوهن هائل، لكن قد يكون الألم ناتجاً أحياناً عن ضيق في التنفس ما يجعل المصاب مضطراً الى أخذ نفس متكرر عميق ما يتسبب بشعور بالألم.
في كل حال، وما دمنا نتحدث عن الأعراض نشير الى أن الداء قد يبدأ صامتاً، بلا أعراض، وحين تظهر إشاراته قد تكون الحالة قد تطورت وبات لزاماً دخول المستشفى، وهذا ما حدث بالأمس القريب مع صبية، في الثلاثين، لم تكن تشعر بتوعك ولا بآلام في الصدر ولا في الحلق ولا تعاني من زكام أو سعال أو بلغم، نامت واستيقظت على آلام مبرحة في الرأس وقشعريرة برد شديدة ترافقت مع درجة حرارة لامست الأربعين لم تنفع معها المضادات الحيوية. ووحدها الصور الشعاعية بيّنت وجود التهاب في الحويصلات الرئوية، ما أدى الى صعوبة انتقال الأوكسيجين الى الأوعية الدموية وأعاقت عمل الخلايا بالشكل الملائم.

اربعون سبباً
تتعدد الأسباب والنتيجة تكون غالباً، حين تلتهب الرئة، واحدة: داء الرئة! في كل حال تُصنف أسباب المرض ضمن خانات كثيرة، تتعدى الثلاثين، والبعض يتحدث عن أربعين سبباً أبرزها: الالتهاب البكتيري، الالتهاب الفيروسي، الالتهاب اللانوعي، الالتهاب الفطري والالتهاب الكيميائي، وينضم الى هذه الأنواع الالتهاب الناتج عن السلّ. وتساعد عادة المضادات الحيوية المناسبة، عبر الوريد، على الشفاء من الالتهاب البكتيري أما الالتهاب الفيروسي الذي يشمل نصف حالات التهاب الرئة ويتسبب به عادة التهاب الجهاز التنفسي العلوي فيتماثل المصاب به للشفاء غالباً من تلقاء نفسه. وفي تفسير أدق، حين يكون التهاب الرئة من النوع الجرثومي يظهر المرض في شكل سريع وترتفع الحرارة ويُصبح التنفس صعباً، أما في حالات التهاب الرئة الفيروسي فإن الأعراض تظهر تباعاً ولا تكون في الحدّة التي يبدو فيها الالتهاب الجرثومي.
والسؤال هنا: هل يمكننا أن نقي أنفسنا من داء التهاب الرئة؟
الوقاية تبدأ بالامتناع عن التدخين، ثم بالتغذية الجيدة والنوم الجيد، والرياضة أيضاً تفيد ومثلها طبعاً الابتعاد قدر الإمكان (نُذكر قدر الإمكان) عن التوترات النفسية في زمنٍ مفعمٍ بكل أسباب التوترات… أما إذا لم تنفع الوقاية، أو لم تتم في الأصل، وضرب الداء الإنسان فيفترض عندها تحديد العلاج المناسب بعد تحديد نوع الكائنات الدقيقة المسببة لالتهاب الرئة، أما في حال شعر المريض ان حالته بدأت بالتحسن فعليه ألا يوقف تناول الأدوية بمشيئته لأن هذا قد يتسبب بانتكاسة أشد وفي نشوء جراثيم مقاومة للمضادات الحيوية. نُذكر هنا أن شعور المريض بالتحسن لا يعني أن رئتيه شفيتا تماماً! وبالتالي الحرص في الفترات الأولى يبقى واجباً.

 


لفحات الهواء البسيطة إذاً قد تؤدي الى كوارث رئوية إذا كان الجهاز المناعي ضعيفاً! ونحن، كما تعلمون، في فترات مدّ وجزر مع لفحات الهواء القاسية. والمناعة، كما تعلمون أيضاً، لا نكتسبها فقط من الغذاء الجيد بل أيضاً من الراحة النفسية ومن الهواء النظيف الخالي من الجراثيم… لذا، نعرف أن عملية الوقاية من داء الرئة لن تكون مضمونة مئة في المئة! فيفترض إذاً، والحال هكذا، أن نصغي أكثر الى استغاثات الرئتين كي نقبض على الأعراض باكراً، عملاً بمقولة الشاعر: مشيناها خطى كُتبت علينا!

 

نوال نصر

 

كادر
هكذا يحمي الجسم الرئتين…

ينقسم البلعوم الى منطقتين، منطقة أمامية يمر فيها الأنبوب الهوائي الذي يصل الى الرئتين، ومنطقة خلفية يمر فيها أنبوب ينتهي بالمعدة ونسميه المريء. أما الهواء فيمر عبر أنابيب أصغر تسمى القصبات الهوائية وهي موجودة في الرئتين. وتنتج بطانة تلك القصبات مادة تسمى المخاط تعمل على التقاط الشوائب من الهواء وطرحها عبر المخاط خارج الرئتين. وتنضم عادة الى هذه العملية، عملية حماية الرئتين من الجراثيم والفيروسات التي تتطاير في الهواء بواسطة جهاز الإنسان المناعي الذي يمنعها من العبور الى الرئتين كي لا تصابا بالعدوى، لكن حين تنخفض المناعة يصبح اختراق تلك الجراثيم والفيروسات أسهل فتحدث الإصابة بالتهاب الرئة.  

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق