سياسة عربية

لماذا زار المبعوث الايراني السعودية وما هي الملفات التي حملها معه؟

مهما تعددت التحليلات، وتقاطعت، فإنها تتوقف عند نقطة رئيسية ومفهوم شبه موحد، محوره الرغبة الايرانية في التكيف مع تطورات الاوضاع في المنطقة، وتطوير موقفها «النشاز»، ليكون اكثر قرباً من التوافقات التي شكلت محور التفاهمات الاقليمية والدولية.

فالتحليلات، تتوقف عند قناعة بان ايران باتت مضطرة لتعديل سلوكها بما يتلاءم مع متطلبات المرحلة، خصوصاً مواجهة الاخطار التي بدا انها لا تفرق بين دولة واخرى. وفي مقدمتها اخطار «داعش» التي نجحت في مد نفوذها الى مواقع عدة في المنطقة. واستوجبت تخلي بعض الدول عن موقف رئيسة من اجل تقديم اهتمامها بالخطر الداعشي على ما سواه. ضمن هذا السياق، قام مساعد وزير الخارجية الايراني امير عبد اللهيان بزيارة الى المملكة العربية السعودية، وبحث مع الامير سعود الفيصل جملة من الملفات البارزة، التي تتصدر اهتمامات البلدين، اضافة الى الاهتمامات الاقليمية والدولية.
وبحسب تصريحات لسفير ايران لدى منظمة التعاون الاسلامي، بحث المسؤول الايراني الرفيع مع وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل في جدة التطورات في الإقليم وسبل «مواجهة التطرف والإرهاب».

اجتماع مثمر
وقال السفير رضا حميد دهقاني إن لقاء عبداللهيان مع الأمير سعود الفيصل «كان جيداً جداً ومثمراً ويصب في صالح البلدين والأمة العربية والإسلامية». مضيفاً، «أننا نتباحث مع الاخوة في المملكة العربية السعودية حول العلاقات الثنائية وحول التطورات في المنطقة والمستجدات والتحديات التي نواجهها كالتطرف وأيضاً الهجوم الوحشي الاسرائيلي على الشعب الفلسطيني الأعزل».
وأشار ايضاً الى ان المباحثات تشمل ايضاً «كيفية مواجهة التطرف والارهاب وضرورة اتحاد الدول الاسلامية والشعوب مع بعضها البعض لمواجهة هذه التحديات».
وعما إذا تم تحديد موعد لزيارة وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف إلى المملكة، قال دهقاني هذا أمر مرتبط بالمستقبل معتبراً انه «أمر حتمي».
وتعد هذه الزيارة الاولى التي يقوم بها مسؤول ايراني رفيع المستوى الى السعودية منذ تولي الرئيس الايراني حسن روحاني منصبه في اب (اغسطس) من العام الماضي.
من جهته، صرح عبد اللهيان بانه اجرى محادثات ايجابية وبناءة مع وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل في الرياض في اطار جهود البلدين لمواجهة المتشددين الاسلاميين في العراق.
وقال عبد اللهيان في تصريحات لوكالة انباء «رويترز» عبر الهاتف، ان الاجتماع عقد في أجواء ايجابية وبناءة للغاية.
في الاثناء، أكد عدد من المحللين السعوديين، أن زيارة أمير عبد اللهيان مساعد وزير الخارجية الإيراني للسعودية، تأتي في سياق إعادة تشكيل العلاقات الخارجية لايران في الاقليم، لا سيما في مواجهة الخطر الإرهابي المتمدد في المنطقة، فضلاً عن فشل تجربة إيران في الانفراد بالعراق وحدها، الى جانب تنامي الدور السعودي واستعادة توازنه وبالتالي قدرته على إدارة الكثير من الملفات بشكل مختلف، وهو ما جعل إيران تقدم على هذه الخطوة.

تحولات المنطقة
كما تأتي الزيارة في إطار التحولات الكثيرة التي تشهدها المنطقة، لا سيما بعد ان فشلت في الانفراد بالعراق وعدم قدرتها على توجيه الامور حيث ولًدت سياسات المالكي احتقاناً طائفياً حول العراق من ذراع لإيران إلى خنجر يهدد أمنها.
ويحسب التحليلات تعتبر الزيارة حلقة من لغة جديدة بدأت تتشكل، خصوصاً بعد تزايد تهديدات الجماعات الارهابية في العراق والتي باتت تشكل خطراً على المنطقة بأسرها. وتدعم التحليلات وجهة النظر تلك بانها كانت زيارة تشاورية، وانها جرت بدون صدور بيان ختامي، او أي اعلان رسمي، ما يعني انها تمهد لخطوات اخرى.
وبحسب محللين، يمكن قراءة زيارة عبد اللهيان ضمن مسارين، الاول انها قد تكون بداية لفتح قنوات حوار مع المملكة، لا سيما بعد تعيين السفير الإيراني حسين صادقي الأسبوع الماضي، والذي كان سفيراً لطهران ابان فترة رئاسة محمد خاتمي، بحيث يمكن ان تكون الزيارة لبحث نقاط الاختلاف ووضعها على الطاولة، بعد جدولتها طبقاً لاهميتها. اما المسار الثاني فيتمثل باضطرار ايران الى طمأنة الجانب السعودي ازاء موقفها بخصوص بعض التطورات، ومنها – على سبيل المثال – تطورات الساحة اليمنية، وما يشاع عن تنامي النفوذ الايراني في المنطقة.
الا ان الزيارة، وبكل مجالات التقويم، تمهد لزيارة من المنتظر ان يقوم بها وزير الخارجية الايراني الى المملكة قريباً. وبحيث يتم التوافق على اجندة للبحث بين الوزيرين السعودي والايراني. والتي قد تسبقها زيارات لمسؤولين من مستويات متعددة وبهدف انضاج جدول الاعمال، وحصر القضايا مدار البحث بحيث تبدأ بالملفات الاقل «خلافية»، ومن ثم الاعلى. وبحيث يكون الملف العراقي في مقدمة الاهتمامات، التي تتركز على الوضع في العراق وتهديدات الدولة الاسلامية.

تشاؤم
في الاثناء، وعلى الرغم من تلك التصورات، فقد بدا واضحاً ارتفاع منسوب التشاؤم، ليس من الزيارة فقط، وانما من مجمل الظروف وبالتالي من النتائج المتوقعة.
مبررات التشاؤم، التراكمات الكبيرة من انعدام الثقة بين الجانبين. وعدم وجود اية تغيرات على الارض من شأنها ان تعزز الاعتقاد بان طهران عازمة على تغيير سلوكها ايجابياً.
يذكر ان ايران، وعلى مختلف مستوياتها السياسية اعربت اكثر من مرة عن رغبتها في اظهار حسن النوايا تجاه السعودية. غير ان متابعين يؤكدون انها لم تقرن بين تلك الرغبات في المجالين النظري والعملي. حيث تركزت ممارساتها على ما يمكن ان يدفع نحو التشكيك بتلك النوايا.
زاد من حدة المشكلة، التطورات التي رافقت واعقبت توقيع الاتفاق النووي بين ايران والولايات المتحدة، والذي شكل مفاجأة لكل المعنيين ببعض تفاصيل هذا الملف.
كل ذلك، دفع بالسعودية الى التزام الصمت امام الرسائل الايرانية التي تحدثت عن رغبات بزيارة السعودية لمسؤولين متعددي المستويات. ومن بينهم وزير الخارجية. كما اعربت ايران ضمناً عن رغبتها بتنظيم زيارة للرئيس الجديد حسن روحاني الى السعودية. وجاء الرد السعودي متحفظاً على خلفيات التسارع في الانفتاح الأميركي الغربي على إيران، الذي افتتحته المكالمة الهاتفية الشهيرة بين الرئيس الاميركي باراك أوباما ونظيره الإيراني حسن روحاني.
إلا أن الأمور صارت أوضح في عيون القيادة السعودية، بعد زيارة أوباما الأخيرة إلى الرياض، ولقائه الملك السعودي عبدالله بن عبد العزيز، وتأكيده ان ليس ثمة ما يقف حجر عثرة أمام تعزيز التحالف القديم والوطيد بين واشنطن والرياض.

قبول سعودي
ومع ارتفاع وتيرة الشك، وانعدام الثقة بالجانب الايراني، الا ان المتابعين يتوقفون عند تطور يمكن البناء عليه في مجال «عدم الممانعة السعودية» في بحث امكانية تطوير علاقاتها مع طهران. وعبرت عن هذه القناعة تصريحات وزير الخارجية السعودي، الامير سعود الفيصل قبل ايام، حيث أكد أن المملكة وجهت دعوة لظريف لزيارتها، وأن الرياض على استعداد للتفاوض مع طهران. وقال الفيصل، خلال مؤتمر صحافي على هامش منتدى التعاون بين العالم العربي وآسيا الوسطى: «نرغب في استقبال وزير الخارجية الإيراني، فإيران جارة، لدينا علاقات معها، وسنجري مفاوضات معها».
وتابع: «سنتحدث معهم، فإذا كان هناك خلافات نأمل تسويتها بما يرضي البلدين، كما نأمل أن تكون إيران ضمن الجهود المبذولة لجعل المنطقة آمنة ومزدهرة، وأن لا تكون جزءاً من مشكلة انعدام الامن في المنطقة»، مشيراً إلى التعبير عن الرغبة في اعادة الاتصالات بين البلدين، عبر عنها الرئيس الايراني ووزير خارجيته.
وأردف الفيصل قائلاً: «أرسلنا دعوة لوزير الخارجية الإيراني لزيارة السعودية، لكن العزم على القيام بالزيارة لم يتحول إلى واقع بعد، وسنستقبله في أي وقت يراه مناسباً».
لكنه في الوقت نفسه وجه «كلاماً موارباً» إلى إيران، حيث المح الى «أن التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى يزيد من تفشي ظاهرة الإرهاب، التي تعود بالضرر على الجميع، ما يتطلب تعاون الجميع للتصدي له، والكف عن التدخل في شؤون الدول الداخلية».
في المقابل، وازاء كل التفاؤل بتطبيع سعودي-إيراني وشيك، تشكك مصادر دبلوماسية غربية في احاديث صحفية نشرتها وسائل اعلام مختلفة، بجدية التواصل الايجابي بين البلدين. ارضية التشكيك أن الرياض ما زالت غير واثقة من جدية إيران في حل المشاكل العالقة، وفي مقدمتها الملف السوري، حيث تواصل ايران التدخل المباشر لصالح نظام الرئيس بشار الاسد. بينما تقف السعودية في صف دعم المعارضة.
غير أنّ دعوة الفيصل لوزير الخارجية الإيراني لزيارة السعودية ليست سوى خطوة استباقية، تقطع الطريق على الأميركيين، الذين دأبت إيران بعد تقاربها الأخير معهم على اختلاق أجواء مفادها أن إيران منفتحة على الجميع، لكن انفتاحها يواجه مواقف خليجية متصلبة.

الرياض – «الاسبوع العربي»

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق