سياسة لبنانية

جريج:تصريح بو صعب بفشل الحكومة اعتراف بالذنب ومن يشل مجلس الوزراء هو من يعطل انتخاب الرئيس

لفت وزير الاعلام رمزي جريج في حديث خاص الى «الوكالة الوطنية للاعلام» الى «أن الدور الذي يقوم به كناطق باسم الحكومة بعد انتهاء جلسات مجلس الوزراء والذي يقتصر على تلاوة مقررات مجلس الوزراء، ليس من شأنه أن يشفي غليلي أو أن يجعلني مرتاحاً لأداء مجلس الوزراء. فعمل المجلس كهيئة دستورية متعثر بسبب التناقضات القائمة بين مكوناته الأساسية والتي تعكس الانقسام السياسي العميق بين الأطراف المتصارعة على الحكم. وما اللجوء إلى هيئة الحوار إلا دليل دامغ على عجز الحكومة عن التصدي لتلك المشاكل».
وأشار الى ان رئيس الحكومة تمام سلام «كان يعتقد أن مجلس الوزراء ليس المكان الصالح لحل الخلافات السياسية، وانما في مقدوره تسيير شؤون البلد العادية وفرض الأمن ومعالجة القضايا الحياتية التي تهم الناس والتصدي للأمور الإقتصادية والإدارية، التي تكفل استمرار الدولة في القيام بواجباتها الأساسية. غير أن الحكومة، حتى على هذا الصعيد، لم تحقق النجاح المطلوب. فإذا استثنينا الموضوع الأمني، حيث ننعم باستقرار مقبول مقارنة بما يحصل في المنطقة وذلك بفضل الجيش والقوى الأمنية، بإشراف رئيس الحكومة ووزيري الدفاع والداخلية، نرى أن الأمور الحياتية والشؤون الإدارية لم تعالج بصورة مجدية. ولعل أزمة النفايات وما رافقها من مناقصات ومشاريع ترحيل وخطة معتمدة أخيراً لا تأخذ في الاعتبار المتطلبات البيئية، هي المثل الصارخ عن عجز الحكومة عن ايجاد الحلول المرضية».

عدم وقف مناقصتي الميكانيك والمطار خطر
أضاف: «أما بالنسبة الى عمل بعض الوزارات، فهناك تساؤلات كثيرة يطرحها الرأي العام وأدت مؤخراً إلى اعتراضات وتحركات من قبل هيئات المجتمع المدني كتلزيم المواقف في المطار والمناقصة المتعلقة بمراكز المعاينة الميكانيكية. ففي ما يتعلق بهذين الملفين، وبقطع النظر عن المخالفات التي أثيرت حولهما، يهمني الملاحظة أن الوزارة المعنية بملف مناقصة المواقف في المطار لم تتقيد بقرار وقف تنفيذ المناقصة الذي أصدره رئيس مجلس شورى الدولة. وهذا الأمر هو في منتهى الخطورة، لأن أول مرتكزات دولة القانون، هو وجوب احترام القرارات القضائية الملزمة. ولا جدوى من وجود مجلس شورى لمراقبة عمل الإدارة إذا كانت هذه الأخيرة ترفض الإنصياع لقراراته».
وفي ما يتعلق بملف المعاينة الميكانيكية، رأى أن «تغييب الجهاز الرقابي الأهم في الدولة وهو هيئة التفتيش الإداري قد أدى إلى تفلت الإدارة المعنية من أي رقابة فعلية وإلى طرح بعض التساؤلات حول هذا الموضوع».
وقال: «في ملف الاتصالات فإننا نشاهد، كلما جرى التطرق اليه، مبارزة «بترونية»، أقرب الى تصفية الحسابات منها الى النقاش الايجابي والموضوعي».
وتابع: «الحقيقة أن تعثر عمل الحكومة يعود إلى الآلية المعتمدة منذ الشغور الرئاسي والمخالفة للمادة 65 من الدستور. فعندما تنتقل صلاحيات رئيس الجمهورية إلى مجلس الوزراء بسبب الشغور الرئاسي، فإنما تنتقل إليه، وفقاً لصراحة النص، كهيئة دستورية ولا تنتقل إلى الوزراء كأشخاص طبيعيين. وعلى هذه الهيئة أن تمارس تلك الصلاحيات وفقاً لنظام عملها، أي التوافقي، وإذا تعذر ذلك فبالتصويت بأكثرية الحضور في المواضيع العادية أو بثلثي أعضاء الحكومة في المواضيع الأساسية المحددة حصرا في الدستور».

التضامن الحكومي لم يعد له أي معنى
وأوضح أن «الآلية المعتمدة الآن تتيح لمكونين في الحكومة تعطيل أي قرار في مجلس الوزراء يعترضان عليه، مما يعني أن أربعة وزراء يستطيعون شل مجلس الوزراء ومنعه من اتخاذ أي قرار في مواضيع عادية بسيطة. وهذا الأمر أدى ويؤدي إما إلى التعطيل عند اختلاف المصالح بين المكونات الأساسية في الحكومة أو إلى مقايضات ومساومات عملاً بقاعدة «مرقلي تمرقلك»، عند تطابق المصالح بينها. ولعله من باب الاعتراف بالذنب أن يصرح الوزير الياس بو صعب منذ يومين أن الحكومة فاشلة ولا تنجح في معالجة المواضيع التي تتناولها بسبب ارتباط أعضائها بقوى سياسية خارجة عنها. فهذا التصريح، إذا دل على شيء، فإنما يدل على أن هذه الحكومة ليست فريق عمل ينفذ البرنامج الذي نال الثقة بالإستناد إليه، وإنما هي مجموعة أضداد، وإن مبدأ التضامن الحكومي لم يعد له أي معنى لدى معظم أعضائها. وإن هذا التصريح وما شابهه من تصاريح يدلي بها بعض الوزراء تذكرني بقول للوزير الفرنسي السابق جان بيار شفينمان: «الوزير إما أن يصمت واما أن يستقيل».
وقال: «ليس من باب الصدفة أن يكون الفريق الذي يستطيع شل مجلس الوزراء هو الفريق نفسه الذي يعطل انتخاب رئيس جمهورية بعدم حضوره جلسات مجلس النواب المدعوة لإنتخاب الرئيس. لقد استطاع هذا الفريق، الذي لم يمنح الثلث المعطل عند تأليف الحكومة، ان يستحصل عليه بصورة غير مباشرة بفضل الآلية غير الدستورية المعتمدة للتصويت في مجلس الوزراء».
ورداً على سؤال عما اذا كان فكر بالاستقالة والجدوى من بقائه في الحكومة، قال: «سألت نفسي اكثر من مرة: ماذا أفعل أو ماذا يفعل وزير مستقل مثلي في هذه الحكومة، طالما أنه لا يمكن أن يؤثر في اتخاذ قرار مناسب أو أن يحول بصوته دون اتخاذ قرار سيء. لذلك فكرت احياناً بالإستقالة وخصوصاً عندما قرر حزب الكتائب الخروج من الحكومة باعتبار أنني تفهمت جيداً الأسباب التي بررت خروجه منها، غير أن ما منعني ويمنعني عن اتخاذ مثل هذه الخطوة هو اقتناعي بأن وجود الحكومة، بكامل صلاحياتها، أمر ضروري في ظل الشغور الرئاسي. فالوكالة الممنوحة لمجلس الوزراء عند خلو سدة الرئاسة لا تجيز للوكيل، سياسياً ودستورياً، وضع حد لها بالاستقالة، لأن ذلك يؤدي إلى اطاحة آخر معقل للسلطة الشرعية، فيحل محلها الفراغ الكامل في كل المؤسسات، وتنهار آخر معالم الشرعية، الامر الذي يضر بالوطن سواء في الداخل أم تجاه المجتمع الدولي. ان الشغور الرئاسي وما رافقه من شل لعمل مجلس النواب يجعل من الحكومة آخر حصن للشرعية ويفرض بقاءها لغاية انتخاب رئيس للجمهورية».
أضاف: «فضلاً عن ذلك، إن شغور منصب رئيس الجمهورية يحول دون امكان صدور مرسوم قبول الإستقالة. وهذا ما حصل في ما يتعلق باستقالة كل من الوزيرين أشرف ريفي وآلان حكيم. وإذا كنت قد اخترت البقاء في الحكومة تلبية لما أعتبره واجباً وطنياً، فإني أحاول مع بعض الزملاء دعم مواقف الرئيس تمام سلام، عنوان التجرد والحكمة، والذي يتحلى بالصبر الطويل ويغلب المصلحة الوطنية العليا على أي مصلحة شخصية، ولسان حالي بهذا الشأن قول الشاعر:
«مشيناها خطى كتبت علينا، ومن كتبت عليه خطى مشاها».

تقويم عمله الوزاري
وعن تقويمه لعمله في وزارة الإعلام والإنجازات التي تحققت خلال توليه مهامه فيها، قال: «ليس لدي ميل إلى تضخيم ما أقوم به، إذ أراني دائماً مقصراً عما أطمح إلى تحقيقه. فإذا أردت أن أقدم كشف حساب مختصراً عما تم انجازه في وزارة الإعلام يمكنني قول ما يأتي: لقد حاولت تفعيل وتطوير عمل مختلف وحدات الوزارة بمعاونة المسؤولين فيها وعلى رأسهم المدير العام للوزارة، فالوكالة الوطنية للإعلام تقوم عبر مندوبيها في كل مناطق لبنان وفي الخارج بنشاط كبير، يعترف به الجميع. وهي اليوم المصدر الرئيسي للأخبار التي تزود بها كل وسائل الإعلام. وقد تم فتح مكاتب جديدة للوكالة في لبنان والخارج. أما اذاعة لبنان، فقد حققت نقلة نوعية، إذ باتت تغطي الجزء الأكبر من الأراضي اللبنانية وأعادت النظر ببرامجها، التي تلاقي استحساناً كبيراً لدى المستمعين. كذلك فإن مركز المنشورات والدراسات يقوم بنشاط واسع على الصعيد الأكاديمي. ولسوف أكلفه، بالإتفاق مع المجلس الوطني للاعلام، برصد دائم لأداء محطات التلفزيون والإذاعات بغية التحقق من التزامها بالموجبات المترتبة عليها بمقتضى القانون افساحاً للمجال لمساءلتها في حال مخالفتها لتلك الموجبات».
أضاف: «يبقى تلفزيون لبنان، الذي استحوذ على كامل اهتمامي، فرفعت تقريراً إلى مجلس الوزراء بصدده، وحاولت وأحاول تعيين مجلس إدارة جديد له يحل محل الإدارة الموقتة الحالية ويقوم بوضع استراتيجية واضحة للأهداف التي يجب أن يسعى إليها. غير أن تضارب المصالح في مجلس الوزراء حالت لغاية تاريخه دون تعيين هذا المجلس. لكنني لن أستسلم وسأواصل جهدي من أجل تعيين رئيس وأعضاء مجلس إدارة جديد ينهض بتلفزيون لبنان، مع الإشارة إلى أن تلفزيون لبنان أحرز، حتى في ظل الإدارة المؤقتة الحالية، تقدماً ملموساً، لا سيما على صعيد نشرة الأخبار وبعض البرامج السياسية».
وقال: «إلى جانب ذلك وإزاء الأزمة التي تعاني منها الصحافة الورقية، وضعت مشروعاً رفعته إلى مجلس الوزراء بغية مساعدة تلك الصحافة على تجاوز الأزمة المالية التي تعاني منها. ولقد لاقى هذا المشروع تجاوباً لدى المرجعيات التي اتصلت بها من أجل هذا الغرض ولا سيما لدى الرئيس نبيه بري الذي يعتبر أن الصحافة الورقية هي واجهة لبنان الحضارية وأنه لا بد من دعمها لتستمر في تأدية رسالتها، وإنني متفائل بالتوصل إلى حلول عملية تؤدي إلى الحفاظ على تراثنا الصحافي العريق. كذلك شاركت في لجنة الإعلام والإتصالات بوضع اللمسات الأخيرة على مشروع قانون جديد للاعلام يتميز بشموليته إذ يرعى جميع وسائل الإعلام بما فيها المواقع الإلكترونية، ويكرس مبدأ الحرية الإعلامية، التي نحرص عليها كل الحرص، باعتبار أنه معترف بها في الدستور اللبناني وأنها تشكل احدى ميزات النظام اللبناني. وحسبي في هذا المجال أنني لم اقدم منذ تولي مهامي في وزارة الإعلام على اية ملاحقة بحق أي وسيلة اعلامية أو إعلامي، مفضلاً «الفوضى الإعلامية» التي أشكو منها أحياناً على التعرض للحرية الإعلامية التي ننعم بها في لبنان».
وختم: «إذا كنت قد قصرت بشيء فعذراً على التقصير، وإذا كنت قد نجحت في بعض الأشياء فالحمدلله على ذلك»”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق