رئيسيسياسة عربية

القاعدة في لبنان: حراك ام جهاد؟

تتباين التقديرات المحلية والدولية في مدى قدرة تحرك تنظيم «القاعدة» في لبنان، مع توسع الحرب في سوريا التي باتت تحوي اكثر من 30 الف عنصر ينتمون الى هذا التنظيم، وفق احدث الدراسات الاسرائيلية.

يتدفق سيل التحليلات الامنية والاستخبارية مع كل حدث امني يعصف بلبنان، وآخره التفجير الذي حصل في الرويس، في الضاحية الجنوبية لبيروت. بعضها يحذر من ان لبنان بات ساحة جهادية فعلية للتنظيم، وبعضها الآخر يقلل من جدية هذا التحذير.
وسبق لاحدى وثائق ويكيليكس المؤرخة في  12 أيار (مايو) 2008، ان تحدثت عن تحذير أميركي للرعايا في لبنان إثر أحداث 7 أيار (مايو) 2008، يتضمن إشارة واضحة إلى خطر «القاعدة».
تشير الوثيقة إلى ان «التحذير من السفر يحدِّث المعلومات حول التهديدات الأمنية والعنف السياسي المستمر في لبنان، ويُعلِم المواطنين الأميركيين عن المخاوف الراهنة في شأن الأمن والسلامة. وتحض وزارة الخارجية على تفادي الأميركيين أي سفر إلى لبنان وتدعو المواطنين الأميركيين في لبنان إلى ان يفكروا بدقة في مخاطر البقاء، وأن مجموعات مثل القاعدة وجند الشام موجودة في البلاد، وقد أصدرت في الماضي بيانات تدعو إلى شن هجمات ضد المصالح الغربية».
قبل ايام من تفجير الرويس، ابدت سفيرة الولايات المتحدة الاميركية مورا كونيللي قلقها من تنظيم «القاعدة» و«جبهة النصرة» في لبنان، الا انها شددت على ان بلادها على تنسيق جيد مع القوى الأمنية اللبنانية.
ويذكر احد المنتدات الالكترونية السلفية ان «تنظيم القاعدة بأرض الشام (سوريا ولبنان وفلسطين) موجود منذ سنوات، وقد اعلن عن نفسه، لكنه لا ينخدع بمسرحيات المجوس والمنافقين. تنظيم القاعدة بارض الشام يتحرك برؤية شمولية لواقع الامة وبالتنسيق مع باقي تنظيمات القاعدة. تنظيم القاعدة بأرض الشام هو الذي يحدد ساحة النزال، ويحدد كيفية النزال، ويحدد ساعة النزال، هذا وقد جاء وقت القتال».

قلق اسرائيلي
تتابع تل ابيب بقلق توسع الحضور القاعدي في سوريا ولبنان وسيناء المصرية. ويشير تقرير اسرائيلي الى انه «قبل بضعة اسابيع زار رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية، اللواء أفيف كوخافي، واشنطن، وشارك مسؤولين كباراً في ادارة اوباما في عدد من الآراء تتعلق بالحرب الأهلية في سوريا. وتتحدث التقديرات الاسرائيلية عن اجتماع 25 الى 30 ألف مجاهد في سوريا، وهم يأتون من العالم كله ويوجد بينهم استراليون وفرنسيون وكروات ومن اميركا اللاتينية. ومن بين المنظمات الجهادية الست أو السبع أخطرها هي جبهة النُصرة، وهي فرع من القاعدة أنبت في الآونة الاخيرة جذوراً في سيناء ايضاً وفي لبنان».
ويشير التقرير الى ان اسرائيل «حذرت الاميركيين من اجتماع المجاهدين في سوريا وسيناء قبل عام ونصف العام، واختار الاميركيون التنحي جانباً. في اسرائيل ينظرون الى المستقبل في قلق. والتقدير هو أنه اذا ظل الغرب يتجاهل في واقع الامر التطورات في سوريا فسيوجد هناك في غضون سنة  100 ألف مجاهد وهذه قاعدة ضخمة للجهاد العالمي بالقرب من بيتنا. وهذا بالنسبة الى اسرائيل مشهد قاسٍ، لكنه قاسٍ وخطر بالنسبة الى الاميركيين ايضاً».

 توسع تدريجي نحو لبنان
في موازاة ذلك، يتحدث تقرير استخباري غربي عن توسع تدريجي لانتشار القاعدة في لبنان، من ضمن استراتيجية توسعها في المنطقة. فيشير بداية الى فرار اكثر من 500 من اعضائها من سجنين في العراق (ابو غريب والتاجي) في تموز (يوليو) الفائت، بالتزامن مع اشهار نية التنظيم سياسة العودة الى الانتقام». ويلفت الى ان «فرع تنظيم القاعدة في العراق هو أيضاً قوة محركة لنجاح الجهادية في سوريا. وقد اثارت عودة ظهور تنظيم القاعدة في العراق الحديث عن انعكاسات مرجحة ومماثلة في افغانستان، بمعنى اعادة تنشيط القاعدة في باكستان، كرد فعل طبيعي ناتج عن قرار سحب قوات حلف شمال الاطلسي من افغانستان.
يقول التقرير: «تم تشكيل تنظيم القاعدة في العراق، أو دولة العراق الإسلامية وبلاد الشام، كما يدعى رسمياً، من قبل الاردني أبو مصعب الزرقاوي في أعقاب الغزو الأميركي للعراق في العام 2003. والزرقاوي كان يعمل مع أسامة بن لادن في أفغانستان قبل هجمات الحادي عشر من ايلول (سبتمبر) 2001، وبنى العديد من الشبكات والعلاقات في العراق في الاشهر التي سبقت الحرب. وفي غضون أشهر من الغزو، بدأت عصاباته في قتل القوات الأميركية والشيعة العراقيين، واخذت البلاد في اتجاه حرب اهلية. وأصبح بن لادن أميراً لتنظيم القاعدة مطلق الصلاحيات في المنطقة التي تضم العراق وسوريا والأردن ولبنان، وحتى تركيا».
يضيف: «تم اصطياد الزرقاوي على يد القوات الأميركية في عملية مميزة قادها الجنرال ستانلي ماكريستال في العام 2006. وقتل خليفته بعد ذلك بعام. لكن، كما قال ماكريستال علناً، كان الأوان قد فات. فمع قتل الزرقاوي، كانت القاعدة قد أصبحت متأصلة في المجتمع العربي السني العراقي. وعلى رغم ان القوات الاميركية قمعتها بقسوة، لكنها لم تتمكن من هزم التنظيم الذي بدأ تجديد هيكليته واعماله حالما غادرت القوات الأميركية العراق. زعيمه في الوقت الراهن يدعى أبو بكر البغدادي».
ويلفت الى ان «التنظيم تحرك نحو سوريا بالتزامن مع عمله في العراق، حيث تم استيلاد فرعه السوري، على يد احد رجال الزرقاوي وموثوقيه، محمد جولاني الذي أنشأ جبهة النصرة في العام 2011. وبحلول منتصف العام 2012 أصبحت الجبهة واحدة من المجموعات الأكثر فاعلية في حركة المعارضة السورية لنظام الرئيس بشار الأسد. وحصلت على دعم كبير بالمال والسلاح، والرجال من الجبهة العراقية. ويهدف تنظيم القاعدة في سوريا في الوقت الراهن الى الحصول على مئات من المقاتلين المتطوعين من مختلف أنحاء العالم الإسلامي، للانضمام إلى عمليات القتال. وعلى سبيل المثال، تقول مصادر هولندية ان أكثر من 100 هولندي ذهبوا بالفعل الى سوريا. في باكستان، تقول جماعة «طالبان» انها ترسل مقاتلين للانضمام إلى المعركة في سو
ريا ودعم تنظيم “القاعدة”. وأصبحت سوريا كما قبلها أفغانستان والبوسنة والعراق، بؤرة للجهاد العالمي، تستقبل المقاتلين من أوروبا الغربية إلى جنوب شرق آسيا، حالها حال العراق منذ عشرة اعوام».

 من طرابلس الى بيروت
ويتحدث التقرير الاستخباري عن ان «تنظيم القاعدة بدأ أيضاً بسط نفوذه في لبنان، من طرابلس الى عكار، ومن صيدا إلى قلب بيروت، حيث اعلام السلفية الجهادية واللافتات التي ترصد بأعداد متزايدة. وادى دعم حزب الله لنظام الأسد الى خلق رد فعل – كان يمكن التنبؤ به – لدعم تنظيم «القاعدة» وغيره من الجماعات المتطرفة في لبنان».
ويشير الى ان «تجديد هيكلية تنظيم القاعدة في العراق، وانتشاره إلى سوريا ولبنان ادى الى استنتاج دروس مهمة للتعامل معه في جنوب آسيا. اذ ان الادارة الاميركية حققت في الاعوام الخمسة الفائتة مكاسب كبيرة في تعطيل وتفكيك القيادة الأساسية لتنظيم القاعدة في باكستان».
وكانت تقارير اعلامية قد اشارت الى أن «جبهة النصرة» في لبنان قد ولدت، وأميرها هو محمد الريش، شقيق سامر عبد الرحيم الريش، القيادي في تنظيم جند الشام الذي قتل في قلعة الحصن، خلال المعارك في حمص، وان الريش جمع مناصرين لشقيقه الذي قتل في سوريا، ووعدهم بمدهم بكل أصناف الدعم تحضيراً لمواجهة الإستحقاقات المقبلة، بما فيها إمكان وقوع صدامات مع عناصر الجيش اللبناني، وان الريش يركز نشاطه الميداني في باب التبانة، ويقيم في منطقة الضم والفرز في المدينة.
وتحدثت عن «وجود قوى تابعة لتنظيم «القاعدة» و«النصرة»، أهمها قوة عرسال، التي كان قادها خالد حميّد قبل أن تقتله مخابرات الجيش اللبناني. قائدها الحالي مجهول الهوية، وتضمّ مسلحين لبنانيين وسوريين. ومن بعدها قوة طرابلس، التي يرأسها السوري ياسر اللبابيدي، وقوامها 600 عنصر لبناني وفلسطيني. ثم قوة عين الحلوة، وتضمّ نحو 250 مقاتلاً، بقيادة الفلسطيني أسامة الشهابي الذي يضم فلسطينيين من مخيم اليرموك إلى خلايا جند الشام المنتشرة في مخيمات برج البراجنة ومار الياس والبداوي. وقوة عكار التي تتركز في حلبا، القويطع، أكروم حيث ينشط نحو 300 عنصر من النصرة، لبنانيين وسوريين، برئاسة «أبو ثائر».

حراك قاصر
ينفي الخبير في شؤون الجماعات الجهادية، الداعية عمر بكري بشدة «وجود جبهة النصرة التي اعتز بها في لبنان وأن كل ما يتردد في هذا الشأن هو حصيلة تعاون مشترك بين شبيحة النظام السوري وبعض الجهات الأمنية اللبنانية بهدف ضرب الشباب السني والتهويل عليه والتضييق على الدعاة». يضيف: «لم يسمع أن شاباً يحمل إسم محمد الريش عين أميراً لجبهة النصرة لأن الأخيرة صاحبة مشروع إنطلق من سوريا ولديها الجرأة الأدبية والشجاعة الكافية للإعلان عن نشاطها في لبنان، وأعلنت الجبهة عن دولة العراق والشام ولها هيكلها التنظيمي وبرنامجها الواضح».
ويستبعد مراقبون تغلغل القاعدة في لبنان بالشكل الذي يجري تصويره، تأسيساً على مجموعة عوامل، اهمها:
أ- النشاط الاستخباري – الامني الدولي الناشط في لبنان، حيث تتركز فروع لاستخبارات أجنبية متعددة، غربية وشرقية وعربية، معظمها يهتم برصد اي تحرك قاعدي انطلاقاً من خطورته على رعاياه في لبنان، وعلى امكان تصديره نحو عواصم محيطة بلبنان ومنها الى اوروبا، كما خطورته على القوة الدولية المعززة في الجنوب (اليونيفيل).
ب- غياب بيئة حاضنة وازنة للتنظيم، مع ابتعاد الغالبية السنية عن افكاره وتوجهاته الجهادية – القتالية، مما يعرضه باستمرار الى الانكشاف الامني.
ويرى المراقبون ان حراك تنظيم القاعدة في لبنان «قاصر عن ان يكون فاعلاً او ناشطاً بالمعنى الميداني، ويقتصر على دعم سياسي – اعلامي – لوجستي.

طلال عساف

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق