سياسة لبنانية

عين الحلوة: سيطرة الإسلاميين تقوى… ونفوذ فتح يتهاوى

اتجهت الأنظار مجدداً الى مخيم عين الحلوة الذي شهد توتراً امتد الى خارج أبوابه، إثر اغتيال مسؤول عسكري بارز في حركة «فتح» فتحي زيدان، وهو آتٍ من مخيم المية ومية بعد حضوره اجتماعاً أمنياً في المخيم، حيث طلب المزيد من الإجراءات الأمنية فيه. وأشارت معلومات الى أن العبوة زرعت في السيارة في مخيم المية ومية وكان مقدرا تفجيرها على مدخل عين الحلوة، إما بحاجز الجيش اللبناني أو بحاجز الأمن الوطني الفلسطيني، وكلاهما على مدخل المخيم الجنوبي.
وحول هذا الاغتيال الذي أعاد الى الأذهان اغتيال اللواء الفتحاوي كمال مدحت عام 2009 وهو خارج أيضاً من المية ومية بعبوة استهدفت سيارته، سجلت المعلومات والاستنتاجات الاتية:
– زيدان الملقب بـ «أحمد أبو الزورو» هو رجل معتدل ومتزن وصاحب سجل نظيف لدى الأجهزة الأمنية اللبنانية، وكان متعاوناً مع مخابرات الجيش في الجنوب، وليس معروفاً عنه أنه متورط بعداوات شخصية في المية ومية أو خارجه، ما يعزز الاعتقاد بأن المقصود من استهدافه ليس اغتيال شخصه وحسب، وإنما إيصال رسالة عبره الى حركة «فتح» في إطار حساب مفتوح بين الحركة وخصومها.
– مصادر أمنية رجحت فرضية أن تكون جهة فلسطينية سلفية متشددة هي التي تقف وراء الاغتيال عبر اختراق أمني من داخل المخيم، والشبهات تدور حول مجموعة محددة معروفة بتطرفها وتناغمها مع «جبهة النصرة».
– أمام تزايد الحوادث الأمنية وعمليات الاغتيال في مخيم عين الحلوة، تبدو القوة الأمنية المشتركة (بقيادة منير المقدح) أمام اختبار صعب وسط مآخذ متصاعدة على «أدائها الرخو» من قبل الأجهزة الرسمية اللبنانية التي ترصد بدقة ما يجري في داخل المخيمات، علماً أن الكلفة الشهرية لعمل هذه القوة تتجاوز الـ 200 ألف دولار. (علم أن مدير مخابرات الجيش في الجنوب العميد خضر حمود كان قد اجتمع الى مسؤولي الفصائل الفلسطينية ومن بينهم زيدان، طالباً منهم الإيعاز الى القوة الأمنية المشتركة التشدد في تدابيرها واستخدام الحزم في مواجهة أي خلل).
– الاغتيال كانت سبقته معلومات عن كشف مخطط إرهابي لاستهداف دبلوماسيين فلسطينيين في بيروت من قبل خلية أمنية تابعة لـ «داعش» تعمل داخل عين الحلوة، عملت على رصد السفارة وإجراءاتها الأمنية، وجمع معلومات دقيقة عن تحركات وتنقلات مسؤوليها، بهدف إيقاع فتنة ما بين قوى فلسطينية متباينة التوجهات السياسية، استكمالا للمخطط الذي تشهده أرض مخيم عين الحلوة، حيث أدرجت مصادر مطلعة استهداف زيدان تحت هذا العنوان، على وقع تسريبات عن انتقال 17 فلسطينياً الى تركيا عبر مطار بيروت ومنها الى الرقة للالتحاق بـ «داعش».
– الاغتيال كانت سبقته أيضاً جولة قتال في مخيم عين الحلوة أظهرت الوقائع الاتية:
– أن «داعش» باتت تخرق المخيم من خلال مجموعات فلسطينية وسورية دخلت إليه من سوريا وأخرى كانت مقيمة فيه، وهي تزداد نفوذاً من خلال محاولاتها استيعاب مجموعات جديدة في أحياء جديدة، علماً أن الإسلاميين يتحصنون أساساً في حي الصفصاف، معقل «الشباب المسلم».
– أن «عصبة الأنصار» وجماعات سلفية أخرى تتدخل عادة لدى بلال بدر، مسؤول «الشباب المسلم»، عند وقوع أي اشتباك، بدت أخيراً متعثّرة، نتيجة التعقيدات التي يثيرها دخول «داعش» في اللعبة.
– أن المزاج الإسلامي ظهر أكثر قوة في المخيم بسبب قيام المجموعات الوافدة من الخارج بدفع مبالغ من المال إلى بعض الشباب ليحظى بالولاء له. وهذه الطريقة تعتمدها «داعش» أيضاً في جرود عرسال لاجتذاب عناصر «النصرة».
– انقسام «فتح» إلى جناحين، يتقاربان ويتعاونان وفقاً للمصالح ومقتضيات تدعيم النفوذ في عين الحلوة وداخل السلطة الفلسطينية في رام الله.
ويعترف أحد الكوادر الفلسطينية بأن اللجنة الأمنية المشتركة قاربت حدّ العجز عن ضمان الأمن، لأن مسلّحي الجماعات الإسلامية بات عددهم يناهز عدد عناصر اللجنة الأمنية (نحو 350 رجلاً). فهل تحزم القوى الفلسطينية أمرها وتسارع إلى الحسم، إما بواسطة القوة الأمنية المشتركة، وإما بدعوة الجيش اللبناني إلى أخذ زمام المبادرة في المخيم الذي وضع في مأزق وبين نموذجين: نموذج البارد حيث كانت نسخة سابقة من «داعش»، هي «فتح – الإسلام»، أوقعته في مأزق. ونموذج اليرموك الواقع تحت هيمنة النسخة الحالية من «داعش».
فما حصل لم يكن مجرد اغتيال، إنه إنذار «شديد اللهجة» بأن بركان الاحتقان في المخيمات الفلسطينية يقترب من لحظة الانفجار، ما لم يتم تداركه بإجراءات أمنية وسياسية فوق العادة. وفي رأي الأوساط المراقبة أن زواريب المخيمات لم تعد تحتمل هذا الازدحام والتدافع في «الأجندات المتعارضة»، في إطار صراع محموم على النفوذ والسلطة، ضمن مساحة جغرافية ومكتظة بالسكان سواء «القدامى» منهم أو الوافدين حديثاً هرباً من الحرب السورية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق