افتتاحية

وعود كثيرة وحصاد قليل

عقد في القاهرة يوم الاحد الماضي مؤتمر دولي لاعادة اعمار غزة. وافادت الانباء ان المؤتمر شهد تمثيلاً واسعاً. فهل هذا يعني ان المشكلة حلت وان اعادة اعمار ما تهدم بدأت؟
كلنا نعلم ما هي اهمية هذه المؤتمرات، ولبنان له خبرة واسعة في هذا المجال. ففي الاجتماعات التي تعقد تنهال الوعود بسخاء، وما ان ينفض المؤتمر حتى تتبخر وتذهب ادراج الرياح، فتلتزم دول وتتهرب أخرى. لقد وعد لبنان في اكثر من مؤتمر عقدت كلها من اجل المساعدة على حل مشكلة اللاجئين السوريين، الذين فاق عددهم كل التوقعات، واصبحوا أكثر من ان يستطيع البلد تحمله –  وعد بالكثير ولكنه لم يحصل الا على القليل القليل، فتداعى اقتصاده واصبح على حافة الانهيار. فكيف باعمار غزة والنار الاسرائيلية فيها لاتزال تحت الرماد؟
نعود الى مؤتمر اعادة اعمار غزة. فقد اعلن وزير الخارجية الاميركية ان الولايات المتحدة تتبرع بـ 212 مليون دولار اضافية لهذه الغاية. فصح فيها قول الشاعر امطعمة الايتام … لا تزني ولا تتصدقي.
فالولايات المتحدة كان الاحرى بها بدل هذا الكرم ان تمنع حصول الدمار، وتوقف اسرائيل عن شن اعتداءاتها التي ادت الى ما ادت اليه من خراب ودمار، ولكنها بدل ذلك، وعندما كانت الحرب على غزة على اشدها، كانت تفتش يومياً عن تبريرات لهذه الاعمال العدوانية، وكأنها بذلك كانت تشجع اسرائيل على المضي في صب نار حقدها على ابناء غزة خصوصاً وعلى الفلسطينيين عموماً.
والسياسة الاميركية كما عودتنا دائماً قائمة على الاخطاء المتلاحقة فتتسبب بويلات كثيرة في العالم. وهذه الاخطاء لم تعد موضع شائعات وتكهنات وتجنٍ بل ان المسؤولين الاميركيين انفسهم اعترفوا بها على الملأ. فالرئيس اوباما قال في وقت سابق انه اخطأ في تقدير قوة تنظيم الدولة الاسلامية (داعش). وهذا الخطأ ترك الامور تتفاقم وتنعكس على العراق وسوريا ولبنان وتهدد الاردن. ولو ان الولايات المتحدة احسنت التقدير وتدخلت منذ اللحظة الاولى، لما وصلت الامور الى ما هي عليه اليوم، ولما كان داعش استطاع ان يتمدد ويتوسع ويؤمن دخلاً مادياً محترماً من النفط واموال المصارف والمؤسسات، حتى اصبح قادراً على بناء دولة.
ونائب الرئيس الاميركي جو بايدن اعترف بأنه اخطأ عندما وزع اتهاماته على تركيا والامارات والسعودية. ثم عاد ليوزع اعتذاراته على هذه الدول معترفاً باخطائه.
ووزير خارجية الولايات المتحدة جون كيري اخطأ في مواقف وتقديرات كثيرة وقال مثلاً ان كوباني ليست اولوية رغم انه اعلن سابقاً الدفاع عنها. فاذا كانت الحال هكذا مع اكبر قوة في العالم تدير سياسة مليئة بالاخطاء، فكيف ستكون النتائج؟
وما يدعو الى السخرية ان كيري دعا اسرائيل الى المساهمة في احلال السلام في المنطقة. الا يعلم هذا الوزير ان اسرائيل وجدت لتخرب وتدمر وتعتدي، وهذه هي مهمتها الاساسية، فكيف يمكنها ان تعمر وتبني وتنشر السلام؟ ان الدمار الذي خلفته اسرائيل منذ زرعها في هذه المنطقة من العالم وبدعم اميركي – روسي – دولي يبلغ الاف المليارات من الدولارات، فهل كانت تستطيع ان تقوم بما قامت به، وتتنصل من الحساب والمسؤولية لو انه كان هناك من يحاسبها على جرائمها، او لو لم تكن مدعومة من اكبر دول العالم؟
كذلك دعا امين عام الامم المتحدة الى المساهمة في اعادة اعمار غزة. افلم يكن يامكانه ان يضغط من موقعه، ولو بنتائج قليلة، لعرقلة الهجوم على غزة. لماذا لم يدع مجلس الامن الى اتخاذ قرار حاسم وتحت البند السابع للضغط على اسرائيل وارغامها على عدوانها؟ لماذا لا يتحرك من موقعه ايضاً لتحقيق اصلاحات في هذا المجلس الذي تحول الى نمر من ورق فيلغي الفيتو الذي تستخدمه الدول الكبرى ذات الامتيازات الخاصة، لتعطيل اي مشروع سلام لا يناسبها او حتى من اجل حماية عملائها؟ اما بقية الدول الغربية التي حضرت مؤتمر القاهرة، فقد لزمت الصمت ابان المعركة وكانت اصواتها خجولة جداً. وها هي تسارع اليوم متعهدة بالتبرع، وسنشهد عند التنفيذ ان وعودها ليست افضل من صمتها.
ان الغرب المهيمن يتفرج على المشكلة عند وقوعها واذا ما تفاقمت وهددت بالانفجار يتحرك، ولكن يكون الاوان قد فات في معظم الاحيان. والامثال كثيرة واهمها قضية فلسطين، واليوم قضية الدولة الاسلامية التي بات خطرها يهدد العالم كله. فحبذا لو تستفيق الولايات المتحدة ومعها الدول الكبرى كلها.

«الاسبوع العربي»

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً

إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق