الأسبوع الثقافي

جورج قرم… عن «توظيف الدين» في السياسة الدولية

يتحدث الباحث والوزير اللبناني السابق جورج قرم في كتاب جديد عما أسماه استعمال الدين في الحياة السياسية الدولية.

يرفض قرم في الكتاب القيم الضخم الآراء التي تحمّل عصر التنوير وأفكار الثورة الفرنسية تبعة أعمال العنف وسفك الدماء التي شهدها العالم ويقول إن تبعة هذه الأعمال يجب أن تعود إلى مجالات أخرى مسكوت عنها مثل محاكم التفتيش التي أنشأتها الكنيسة في ما سمي عصور الظلام.
كتاب قرم الغني في مواده والحافل بالعمق الفكري حمل عنوان «نحو مقاربة دنيوية للنزاعات في الشرق الاوسط، تحليل ظاهرة توظيف الدين في السياسة الدولية».
صدر الكتاب عن دار الفارابي في بيروت في 383 صفحة متوسطة القطع. وكان قد صدر باللغة الفرنسية في باريس وترجمه إلى العربية الدكتور سلام دياب.
وقد ورد العمل -وهو الثامن والعشرون لجورج قرم- في ثلاثة أجزاء وخاتمة. حمل الجزء الأول عنواناً رئيسياً هو (تفكيك منطق تبرير الصراعات) وفيه ثلاثة فصول في كل منها موضوعات عدة. بعد مقدمة الطبعة العربية و«تمهيد» يرد الفصل الأول وعنوانه «مقدمة للمقاربة الدنيوية في تحليل الصراعات» وفيه عناوين فرعية عدة.
الفصل الثاني وتحته عناوين عدة حمل عنوان (الصراعات الجديدة ووظيفة «عودة الدين»). أما الفصل الثالث فعنوانه (الدين والجيوسياسية : علاقة منحرفة) وفيه  عناوين فرعية عدة أيضاً.
الجزء الثاني عنوانه (التلاعب بالذاكرة والهوية كمصدر للصراعات) وفيه فصل بعنوان «عصر الهويات المتقوقعة والانتقال العالمي إلى تجمعات طوائفية» وتحته عدد من العناوين الفرعية. تلا ذلك فصل بعنوان «تصدير النزاع حول الجذور في بناء أسطورة الهوية الغربية» وفيه عدد من العناوين الفرعية. وبعده ورد فصل بعنوان «الذاكرة والتاريخ في نشأة الصراعات» وفيه بضعة عناوين فرعية. الفصل الأخير في هذا الجزء كان عنوانه «فلسطين مصب العواطف الأوروبية»، وفيه عدد من العناوين الفرعية.
أما الجزء الثالث فحمل عنوان «إشكالية العلمانية والحرية» وتألف من ثلاثة فصول تحت كل منها عناوين عدة. عنوان الفصل الأول هو (الطائفية والتعددية الثقافية مصدر الصراعات). والفصل الذي تلاه عنوانه (المعركة من أجل الحرية في الشرق الاوسط) وتلاه فصل آخر بعنوان (المسارات العكسية للحرية الدينية في أوروبا والعالم العربي).
في الفصل الذي حمل عنوان (الصراعات الجديدة ووظيفة «عودة الدين») قال قرم «إن الحديث عن «العودة» يعني وجود غياب. غير أن ما من شيء قابل للجدال مثل هذا التأكيد وذلك لسببين رئيسيين. يعود السبب الأول إلى أن الدين على اختلاف أشكاله قديم قدم الكون. فالحاجة إلى التسامي وإلى تفسير هشاشة الوجود البشري أمام ديمومة الكون وحتمية الموت يستدعي الإيمان بجملة من المعتقدات من شأنها أن تهدىء من قلق الإنسان وروعه».
ويتابع «وحيث أن الديانة المسيحية في أوروبا اقتبست صبغة علمانية تدريجياً فإنها وبعد قرون من الحروب بين أتباعها في أوروبا أنجبت أشكالاً أخرى من المعتقدات والأنظمة الوجودية التي غالباً ما تبنت أنماط الطقوس والاحتفالات نفسها للتعبير عن الايمان المشترك».
أضاف أنه «في أماكن أخرى خارج أوروبا حافظ الدين التقليدي نوعاً ما على مركزه المهيمن وفقاً لتعددية المجتمعات أولاً في الولايات المتحدة حيث لم يتوقف الدين عن أن يكون السمة المسيطرة على المجتمع الأميركي وكذلك في مجتمعات الشرق الأقصى وفي الهند والعالم الإسلامي لا بل أكثر. فاليهودية بعد أن كانت ديناً منبوذاً ومحتقراً في أوروبا شهدت ولادة جديدة… تبلورت في إنشاء دولة إسرائيل عام 1948».
وتابع يقول إن السبب الثاني «الذي يجب أن يبعث الشك في وجود ظاهرة «عودة الدين» يعود إلى غياب الإحياء اللاهوتي في الديانات التوحيدية الكبرى. لكي يكون هناك عودة مفترضة للدين ينبغي وجود تجدد عميق للاهوت تلك الأديان وعلى ما يبدو ليس هذا حال الديانات التوحيدية الثلاث ولا ديانات الشرق الأقصى والهند».
وتحت عنوان فرعي هو (سنوات الثمانينيات: لحظة التحول في «عودة الدين» المزعومة) قال قرم «المؤشر الأكثر وضوحاً على مستوى الأحداث السياسية هو بلا شك انهيار الأنظمة الشيوعية فأنهى الحرب الباردة في نهاية الثمانينيات. تجدر الإشارة إلى أنه في المرحلة الأخيرة من هذه الحرب التي يمكن وصفها بالحرب العالمية الثالثة قامت الولايات المتحدة الأميركية تقريباً في كل بقاع الأرض بتعبئة الأديان الرئيسية لمكافحة النفوذ المتزايد لمختلف أنواع الأيديولوجيات الشيوعية.
«اتخذت حينئذ المفردات السياسية الأميركية صبغة دينية عندما وصف الرئيس الأميركي رونالد ريغان الاتحاد السوفياتي «بإمبراطورية الشر». أما الحدث الكبير الآخر في هذا السياق فهو كما قال «انتخاب البابا البولندي يوحنا بولس الثاني» عام 1978 الذي عززت شخصيته ونشاطه «الشعور بهوية دينية راسخة قوية».
أضاف يقول إن الولايات المتحدة «لم تتردد كذلك في استدعاء الحركات الأصولية الإسلامية التابعة للمملكة العربية السعودية والباكستان وتدريب وتمويل الشباب العرب من مختلف الجنسيات لقتال القوات السوفياتية التي غزت أفغانستان عام 1979. اندرج قتالهم تحت راية الجهاد، الحرب المقدسة ضد «الكفار» المتمثلين في هذه الحالة بالقوات السوفياتية الملحدة».
ومن ناحية أخرى تحدث عن أعمال الفيلسوف الألماني ليو شتراوس الذي يعيد الاعتبار للتنزيل الإلهي القادر في رأيه على أن يحكم المجتمعات بطريقة شرعية تضاهي «بل تتجاوز”» شرعية الأيديولوجيات السياسية. وتناول أفكار مؤرخ الثورة الفرنسية فرانسوا فوريه الذي قال إن انفجار الثورة الفرنسية وحلقة الإرهاب التي تبعتها هي «المصفوفة الأساسية لكل أشكال الإرهاب الحديث… وبهذا يكون كل من فولتير وروسو بل حتى ديكارت أسلاف ستالين وهتلر».
وتحدث عن نظرية «حرب الحضارات» وبروز التعصب «الحضاري» رافضاً هذه المقولة. وخلص إلى القول «في الحقيقة لو عدنا إلى مختلف أنواع العنف الذي مارسته محاكم التفتيش ثم الحروب الدينية على نطاق واسع في أوروبا لأدركنا دون صعوبة أن مصفوفة مختلف أنواع الاستبداد الحديث ليست في بعض حلقات الثورة الفرنسية وإنما في هذه الحقبة التاريخية الأوروبية… أما في ما يتعلق باقتلاع الآخر، الجار او الصديق أو الساكن المسالم والأعزل… فليست الحروب الثورية التي شرعنت هذه الأعمال ومارستها بشكل حصري وإنما الحروب الدينية الأوروبية وما خلفته من مذابح»

رويترز
 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق