أجندة الحريري السياسية: رئاسة الجمهورية أولاً

للمرة الأولى منذ العام 2005 تمر ذكرى 14 آذار، ثورة الأرز، من دون مشهدية احتفالية لا في الساحة المفتوحة (ساحة الشهداء) ولا في القاعة المقفلة (قاعة البيال)… وتقتصر المناسبة على خطوتين «تذكيريتين» في الأشرفية: الأولى من جانب الدكتور فارس سعيد منسق الأمانة العامة لـ 14 آذار الذي هاله حجم الخلاف الحاصل بين القوات والمستقبل، وسيعقد مؤتمراً صحفياً هو البديل عن بيان سياسي جامع لم يصدر بسبب خلافات كبيرة في وجهات النظر من الأزمة الأساسية الرئاسية… والثانية من جانب النائب نديم الجميل الذي هاله حجم الشرخ الحاصل في العلاقة بين القوات والكتائب وكان على رأس تجمع شعبي في ساحة ساسين للتأكيد على أن ثورة الأرز باقية ومستمرة.
في الواقع، يتفق كل أركان 14 آذار على أن ثورة الأرز باقية، جوهراً وروحاً ومشروعاً، رغم كل شيء، ويتفقون أيضاً على أنها تواجه أزمة فعلية هي الأكثر جدية وخطورة منذ قيامها وكانت كافية لتطيير «الذكرى السنوية» وإظهار أن قوى 14 آذار لم تعد قادرة على الاحتفال وربما كانت الصورة الجامعة على مسرح البيال في 14 شباط (فبراير) الماضي هي آخر ما فعلته وأقصى ما يمكن أن يحصل في هذه المرحلة.
الرئيس سعد الحريري ليس مهتماً باحتفالية 14 آذار ولا يعيرها أهمية، ما يعنيه مباشرة هو الاحتفال بذكرى 14 شباط، ذكرى استشهاد والده الرئيس رفيق الحريري… وما يشغله حالياً هو المضي في تنفيذ خطته السياسية التي تعيده الى رئاسة الحكومة، وهذا ما لا يتحقق إلا بعد انتخاب رئيس للجمهورية وعبره. ولذلك فإن الحريري يعمل وفق أجندته السياسية الخاصة وعنوانها العريض: رئاسة الجمهورية أولاً ويتحرك وفق مقتضيات هذا الهدف وأولوياته. ومن هنا بدا الحريري مهتماً بإعادة ترتيب البيت السني الداخلي أكثر مما اهتم بإعادة ترتيب بيت 14 آذار، وبدا مهتماً بتحالفه الرئاسي مع فرنجية أكثر مما هو مهتم بخلافه الرئاسي مع جعجع، وبدا في تعاطيه مع الشق المسيحي في تحالف 14 آذار مهتما بتقوية علاقته مع حزب الكتائب والمستقلين…
ما يفعله الحريري هو تجميع أوراقه التفاوضية عندما يحين أوان التفاوض الجدي مع حزب الله حول رئاسة الجمهورية وأوان اللقاء الذي بات الحريري مستعداً له مع السيد حسن نصرالله. فهذا اللقاء عندما يحصل أو عندما يعطي حزب الله الإشارة لانعقاده سيكون المؤشر الأوضح الى استعداد حزب الله لمقاربة جديدة للاستحقاق الرئاسي، وعلى قاعدة الإقرار بأن انتخاب عون أو فرنجية ليس ممكناً وأن الخروج من المأزق والطريق المسدود لم يعد ممكناً إلا بالذهاب الى الخيار الرئاسي الثالث…
في حسابات الحريري أن بري وجنبلاط معه في هذا التوجه، وأن حزب الله يحتاج هو أيضاً الى تسوية رئاسية والى حماية تيار الاعتدال السني في حمأة الضغوط الكثيرة التي تحاصره، خصوصاً بعدما أثبت الحريري في عز الهجمة السعودية على حزب الله تمسكه بمؤسسات التلاقي والحوار وصموده في وجه الضغوط الخليجية عليه والرامية الى مواجهة أفعل في الصراع الداخلي.
في حسابات الحريري أيضاً أن كرة الرئاسة عند حزب الله الذي سيجد نفسه عاجلاً أم آجلاً أمام خيار تأييد فرنجية الذي يحوز على أكثرية نيابية ثابتة أو الانتقال الى خيار ثالث… وحسابات الحريري تتقاطع هنا مع حسابات قوى أخرى في 14 آذار تعتبر أن حزب الله محشور في الزاوية الصعبة وأن عليه إثبات أنه يؤيد وصول عون الى رئاسة الجمهورية فعلاً لا قولاً. فليس مهماً تأكيد تأييده لترشيح عون وإنما المهم ماذا يفعل لإيصاله. فإذا كان يريده فعلاً عليه إما أن يضغط على حلفائه وتحديداً بري وفرنجية، وإما أن يرسل إشارة جدية وواضحة الى الحريري بأنه إذا كان يريد رئاسة الحكومة عليه أن يوافق على انتخاب عون رئيساً للجمهورية… فحتى هذه الإشارة لم تصدر عن حزب الله لا بل صدر عنه ما يفيد أن رئاسة الجمهورية شيء ورئاسة الحكومة شيء آخر…
طبعاً، الصورة والحسابات من جهة حزب الله مختلفة تماماً: أولاً المناخات الإقليمية لا تساعد في الوصول الى تسوية تطيح بمرشح الحزب (عون)، وأي تراجع من قبله في ظل التصعيد الخليجي سيكون بمثابة خسارة وهزيمة. وأما الرهانات على تفاهمات بين السعودية وإيران من تحت الطاولة في الملفين السوري واليمني، فإنها مجرد أوهام… وأما كرة الرئاسة فإنها استقرت في ملعب الحريري الذي كان عليه إقناع مسيحيي 14 آذار بمرشحه (فرنجية) والذي صار عليه الانصياع لرأي وخيار الأكثرية المسيحية (عون)… المشكلة لدى قوى 14 آذار وفي ملعب الحريري الذي خسر حليفه المسيحي الأقوى سمير جعجع ويريد لحزب الله أن يخسر حليفه المسيحي الأقوى ميشال عون.