سياسة عربية

العراق: حوار اربيل… محطة للتهدئة ام فرصة للتصعيد؟

قبل ايام قليلة على موعد لقاء اربيل الذي من المفترض ان يجمع زعماء كل الكتل السياسية العراقية المعارضة منها والموالية، والذي اعتبره البعض احدى الفرص الاخيرة لتسوية الاوضاع في الساحة العراقية، بادر معارضو رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي الى خطوات تصعيدية جديدة.

أمام المحتجين المتظاهرين في مدينة الرمادي في وسط العراق، ظهر فجأة وزير المال والقيادي في القائمة العراقية رافع العيساوي معلناً استقالته من الحكومة.
وعلى رغم ان فريق المالكي سارع الى التقليل من اهمية هذا الحدث عندما اعلن بيان صادر عن مكتب رئيس الوزراء ان استقالة العيساوي لن تقبل قبل انتهاء التحقيقات الجارية في ارتكابات مالية وادارية للعيساوي في محاولة مكشوفة بغية «حرق» هذا القيادي المعارض الذي من خلال اتهامه بالتهرب من محاكمات ومساءلات كان سيخضع لها حتماً، فإن قوى المعارضة للمالكي اقدمت خلال الايام القليلة الماضية على المزيد من الخطوات والاجراءات التي من شأنها التأثير على حركة المالكي وحكومته، وبالتالي شد ازر المعارضة وادامة حراك الاحتجاج والاعتصام القائمة في شوارع وميادين العديد من المدن العراقية ذات اللون الطائفي المعروف.
من هذه الخطوات والاجراءات الاعلان عن انها في طور درس عميق لمسألة بقاء وزرائها في الحكومة، علماً بأن هؤلاء الوزراء يقاطعون منذ بداية الازمة الاخيرة ونزول المعارضين الى الشارع جلسات مجلس الوزراء، احتجاجاً على ما اسمته القائمة عدم تجاوب الحكومة مع المطالب التي يرفع لواءها المعارضون.

الخط الرمادي
وسواء استقال وزراء هذه القائمة المعارضة ام بقوا في حالة تعليق عضوية ومقاطعة لانشطة مجلس الوزراء، فالواضح تماماً ان هذه القائمة مضت في الفترة الماضية قدماً في سياسة تصدر حركة المعارضة واعادة ربط نفسها بشكل اوثق من ذي قبل بشارع هذه المعارضة وبحراكه. وهذا ان دل على شيء، انما يدل على ان هذه القائمة شعرت في الفترة الاخيرة بأن استمرارها في سلوك «الخط الرمادي» من الازمة العامة وابقاء قنوات تواصل مع المالكي وحكومته، انما هو يعني المزيد من الخسارة والنزف السياسي لها وذلك بناء على واقعين اثنين:
الاول: ان حركة الاعتراض والاحتجاج ظلت تتسع دائرتها خلافاً لكل التوقعات والرهانات التي كانت تنطلق من فرضية ان مرور الوقت سيؤدي الى ضمور حماسة المحتجين والمعتصمين، خصوصاً اذا لم يصلوا الى نتيجة عاجلة.
ففي اخر تظاهرات واسعة يوم الجمعة ما قبل الماضي، والتي اطلق عليها اسم «جمعة العراق اولاً» ذكرت كل وسائل الاعلام ان ساحات الاعتصام في الانبار والموصل وديالى وصلاح الدين وجنوب كركوك استقطبت المزيد من المتظاهرين على رغم الاجراءات الامنية التي اتخذتها قوى الامن بقطع الطرق الرابطة بين هذه المدن من جهة، واجراءات مشددة داخل كل مدينة من جهة اخرى.
اضافة الى ذلك فقد سجل ارتفاع وتيرة الغضب والاستياء لدى المتظاهرين من اداء المالكي وحكومته وتعاطيهم مع مطالب المتظاهرين.
الثاني: ان المتظاهرين وقادتهم بدأوا تصويب سهام النقد بشكل اكبر من السابق نحو قادة القائمة العراقية مطالبين اياهم بخطوات اكثر جذرية، وبمواقف واضحة حيال المالكي وحكومته لدرجة ان زعيم مجالس الصحوة واحد اركان الاحتجاجات الشيخ احمد ابو ريشة دعا صراحة وزراء العراقية الى الانسحاب من الحكومة.
ولاحقاً وجه ابو ريشة دعوة بالاسم الى نائب رئيس الوزراء صالح المطلك داعياً اياه الى الاستقالة من الحكومة.

تضييق هامش المناورة
بدا واضحاً ان المحتجين والمتظاهرين ضيقوا هامش المناورة امام قيادات القائمة العراقية وبالتالي وضعوهم امام امر واقع، فإما الخروج من المواقف الرمادية، واما التصويب عليهم واستهدافهم سياسياً. وهذا المستجد من شأنه ان يدفع هذه القائمة الى التشدد اكثر في مواقفها واتخاذ خطوات تصعيدية خلال الفترة المقبلة.
واللافت ان هذه التطورات ذات الطبيعة الدراماتيكية التصعيدية اتت عشية لقاء اربيل المقرر ان يجمع اقطاب الموالاة والمعارضة على حد سواء، في محاولة يسعى الكثيرون الى وضعه في مقام الفرصة الاخيرة الحاسمة، فإما ان يكون محطة تفتح فيها الابواب امام تسوية ممكنة تعيد تطبيع الامور بين الفريقين، واما الذهاب نحو خيار التصعيد والفوضى والمزيد من التحذير بواقع امني وسياسي مترد يخوف منها من يريد من عودة الحرب الاهلية والسنوات العجاف التي عاش فيها العراق قبل اعوام على شفا حرب اهلية.
وقبل ايام على موعد هذا اللقاء الذي دعا اليه الزعيم الكردستاني مسعود البرزاني على اساس ان يكون على غرار اجتماع اربيل الاول الذي افضى الى حل ازمة تأليف الحكومة بعيد الانتخابات العراقية العامة ونتائجها المتقاربة، شهدت بغداد محادثات ثنائية بين قيادة الكتل والائتلافات السياسية. وسبقت ذلك لقاءات تنسيقية عقدها اقطاب الثلاثي المعارضة الرئيس، اي القائمة العراقية والتيار الصدري والاتحاد الكردستاني العراقي.
وبناء عليه فإن ثمة من يرى ان كل طرف من طرفي الصراع في الساحة العراقية يعد العدة للقاء اربيل، ويسعى في الوقت عينه الى تدعيم اوراقه لهذا اللقاء، وبدا ان القائمة العراقية هي الاكثر قدرة على المبادرة على اخذ المواقف.

دعم اميركي
لم يعد خافياً انه وان كان البرزاني هو الداعي المباشر لهذا اللقاء، فإنه بدعم وتوجيه من الادارة الاميركية عبر سفيرها في بغداد بادر في الآونة الاخيرة الى امرين اثنين:
الاول: تكثيف جهوده في سبيل نزع فتيل الازمة وتهدئة الاوضاع.
الثاني: العمل على انجاح الحوار المرتقب بين الكتل السياسية.
وهو في سبيل ذلك سارع الى عقد اجتماعات ولقاءات مع قيادات كل الائتلافات العراقية في سبيل هذه الغاية.
ومن البديهي ان تصعيد المعارضين المتوالي فصولاً في محافظات الوسط، في مقابل مساعي التهدئة تمهيداً للقاء الحوار المرتقب في اربيل مدعوماً بمساع مكثفة من جانب السفير الاميركي في العاصمة العراقية وبطرح تساؤلات جدية حول مستقبل الاوضاع في الساحة العراقية في ضوء انفجار الازمة السياسية الاخيرة.
واستطراداً هل هناك فرصة جدية لمغادرة مربع الازمة نحو افق التسوية المرتجاة التي تحول دون انزلاق الاحتقانات والاوضاع في العراق نحو «المادة الاساسية» التي بات الساسة يحذرون منها دوماً وهي عودة الحرب الاهلية التي لم تبلغ درجة الاكتمال بين عامي 2005 و2007؟

رأيان
ثمة رأيان في معرض الاجابة على هذه التساؤلات الملحة: الاول ينطلق من رؤية متفائلة بعض الشيء فحواها انه بإمكان الحوار المرتقب ان يبدأ بين طرفي النزاع في العراق، ان يفضي الى وقائع ومعطيات تحول دون انزلاق الجميع نحو المزيد من مهاوي التعقيد، وذلك انطلاقاً من رغبة اميركية حقيقية تريد للتناقضات القائمة في هذه الساحة الا تتحول الى انفجارات واسعة النطاق، لان واشنطن لا تريد الان للساحات القريبة من الساحات السورية ان تنفجر، لان اي انفجارات واسعة في هذه الساحة تلقي تداعياتها الثقيلة على دول الخليج عموماً.
وعليه، فإن اصحاب هذه الرؤية يفترضون ان يؤتي الحوار المرتقب بعض النتائج الايجابية التي تجمد الاوضاع على الاقل.
اما اصحاب الرأي الثاني فهم لا يزالون يقيمون على اعتقاد بأن الكل يلعبون بالوقت الضائع وهم مقتنعون بأن الحلول والتسويات ما زالت بعيدة، وان كانت تتفق مع اصحاب الرأي الاول في مسلمة ان الكل حريصون على الا تصل الاوضاع الى نقطة الانفجار او مرحلة اللاعودة.
ولا شك في ان اصحاب هذا الرأي يعتقدون ان الجميع يجدون في الانتخابات المحلية القريبة فرصة لتصفية الحسابات او جزء منها.

ابرهيم بيرم
 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق