افتتاحية

فرضوا الضرائب على الناس وزادوا مخصصاتهم!

بعد سنوات من التجاذب والاخذ والرد تخللتها اضرابات واعتصامات وتهديدات بضياع سنوات دراسية على مئات الاف الطلاب، اعلنت اللجان المشتركة انها انجزت وضع سلسلة الرتب والرواتب واحالتها الى الهيئة العامة، فتلقفها الرئيس نبيه بري بسرعة ووضعها على جدول اعمال اول جلسة لمجلس النواب، عقدت في 15 اذار (مارس) الجاري لاقرارها. ولكن ماذا تضمنت هذه السلسلة، وهل انصفت اصحاب العلاقة، وهل راعت ضرائبها الطبقة الفقيرة من اللبنانيين الذين تحولوا باكثريتهم الساحقة الى فقراء، بفضل سياسات عوجاء عطلت الاقتصاد وشلت ادارات الدولة، وبفعل فساد قاتل وهدر وسرقات وصفقات وسمسرات؟
قبل اقرار السلسلة تسابق النواب عبر الشاشات الصغيرة، معلنين انهم ضد فرض ضرائب على الناس، وان تمويل السلسلة يتم وبسهولة، عبر ضبط الهدر ومحاربة الفساد، غير ان هذه التصريحات كانت للاستهلاك المحلي، خصوصاً واننا على ابواب انتخابات نيابية، وزيادة الضرائب من شأنها ان تنعكس على اصوات الناخبين. غير ان نواب الامة الذين عودونا على عدم الوقوف يوماً مع مصالح الناس، اقروا الضرائب محاولين تبرير هذه السياسة العرجاء. فهم يعلمون ان محاربة الفساد ووقف الهدر والصفقات تصيب مصالح تهم البعض منهم، فكيف يمكن ان يلجأوا الى ما يضر مصلحتهم؟
احد النواب صرح قبل ايام بانه وكتلته النيابية لا يمكن ان يقبلوا بزيادة الضرائب، وانهم سيحاربون اي محاولة في هذا الشأن. ولكن بعد التصويت على زيادة الضرائب بدأوا يقللون من اهميتها فمننوا الناس بأنهم رفضوا زيادة الـ TVA الى 15 بالمئة وانهم لم يرفعوها سوى بنسبة واحد بالمئة. وتبين ان الـ 15 بالمئة الزيادة كانت ستلحق القريدس والسومون وغيرهما من المواد التي لا تعرف طريقاً الى مائدة الفقراء، لا اليوم ولا في المستقبل، بل انها تتصدر موائد الاغنياء والطبقة الميسورة، وبذلك فهم اعفوا الاغنياء من الزيادات، وثبتوها على الفقراء، وهذه ليست مستغربة بالنسبة الى طبقة سياسية، بات الجميع يعلمون ان مصالح الشعب لم ترد يوماً في حساباتهم، وان كل ما يهمهم هو مصالحهم الخاصة.
ولكن هل ارضت سلسلة الرتب والرواتب اصحاب العلاقة؟ بالطبع لا. فسياسيونا عودونا دائماً على القرارات المبتورة، التي لا ترضي اي طرف من شرائح المجتمع. فسارع معلمو المدارس الثانوية الرسمية الى اعلان الاضراب المفتوح مطالبين بمزيد من الدرجات والزيادات.
الطلاب من جهتهم ابدوا تخوفهم من تطيير السنة الدراسية والغاء الشهادات الرسمية هذه السنة، بسبب اضراب الاساتذة فتحرك طلاب الشهادة الرسمية ونفذوا اعتصاماً امام مقر وزارة التربية، تخوفاً من اطاحة الامتحانات الرسمية، فيتكرر سيناريو اعطاء الافادات بدل الشهادات، وينعكس ذلك على مستقبل الاف الطلاب فتتوقف حياتهم لمدة سنة ويتوقفون عن متابعة التحصيل الجامعي في الداخل وفي الخارج.
وهنا لا بد من السؤال؟ ان الخطف ممنوع في كل بلدان العالم وفي لبنان ايضاً، ونحن مع تأييدنا لايصال كل صاحب حق الى حقه، نسأل لماذا يسمح المسؤولون للاساتذة بخطف مئات الاف الطلاب ومحاصرتهم واضاعة مستقبلهم؟ من يحاسب ومن يعيد الحقوق الى اصحابها؟ ولماذا لا يلجأ الاساتذة الى وسائل تساعدهم على نيل مطالبهم دون المساس بحقوق الطلاب؟ لماذا لا يعتصمون خارج اوقات الدراسة او غير ذلك من الوسائل؟ ثم من يعوض على الطلاب خسارتهم التي يتسبب بها الاساتذة؟
قالوا ان الاصلاحات التي اقرت مع السلسلة تقضي بزيادة ساعات العمل من الساعة الثانية بعد الظهر حتى الخامسة، باعتبار ان الموظفين باقرار السلسلة ينالون اجر هذه الساعات الاضافية. ولكننا نقول لهم ليس المهم زيادة ساعات العمل اذا لم تقترن بزيادة الانتاج، وتلبية مصالح الناس. والموظفون بعدما نالوا ما يطالبون به هل يتوقفون عن قبض الرشاوى لتسهيل معاملات الناس، ام ان هذه العادة السائدة في ادارات الدولة ستستمر وربما تزيد، ولا من يراقب ولا من يحاسب؟
اخر المهازل ما نشرته احدى الصحف اللبنانية قبل ايام، وهو ان نواب الامة الممددين لانفسهم، والذين يقبعون في مراكزهم دون تفويض من الشعب، بعدما مضت سنوات على انتهاء ولايتهم، هؤلاء الكرام فرضوا ضرائب على الناس وزادوا مخصصاتهم. وبدل ان يلغوا القانون الذي يجيز لمن ينتخب ولو لمرة واحدة ان يقبض من مال الشعب مدى الحياة، وهذا قانون غير عادل ومجحف بحق المواطنين، رفعوا مخصصاتهم من 75 بالمئة الى مئة بالمئة، مستغلين عدم وجود جهة تراقب وتحاسب وتوقف هذه المهزلة. فاين الشعب وهو الوحيد القادر على المحاسبة، ولماذا لا يتحرك؟ وهل سيبقى يدفع للجشعين حتى اخر قرش من عرق جبينه؟
نعم نحن بحاجة الى اصلاح ولكن الى اصلاح حقيقي لا يمحو النهار كلام الليل فيه. الغوا الضرائب التي فرضتموها على الناس قبل ان لا يعود الندم ينفع. التحرك الشعبي الذي شهدناه يجب ان يبقى متأهباً لاستئناف تحركه في حال لم تلغ الضرائب وبذلك يثبت الشعب انه قادر على التغيير اذا اراد.

«الاسبوع العربي»
 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق