موسكو تتحدى واشنطن بالصواريخ والاساطيل الحربية

طريق الكرملين، ولو كانت في مقر بوتين الصيفي، في سكوبجه، شهدت عجقة، خلال الاسابيع الاخيرة… من رئيس الحكومة الاسرائيلية بينامين نتانياهو، الى وزير الخارجية الاميركية، جون كيري، الى رئيس الحكومة البريطانية، دايفيد كاميرون، الى الامين العام للامم المتحدة، بان كي – مون. وقائع تشرح، افضل من اي تعليق وتحليل، الدور الجديد الذي تمثله موسكو، التي سعت الى ان تتجنب ان تعيد في سوريا، تجربة التهميش التي عاشتها في ليبيا، تتذوق اليوم من جهة، طعم الانتقام، ولذة عرض العضلات من جهة ثانية.
البيت الابيض، يتردد في التدخل في سوريا، التي تقول منظمة «ثينك تانك» بيو، ان نصف الاميركيين لا يعرفون، حتى اين تقع على الخريطة، ويلعب ورقة روسيا، لانجاح مؤتمر السلام، «جنيف – 2»، بالرغم من موقف اسرائيل وبعض دول الخليج.
وربما لم يعجب باراك اوباما، ان تكون جريدة «نيويورك تايمز»، نشرت خبر الشحنة الجديدة من الاسلحة المتطورة، التي تنوي موسكو تسليمها الى النظام السوري، التي ستضم نسخة متطورة جداً من صواريخ ياخنوت، مزودة بنظام رادار يستطيع الغاء مفعول اي حصار بحري، ومنطقة عزل جوي، تفرضها قوة دولية، وانه لسلاح يختلف جداً، عن صواريخ سكود، ارض – ارض التي استعملها الجيش السوري ضد الثوار. فصواريخ ياخنوت متحركة وصعبة المواجهة. وتعود الى ايام قليلة مضت، الجهود التي بذلها، عبثاً نتانياهو في روسيا، لثني فلاديمير بوتين، عن تزويد سوريا بصواريخ ارض – جو اس – 300 الاقل قوة.
تدعيم مواقع
ومنذ اشهر تدعم روسيا مواقعها في منطقة الشرق الادنى، مستغلة حرباً لا يعرف احد، بالرغم من التحالفات واطنان الاسلحة ومليارات الدولارات، كيف يربحها؟
ففي كانون الثاني (يناير)، قامت بمناورات بحرية كبيرة، في البحرين الاسود والابيض المتوسط، شاركت فيها دزينتان من السفن البحرية العسكرية.
وفي شهر شباط (فبراير)، نشرت اربعة من هذه السفن، في مواجهة الساحل السوري. وتقول وول ستريت جورنال انها وزعت 12 منها تجاه قاعدة طرطوس.
فللمرة الاولى، منذ انتهاء الحرب الباردة، انتقلت البحرية العسكرية الروسية، من المحيط الهادىء الى البحر الابيض المتوسط. واعتبر المراقبون هذا الحدث، خطوة ترمي الى مراقبة التحركات الغربية في المنطقة.
فالروس، عادوا الى البحر الابيض المتوسط. وبعد شهرين من الملاحة، قطعت قناة السويس، خلال الاسبوع الماضي، خمس سفن حربية روسية، انطلقت من قاعدة فلاديفوستوك، وتتكون هذه المجموعة من حاملة الطائرات «الاميرال بانتالييف» ومن السفينتين البرمائيتين المقاتلتين بريسفيت، والاميرال نيغلسكوي، وسفينة نقل الوقود بيشنغا، والسفينة القاطرة للانقاذ البحري، فوتيي كريلوف، واعلن النقيب البحري رومان مارتوف، بكل اعتزاز: انها المرة الاولى التي تعود سفن من اسطول المحيط الهادىء الى مياه البحر الابيض المتوسط، منذ عقود عدة.
السفن الحربية الروسية
توجهت العمارات البحرية، الى مرفأ ليماسول، في قبرص، من دون ان يتم الاعلان عن وجهتها التالية. وهكذا تنضم هذه الوحدات التابعة لاسطول المحيط الهادىء، الى مجموعة اخرى من السفن الروسية المتواجدة في مياه البحر الابيض المتوسط «الدافئة»، وهي: السفينة سيفيرومورسك، المضادة للغواصات، والفرقاطة ياروسلاف مودري، والقاطرتان آلتاي واس. بي – 921، والسفينة الصهريج لينا، التابعة لاسطول الشمال والبلطيق، وحاملة الطائرات أزوف، من اسطول البحر الاسود، ولم يستبعد قائد البحرية العسكرية الروسية، الاميرال فيكتور آزوف، ان تنضم غواصات نووية الى الاسطول الواصل الى البحر المتوسط. مع العلم انه لا يجري عادة الاعلان رسمياً، عن وجود هذه الغواصات، كما عودتنا السوابق في ايام الاتحاد السوفياتي، وخلال حرب كوسوفو، عندما ارسلت الغواصة النووية كورسك، في مهمة سرية لمراقبة تحركات سفن الحلف الاطلسي.
وتعتبر موسكو، انتقال اسطولها البحري الى المتوسط بالرغم من صغر حجمه، خطوة استراتيجية، تولى تحقيقها، الرئيس فلاديمير بوتين، عندما امر بعودة التواجد البحري العسكري الى البحر الابيض المتوسط، على خطى الاسطول السوفياتي الخامس الصغير، الذي كان يواجه الاسطول الاميركي السادس، خلال الحرب الباردة. واشار وزير الدفاع الروسي سيرغي شويفو، الى ان هذه السفن ستقوم بـ «الدفاع عن المصالح الروسية في البحر الابيض المتوسط». ولكنه لم يوضح ماهية هذه المصالح، في اطار سياسي واستراتيجي مختلف تماماً، بينما شرح الاميرال فالنتين سيليفارلوف، الذي كان يقود الاسطول الخامس الصغير، ان مهمة هذا الاسطول، كانت تقضي بمواجهة حاملات الطائرات الاميركية، في حال وقوع هجوم نووي، وكان تواجد الاسطول الاميركي في البحر المتوسط، يضع في مرماه اراضي روسيا الاوروبية، وكان يعني ضربها تخفيف اضرار الصواريخ الستراتيجية السوفياتية، ولكن هذه الحالة الجيو-سياسية انتهت.
بين الامس واليوم
وكان الاسطول السوفياتي الذي نشره الكرملين عهدئذٍ، في البحر الابيض المتوسط، يتألف من 80 سفينة، من بينها 15 غواصة نووية. واما اليوم فان المشهد الحربي تغير في صورة كاملة، مما يجعل المراقبين يعتقدون بأن الهدف الاكثر احتمالاً للتحرك الروسي، هو مراقبة التحركات الغربية في الشرق الادنى، خصوصاً بالنسبة الى سوريا، حيث تحتفظ روسيا، بقاعدة تقنية، في طرطوس، لاسطولها البحري. بينما يرى القائد السابق للقوة البحرية الروسية، الاميرال فيكتور كرافشنكو، ان مثل هذا الافتراض لا يستند الى اي واقع حقيقي. لان البحرية الروسية، لا تملك، ما يكفي من السفن الحديثة، لمثل هذه المهمة، كما ان حالة تلك الموجودة، لا تسمح لها، من الناحية التقنية، في نظره، بالقيام بأية عملية حربية.
ولكن بالرغم من ان وزير خارجية روسيا، لافروف، يردد «ان روسيا، لن تعقد اتفاقات سرية مع سوريا، مقابل تنازلات غربية»، فان الكرملين يبدو اقل صلابة في مواقفه، مما كان في الماضي، كما انه يكبح اندفاع واشنطن، نحو ازاحة بشار الاسد. ولكنه لم يعد يظهر ذلك الحب الكبير، نحو الرئيس السوري، كشرط اساسي، على الاقل، بينما نراه، يطرح انفتاح «جنيف – 2» على الرياض، وخصوصاً على طهران، ويتواجه مع باريس، حول اشراك ايران في المؤتمر، بينما يقول آخرون ان باريس، تسعى الى الا تبقى خارج اللعبة، بعد ان انحصر الحوار بين روسيا والانكلو-ساكسون، اي الاميركيين والبريطانيين.
وكأن سوريا، تحولت الى اوتوبيس اسود، يجر وراءه ليس الدول المجاورة وحدها، بعد ان تسبب بمئة الف قتيل على الاقل و1،5 مليون لاجىء، (ارقام رسمية قد لا تعكس الحقيقة التي هي اكبر)، واكثر من 80 مليار دولار، خسائر مادية.
بينما نرى تركيا، تبطىء الخطى، بعد ان وقفت بقوة، بداية، الى جانب الثوار، مدركة انها قد تكون الخاسر الاكبر، في المأساة السورية من دون دعم الولايات المتحدة.
فعمدت انقرة، الى «القبول» بموسكو التي هي القوة الاقليمية الوحيدةالتي تعتمد على اقتصاد وقوة عسكرية، متفوقة عليها. بينما يكون البديل، منطقة عازلة على الحدود التركية، لان تركيا، لا تريد ان تجازف بخسارة استقرار اسطوري، ضمن لها في الماضي، نمواً اقتصادياً، في معدل 7،5 في المئة. ويضيف الخبير سونس غابتاي، ان من شأن اي تصعيد ان يهدد احلام رجب طيب اردوغان الرئاسية.
تحدي اسرائيل
ثم هناك اسرائيل، التي تشكل صواريخ ياخنوت، المجهود السوري الاول، لتحدي بحريتها، منذ حرب 1978، فان امكانية ان تعود اسرائيل الى الانفراد في التحرك، كما فعلت لمنع وصول اسلحة جديدة ومتطورة، الى حزب الله، كما اظهر الفيديو الذي وزعته فوكس نيوز، عن قوة كوماندوس تعود الى الجولان بعد تنفيذ مهمة في سوريا، سيصبح اصعب. ولكننا رأينا كذلك، مدير وكالة سي. آي. ايه، برينان يسارع الى زيارة اسرائيل، مشدداً على ان تحترم الخط الذي اعتمدته الولايات المتحدة، في انتظار ان يزور رئيس الحكومة التركية اردوغان، غزة والضفة الغربية، في شهر حزيران (يونيو) المقبل، ولا يبدو ان هذه الزيارة قابلة للتأجيل الآن، لان الاعلان عنها جرى من امام البيت الابيض، الذي طالما اشار الى تجربته، كمثال يصلح لسائر الانظمة العربية الجديدة، ابتداءً من مصر، التي تسعى الى التوفيق بين الديموقراطية التي يطالب بها الناس والمرحلة الزمنية الحالية والنفوذ الذي يستمر الاسلاميون بممارسته على المجتمعات العربية.
ويبقى على ضوء ما تشهده ساحة الشرق الادنى، ان ورقة باراك اوباما الاخيرة اسمها فلاديمير بوتين بالرغم من كل شيء. ورأينا الجميع، يتحركون راضين ام غاضبين مكرهين، ام حذرين، كل الافرقاء اللاعبين في الملعب السوري.
اللعبة الديبلوماسية، صعبة ومعقدة، ولكن الامل غير ممنوع، بما فيه املنا نحن، على ما فيه من هشاشة، فبعد كل ما شهدناه، من دم وخوف على البقاء، هل يبقى بشار الاسد وخصومه الثوار، على استعداد للتفاوض، ومن سيضمن خيارات بوتين، بعد الغموض الذي عبّر عنه وزير خارجيته، لافروف، حول صفقة صواريخ «اس – 300» واذا كان مستقبل الاسد يبقى غامضاً حتى الآن، لعدم اعادة تحريك التناقضات الاميركية – الروسية، فان التساؤل هو: ما العمل حتى لا يشبه جنيف – 2 اتفاق جنيف – 1، الذي بقي، حبراً على ورق؟!
ومن الواضح كذلك، ان مؤتمراً ترعاه موسكو وواشنطن، سيكون التجربة الاخيرة، لحذر باراك اوباما، فهل سيبقى في استطاعته، بعد ذلك، في حال الفشل، ان يستمر في الخط الذي اعتمده حتى الآن؟
واي شيء يعتمده سيكون جيداً، سواء كان اسمه، مد الثوار بالاسلحة ام تدخلاً جوياً، ام منطقة حظر جوي او بحري، ام مناطق عزل، وممرات انسانية؟
المهم هو «عمل شيء ما».
ج. ص