أبرز الأخباردوليات

اوكرانيا: «مكاسرة» غربية – روسية، والقرم ملعب المواجهة

ما هي النهاية المتوقعة للازمة الدائرة في اوكرانيا؟ وهل يمكن ان تصل الى حد المواجهة العسكرية بين الغرب ممثلاً بالولايات المتحدة التي تقود مجموعة «السبع الكبرى» وروسيا؟ وهل يمكن ان تتطور الازمة الى حرب كونية جديدة؟ ام انها ستبقى مواجهة سياسية؟ وتتحول الى ازمة صامتة بالتدريج ؟ والى ما يشبه الحرب الباردة؟

مبررات تلك التساؤلات ما يقال عن ان الازمة اصلاً كانت مشروعاً غربياً للحد من نفوذ روسيا؟ ومن قدرتها على التوسع ضمن محيطها، وفي اطار ملعبها الاسبق الذي تحاول الاحتفاظ به كنوع من رد الاعتبار، او – على الاقل – اعادة البناء؟
ما يزيد من حدة تلك التساؤلات، ان الملف الاوكراني شكل اضافة نوعية للازمات العالقة، وعلى رأسها الملف السوري، حيث التحليلات تميل الى ان العناوين تكاد تكون متشابهة، وان الاختلاف فقط في التفاصيل.
واللافت هنا ان الاطار العام للاجابات يبدو واضحاً. حيث من المستبعد حدوث حرب كونية، او حتى مواجهات. الدليل على ذلك ان الغرب الذي يفترض ان يتقدم بأبعد خياراته واقساها اقتصرت خياراته على فرض عقوبات على روسيا اذا لم تستجب لمتطلبات المجموعة الغربية. بينما استبعد حلف الاطلسي مبكراً الدخول في المجال العملياتي. في حين تبدو الامور محكومة بكم من الثوابت المتقاطعة، الامر الذي يوجه التحليلات والمتابعات نحو تصور الامر من باب «المكاسرة» واختيار الساحة الاوكرانية ملعباً لتلك العملية. ومع ان ذلك يعني عدم استبعاد الوصول الى مرحلة كسر عظم، لكنه يعني ايضاً امكانية استخدام وسائل «التجبير» لمعالجة الكسور الناجمة عن تلك اللعبة الخطرة.
الدليل على ذلك ان الملفات كثيرة، ومن السهل اجراء مقاصات بينها وصولاً الى حلول توافقية قد لا تكون مثالية، لكنها بالحد الادنى. وبالقدر الذي يضمن هامش المنافسة على مساحات النفوذ؟ وبحسب معلومات متسربة من غرف العمليات تم فتح بوابات الملفات على بعضها البعض، وصولاً الى مقاصات منتظرة، من غير المستبعد ان تطاول كل الملفات الساخنة ومنها الملف الايراني، والملف السوري، وتداعيات ما يجري في الخليج العربي اضافة الى تطورات الموقف في اوكرانيا.

 خلط اوراق
كيف؟
في غمرة البحث عن حل للازمة السورية، وفي اعقاب الجدل الذي خلفته تداعيات مؤتمر «جنيف – 2» الفاشل، جاءت ازمة اوكرانيا لتعيد خلط الاوراق من جديد، وتؤسس لأزمة جديدة قد تكون مختلفة بعض الشيء عن
الملف السوري.
فالتدقيق في التفاصيل، يفضي الى صورة محورها تشبث روسي غير مسبوق بموقف الرافض لاية تنازلات في ما يخص الملف السوري، حيث ساندت موسكو النظام، واستخدمت حق الفيتو ضد اية مشاريع من شأنها ان تنص على استخدام القوة. وقدمت نموذجاً متميزاً من الدعم السياسي والعسكري والاقتصادي للنظام السوري. وشكلت مع ايران وحزب الله تحالفاً ناجحاً في توزع الادوار والاحاطة بمتطلبات ادارة الصراع، وصولاً الى دفع الغرب الى التراجع النسبي، او – على الاقل – التخفيف من حماسته في ما يخص حسم الصراع عسكرياً، والدخول في معادلات
ومقاربات يعتقد محللون بأنها مدت امد الصراع طويلاً.  وفي ذلك ما يكفي لاختبار مدى الصلابة التي يتميز بها النظام الروسي الجديد، الذي اسس له الرئيس فلاديمير بوتين، والذي قصد منه الاقتراب من نظام الاتحاد السوفياتي السابق، وبالتالي خلق قدر من التوازن مع الغرب، والعودة بالعالم الى القطبية الثنائية، وهو المشروع المشروع الذي تنظر اليه الولايات المتحدة بعين الحذر، وتكرس جهدها لوأد اي مشروع من هذا القبيل.
ورغم اهمية الملف السوري في اختبار القوى، ومدى صلابة المواقف، الا ان الساحة الاوكرانية كانت التجربة الحقيقية – من وجهة نظر روسية – لعملية «المكاسرة» التي يمكن ان تثبت المواقع. حيث يرى الرئيس بوتين انه يمكنه في نهاية المطاف ان يفرض هيبته على العالم وخصوصاً على الولايات المتحدة.
وبحسب تحليلات يعتقد انها تعمقت في مناقشة الملف بكل تفاصيله، يستند الموقف الروسي الى عدم قدرة الغرب على التوسع بأية عقوبات ضد روسيا. وان موسكو قادرة على امتصاص اية عقوبات يمكن ان تفرض من قبل التحالف الاوروبي – الاميركي ضدها.
 وفي مسار تحليلي آخر، هناك قناعة بأن موسكو تمسك بالعديد من الاوراق التي من شأن استخدامها ازعاج الغرب عموماً، خصوصاً في ما يتعلق بالملف السوري.
اما في ما يخص تفاصيل الازمة، فقد توقفت الآلة الروسية عند كم من التفاصيل التي تشكل موقفها من ذلك الملف، الذي يواصل المسؤولون شرحه باسهاب، من خلال التأكيد على كم من الثوابت التي ترى في ما حدث خروجاً على الشرعية. وان اعادة الاوضاع الى ما كانت عليه، او – على الاقل – عدم تأييد ما حدث وعدم اضفاء الشرعية عليه تعتبر واجباً.  الا انها تصر على اعتبار موقفها نابعاً من مسؤوليتها في حماية مواطنيها اضافة الى الناطقين باللغة الروسية.

بوتين يتحدى
فقد اكد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ان بلاده تحتفظ بحقها في التدخل بأوكرانيا لحماية الناطقين باللغة الروسية. وأكد أن ذلك سيكون الخيار الأخير. ووصف عزل الرئيس الأوكراني فيكتور يانوكوفيتش بأنه غير دستوري وانه عمل خارج القانون.
وأضاف بوتين خلال أول مؤتمر صحافي يعقده منذ عزل يانوكوفيتش أن أي تدخل روسي في أوكرانيا سيكون «عملاً مشروعاً وفي إطار القانون» وأن موسكو ستتخذ «كل الوسائل» لحماية مواطنيها والناطقين باللغة الروسية إذا «غاب القانون» في مناطق شرق أوكرانيا.
ونفى بوتين أن تكون قوات روسية قد سيطرت على منطقة القرم في جنوب أوكرانيا، وقال: «إن قوات محلية للدفاع عن النفس هي التي تسيطر على المباني الرسمية»، نافياً أن تكون لروسيا مصلحة في إثارة المشاعر الانفصالية في القرم.
وبلهجة لا تخلو من التحدي، اثار بوتين كماً من النقاط التي تشكل موقف وقناعات بلاده، حيث اشار الى ان العقوبات التي يمكن ان تفرضها الولايات المتحدة على بلاده، لن تكون ذات اثر يذكر. وشدد على أن أية عقوبات على روسيا ستضر الدول التي تفرضها اكثر من ضررها على روسيا. وفي السياق ذاته، دعا الدول التي تدرس فرض عقوبات على موسكو الى التفكير أولاً في الضرر الذي قد يقع إذا فرضت مثل هذه العقوبات، وأشار إلى ان كل التهديدات ضد روسيا غير مثمرة ومضرة.
وفي الوقت نفسه، اعرب بوتين عن ان بلاده مستعدة لاستضافة مجموعة الثماني. لكنه واصل التحدي باعلانه «ان من لا يرغب بالحضور فلا داعي لحضوره».
ولوح الرئيس بوتين بسحب سفير بلاده من واشنطن، لكنه اكد ان تلك الخطوة ستكون خياراً اخيراً. واعرب عن امله في الا تصل الامور الى هذا المستوى.
وجدد الرئيس بوتين خلال المؤتمر الصحافي اعترافه بشرعية يانوكوفيتش ووصف ما جرى بانه استيلاء مسلح على السلطة من قبل المعارضة،  وإن تولي السلطات الجديدة مقاليد الأمور أمر غير دستوري.
وذكر بأن يانوكوفيتش سلم السلطة للمعارضة بموجب اتفاقية شباط  (فبراير) الماضي، وأمر قوات الأمن بالانسحاب من ميادين العاصمة كييف لكن المعارضة استغلت الأمر للاستيلاء على المؤسسات الحكومية.
وقال بوتين إنه لا يقبل أي تغيير بأوكرانيا خارج إطار الدستور والقانون، داعياً إلى إعطاء الأوكرانيين بكل أقاليم البلاد الحق في تقرير مصيرهم بشكل متساوٍ، نافياً الشائعات التي تحدثت عن موت يانوكوفيتش الذي قال إنه التقاه بموسكو قبل يومين وهو بصحة جيدة.
وشدد على أن روسيا لن تعترف بنتيجة أي انتخابات تجري بأوكرانيا إذا ما أجريت في ظروف وصفها بانها ظروف «ارهاب»، وقال: «إذا ما أجريت في ظل مثل هذا الإرهاب الذي نراه الآن فلن نعترف بهم».
وذكّر بوتين بالشروط التي سبق ان تم تحديدها من اجل التفاوض لحل الازمة في اوكرانيا، والمتمثلة بشرطين اساسيين هما:
– تطبيق اتفاقية شباط (فبراير) بين الرئيس يانوكوفيتش والمعارضة والتي تتضمن اجراء إصلاحات دستورية وانتخابات رئاسية مبكرة وحكومة وحدة وطنية.
– إجراء حوار وطني أوكراني ومشاركة ممثلي كل المجموعات التي تعيش بأوكرانيا في مفاوضات دولية لحل الأزمة.

 التهديد الغربي
في المقابل تهدد الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بفرض عقوبات على روسيا على خلفية تدخلها في شبه جزيرة القرم جنوب أوكرانيا، وبعد حصول بوتين على موافقة المجلس الاتحادي بالتدخل في أوكرانيا عسكرياً إذا تطلب الأمر ذلك.
ال
ى ذلك، اعتبرت روسيا ان موقفها بخصوص الازمتين السورية والاوكرانية واحد، وانها وقفت وتظل تقف ضد تغيير السلطة السورية بالطريقة «غير المشروعة»، وشجبت تغيير السلطة في أوكرانيا، معتبرة أن ما يحدث انقلاب.
وابلغ فيتالي تشوركين أعضاء مجلس الأمن، أن روسيا تشدد على ضرورة أن يضمن المجتمع الدولي تنفيذ اتفاقية حل الأزمة الأوكرانية التي وقعها الرئيس الأوكراني فيكتور يانوكوفيتش وزعماء المعارضة في 21 من شباط (فبراي) بحضور وزراء خارجية ألمانيا وفرنسا وبولندا وممثل روسيا. ونصت هذه الاتفاقية على بدء الإصلاح الدستوري بمشاركة جميع المناطق الأوكرانية وتشكيل حكومة
وحدة وطنية من ممثلي جميع مناطق البلاد وجميع القوى السياسية.
وأبلغ السفير تشوركين أعضاء مجلس الأمن الدولي بأن الرئيس يانوكوفيتش طلب من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في 1 آذار (مارس) 2014 المساعدة في استعادة الشرعية. وقال: وفي اليوم عينه قدم بوتين طلباً إلى مجلس الشيوخ الروسي لاستخدام القوات المسلحة الروسية في أراضي أوكرانيا إلى أن يعود الوضع الاجتماعي – السياسي في هذا البلد إلى طبيعته.
واوضح ان المجلس قرر بعد التصويت بإجماع أعضائه السماح لرئيس الدولة باستخدام القوات المسلحة في أوكرانيا عند الضرورة. وقال تشوركين إن الرئيس بوتين لم يقرّر استخدام القوات المسلحة الروسية في أراضي أوكرانيا بعد.
وختم تشوركين بالتأكيد على «أن حياة الرعايا الروس المقيمين في أوكرانيا وحياة أفراد القوات المسلحة الروسية الموجودين في شبه جزيرة القرم طبقاً لاتفاق روسيا وأوكرانيا معرضة للخطر».

سفن روسية
في تلك الاثناء، تشير تقارير رصد عالمية الى ان بعض السفن الحربية الروسية عبرت مضيق البوسفور التركي متوجهة الى البحر الاسود في طريقها الى اوكرانيا. وذكرت وكالة انباء الاناضول الحكومية التركية انه تم استدعاء السفينتين 150 ساراتوف و156 يامال، بعد ان كثفت روسيا تحركها لتعزيز تواجدها العسكري في شبه جزيرة القرم الاوكرانية. ويعتبر ميناء سيباستوبول مقر اسطول البحرية الروسية في البحر الاسود منذ 250 عاماً. وقال الجيش التركي كذلك انه امر بتحليق ثماني مقاتلات من طراز اف-16  بعد رصد طائرة تجسس روسية تحلق في موازاة ساحلها على البحر الاسود.
وكانت تركيا، العضو في الحلف الاطلسي، اعربت مراراً عن مخاوفها على مصير اقلية التتار المتحدثين باللغة التركية في شبه جزيرة القرم التي كانت جزءاً من الامبراطورية العثمانية حتى غزوها من قبل روسيا في اواخر القرن الثامن عشر.
وبالتوازي، اتهم الحلف الاطلسي روسيا مجدداً بـ «انتهاك سيادة» اوكرانيا، الا انه قرر التباحث في هذه الازمة مباشرة مع السفير الروسي رغم تعليق واشنطن علاقاتها العسكرية مع موسكو.
واتهم الامين العام للحلف اندرس فوغ راسموسن في ختام اجتماع لسفراء الدول الـ 28 الاعضاء في الحلف، وهو الثاني حول الازمة في اوكرانيا في غضون ثلاثة ايام، اتهم روسيا بمواصلة انتهاك سيادة اوكرانيا. وقال راسموسن انه «على الرغم من الدعوات المتكررة للاسرة الدولية فان روسيا تواصل انتهاك سيادة اوكرانيا ووحدة اراضيها وتخل بالتزاماتها الدولية» معتبراً ان لهذه التطورات انعكاسات جدية على صعيد امن واستقرار منطقة اوروبا والاطلسي.
وقررت الدول الاعضاء في الحلف تعزيز تبادل المعلومات الاستخباراتية حول الازمة في اوكرانيا ودرس تداعياتها على الحلف بالتفصيل، بحسب مصدر دبلوماسي. الا ان المصدر اوضح انه «ليس من المقرر اطلاقاً ان يتولى الحلف دوراً عملانياً».

 مجموعة السبع
الى ذلك، قال البيت الابيض: إن مجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى في العالم أدانت تدخل روسيا في أوكرانيا وألغت في الوقت الحالي التحضيرات لعقد قمة مجموعة الثماني التي تضم روسيا، والتي من المقرر أن تعقد في سوتشي في حزيران (يونيو) المقبل.
وقالت مجموعة السبع في بيانها «نحن زعماء كندا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا واليابان والمملكة المتحدة والولايات المتحدة ورئيس المجلس الاوروبي ورئيس المفوضية الاوروبية» ننضم معاً اليوم لادانة الانتهاك الواضح للاتحاد الروسي لسيادة ووحدة أراضي أوكرانيا.
ودعت مجموعة الدول السبع روسيا لإجراء محادثات مع أوكرانيا لنقاش قضايا حقوق الانسان والقضايا الامنية. وقال وزراء المالية لمجموعة الدول السبع إنهم على استعداد لـ «تقديم دعم مالي قوي لأوكرانيا». وتحتاج اوكرانيا الى 35 مليار دولار في العامين المقبلين، حسب ما قالت وزارة المالية. ويأتي هذا الموقف من جانب مجموعة الدول السبع الكبرى بينما يواصل الجيش الروسي احكام قبضته على شبه جزيرة القرم. وتتهم الحكومة المؤقتة في أوكرانيا روسيا بإعلان الحرب واصدار الامر الى قواتهم المسلحة بالتأهب.
من جهته، ندد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في جنيف بالتهديدات بفرض «عقوبات» على روسيا و«مقاطعتها»، في اعقاب تدخل موسكو في اوكرانيا، حيث يبحث الغربيون في سحب مقعدها من مجموعة الثماني.
وصرح لافروف ان «الذين يحاولون تفسير الوضع على انه اعتداء ويهددون بالعقوبات والمقاطعة هم انفسهم الذين شجّعوا بشكل ممنهج على رفض الحوار، وشجّعوا اخيراً على قيام هذا الاستقطاب في المجتمع الاوكراني». وورد كلام لافروف هذا في كلمة القاها خلال افتتاح الجلسة السنوية الرئيسية لمجلس حقوق الانسان في الامم المتحدة. وكرر وزير الخارجية الروسي اتهام الحكومة الاوكرانية الجديدة بالانتقام من الاقليات.
الملف بمجمله، وعلى رغم توقعات بانه سيوجه الانظار عن بعض عناصر الملف السوري، الا انه – وفقاً لبعض التحليلات – يتوقف عند كم من الضوابط ابرزها ان التدخل العسكري الروسي في مجريات المواجهة يبقى امراً ممكناً. اما المواجهة مع الغرب فمن المؤكد ان تبقى سياسية. وانه من المحتمل ان تمتد الازمة الصامتة الى فترة طويلة.

احمد الحسبان

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق