سياسة لبنانية

مؤتمر البيال: «صرخة في الفراغ» واصطدام بين السياسة والاقتصاد

قالت الهيئات الاقتصادية في لبنان كلمتها ضد «الفراغ والتعطيل» وأطلقت تحركاً وتحذيراً تحت عنوان «معاً ضد الانتحار»، بهدف حث المسؤولين والأطراف السياسية على انتخاب رئيس للجمهورية ووقف التعطيل وإعادة العمل الى مؤسسات الدولة وفي مقدمتها الحكومة ومجلس النواب، لأن التعطيل يؤدي الى انهيار المؤسسات الحكومية، ما سيؤدي الى ضرب الحياة والمؤسسات الاقتصادية وتقويض قدرتها على الصمود… هذا التحرك الاقتصادي ليس الأول من نوعه ولكنه الأول في حجمه لأن المشاركة فيه لم تقتصر على الهيئات الاقتصادية فقط، وإنما تشمل هيئات نقابية وعمالية (الاتحاد العمالي العام والمهن الحرة)، إضافة الى هيئات المجتمع المدني، وأريد له أن يكون لقاء وطنياً جامعاً وعابراً لكل الانتماءات السياسية والقطاعية وحتى الطائفية…  ولكن ما أريد لـ «لقاء البيال» أن يكون عليه، لم يكن مطابقاً ومنسجماً مع ما آل إليه وما يحدث على أرض الواقع من تداخل بين الاقتصاد والسياسة، بحيث يصعب إحداث فصل وفك ارتباط بينهما، وتجد الهيئات الاقتصادية نفسها في مبارزة ومواجهة، لم تخطط لها ولم تسع إليها على هذا النحو المباشر والمكشوف، مع العماد ميشال عون…


قالت الهيئات الاقتصادية إن تحركها موجه ضد الطبقة السياسية ولا تستهدف فريقاً أو شخصاً… ولكن العماد عون رأى أنه هو المستهدف أكثر من غيره وربما لوحده، وأن هذا التحرك «مسيّس» وتوقيته ليس بريئاً في عز احتدام معركته السياسية مع تيار المستقبل وداخل الحكومة وبهدف «لي ذراعه» وإجباره على التراجع تحت وطأة الضغوط الاقتصادية وأزمة الفراغ والتعطيل التي تلقى عليه مسؤوليتها واستقرت كرتها في ملعبه.
قالت الهيئات الاقتصادية إن الوضع الاقتصادي المتراجع في كل مؤشراته وقطاعاته وبدأ يقترب من الخط الأحمر هو الدافع الى إطلاق هذه الصرخة التحذيرية. وفي لغة الأرقام فإن الأشهر الخمسة الأولى من العام 2015 سجلت تراجعا في قطاع الزراعة بنسبة 45 في المئة مع توقع تراجع أكبر مع توقف التصريف الزراعي عن طريق البر، وتراجعا في قطاع الصناعة بنسبة 32 في المئة، وفي السياحة بمعدل 38 في المئة، وفي التسليفات الممنوحة من شركة «كفالات» بمعدل 38 في المئة، فيما تعاني 35 في المئة من اليد العاملة من البطالة و14 في المئة من مؤسسات الوسط التجاري أقفلت أبوابها خلال عام… ورد عون، عبر تكتله ومصادره، بلغة الأرقام أيضاً مقدماً صورة «ليست كارثية» ويغلب فيها التفاؤل على التشاؤم، استنادا الى حجم الاقتصاد (138 في المئة منذ عشر سنوات) وحجم الودائع المصرفية (150 مليار دولار) والتسليفات المصرفية (50 ملياراً) ومعدل النمو (2،5 في المئة وهو رقم جيد قياساً الى المحيط). أما الوجه الآخر السلبي للأرقام (الدين العام وخدمة الدين وإيرادات الدولة والهدر المالي والتهرب الضريبي)، فإنه نتاج وتراكم سياسات وسنوات سابقة…
لا يكتفي عون بالأرقام وإنما يرد في السياسة أيضاً معتبراً أن لقاء البيال منسق بين بري والحريري اللذين يمارسان ضغطاً مشتركاً عليه للتنازل عن التعيينات وعن ورقة تعطيل الحكومة، وإعطاء الضغط السياسي قوة دفع وتدعيمه بـ «ضغط اقتصادي ومالي». ويستند عون في اتهامه السياسي الى أدلة حسية:
– «تغريدة» الرئيس سعد الحريري الذي دخل على خط مؤتمر البيال داعماً وراعياً في إطار تأكيد الشراكة بين الهيئات الاقتصادية والطبقة السياسية.
– اللقاء الذي عقد عشية المؤتمر بين وزير المال علي حسن خليل ووفد مصغر من الهيئات الاقتصادية، وما قيل بعده عن تناغم بين الطرفين في مقاربة تحديات هذه المرحلة…
– مشاركة الاتحاد العمالي العام في التحرك (مقابل مقاطعة هيئة التنسيق النقابية)، وحيث تعتبر أوساط عون أن «الاتحاد» واقع تحت تأثير الرئيس بري ويتحرك بإيعاز وضوء أخضر منه.
في الواقع يمثل مؤتمر البيال ضغطاً إضافياً على الرئيس تمام سلام أكثر من أي شخص أو فريق آخر، وهو المحاصر بين فكي كماشة: من جهة الضغوط السياسية المعززة اقتصادياً لعقد جلسات للحكومة ودعوتها الى العمل… ومن جهة ثانية السد السياسي الذي يرفعه عون بدعم كامل من حزب الله والذي يجعل أن الحكومة ستبقى معطلة ومجمدة حتى يحين موعد فتح ملف التعيينات في قيادة الجيش… يمكن للرئيس سلام أن يوجه دعوة لجلسة حكومية، ومن المؤكد أن هذه الجلسة ستنعقد بحضور كل الوزراء، ولكن من المؤكد أيضاً أنها لن تكون قادرة على اتخاذ قرارات… ونحن عملياً أمام حكومة تصريف أعمال من دون استقالة، لأن استقالة الحكومة ممنوعة سياسياً وغير ممكنة دستورياً، فليس هناك من رئيس جمهورية يقبل الاستقالة ويسمّي رئيساً مكلفاً لحكومة جديدة…

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق