تحقيقرئيسي

كوني إمرأة وافعلي…

في الظاهر هي المرأة التي استحقت حقوقها كافة، كيف لا وهي الحاضرة في كل مكان وزمان، تراها في المجلس النيابي، في ساحات الاعتصام كما في ساحات الوزارات، وصولاً الى مراكز القيادة في القطاع الخاص. وفي الظاهر ايضاً هي المرأة الأكثر تحرراً في محيطها العربي. لكن في الأرقام لا تزال المرأة اللبنانية خارج هامش الحقوق والمكتسبات، وما أعطاها اياه القانون باليمين، سُحب منها باليسار من خلال قانون الأحوال الشخصية. فاذا خرجت من منزل ذويها تكون محكومة بقرارات الزوج، واذا انتفضت على حقها يكون مصيرها الطلاق ووصاية الأولاد للزوج حكماً، وحتى اليوم لا قانون يحميها من التعنيف الأسري، كما لا يحق لها اعطاء الجنسية لأولادها. أما حضورها في المجلس النيابي فلا يتجاوز 2 في المئة أي أقل من أي دولة في افريقيا الشمالية. وكل خطوة حماسية في اتجاه الترشح تقابل بجملة واحدة: «شو خلصوا الرجال؟!» انها تاء التأنيث مع وقف التنفيذ في مناسبة يوم المرأة العالمي…

في مفهوم الحداثة الشكلية هي حتماً متفوقة على بنات جنسها في محيطها العربي. صح إن المرأة اللبنانية دخلت معترك الحياة النيابية والبلدية والنقابية، وتبوأت مناصب القرار في مؤسسات القطاع الخاص وارتدت أرقى الملابس وأكثرها عصرية وقفزت فوق الكثير من الحواجز والمنعطفات لتثبت للآخرين قبل نفسها أنها تتساوى مع الرجل. لكنها في الواقع القانوني تعلم أكثر من سواها أنها مخدوعة وحقوقها مسلوبة. كلام قد لا يقنع فئة كبيرة من النساء اللواتي تخطين حدود المجتمع الذكوري ويتعاملن مع الواقع من منطلق الكفاءة الذاتية> بغض النظر عما يتردد وراء الأبواب أو ما يصدر من وشوشات على قاعدة «شو خلصوا الرجال؟!». لكن هذه القاعدة تختلف بين مجتمع وآخر وما يصح في البيئة المدينية لا ينسحب على البيئة الريفية. ومن هناك تبدأ حكاية تاء التأنيث المخدوعة والمعنفة والمغشوشة.

خدعت؟!
علماء الإجتماع يقرون بأن المرأة اللبنانية تعرضت للخديعة من قبل الدولة اللبنانية. فصحيح أنها نالت حقوقها السياسية من إنتخاب وترشح: منذ خمسينيات القرن الماضي، لكن هذه الحقوق لا تعدو كونها حقوقاً شكلية. حتى حق الإنتخاب يبقى في كثير من الأحيان خاضعاً لإرادة ذكورية، علماً بأن المادة السابعة من الدستور نصت على المساواة بين جميع اللبنانيين. فهل يجوز بعد الكلام عن مساواة في ظل قوانين تخالف مضمون الدستور، من تمييز في العقوبات والزواج والطلاق والميراث وأجور العمل؟!
رئيسة اللجنة الأهلية لمتابعة قضايا المرأة والباحثة في الفكر السياسي وعلم الإجتماع الدكتورة فهيمة شرف الدين، تؤكد بأن المرأة اللبنانية استحقت المساواة التي منحها إياها الدستور باليمنى ثم سلبها إياها باليسرى من خلال قانون الأحوال الشخصية، وتضيف: ثمة من يقول إن المرأة تساوت مع الرجل من خلال توقيعها مع الرجل على عقد الزواج، كما استحقت شهادات التعليم والتمثيل السياسي. لكن الحقيقة أن قانون الأحوال الشخصية يجعل من المرأة ليس فقط في موقع أدنى من الرجل، إنما أيضاً يجعلها تابعة له. فهي الخادمة والمربية. وعند وقوع أي نزاع – وهذا طبيعي داخل الأسر – ويحصل الطلاق تفقد المرأة حقها في الوصاية والولاية والتربية، في حين يحق للرجل الإحتفاظ بكل شيء حتى بالأولاد، على رغم بعض التعديلات التي دخلت على قانون الوصاية. لكنها تتمايز بين طائفة وأخرى. والمؤسف وفق الدكتورة شرف الدين ان «القانون يفضل إعطاء وصاية الأولاد لأب منحرف وليس للأم المسحوقة في حقوقها».

هي الأضعف… والافقر
صرخات امرأة القرن الواحد والعشرين في لبنان تتركز اليوم على حقها في كوتا نسائية وقانون يحميها من العنف الأسري ويمنحها الحق في إعطاء الجنسية لأولادها، حقوق ملحة وتستحق، وما ترويه إختصاصية في علم الإجتماع تؤكد على وجود نساء معنفات وخاضعات لأحكام الرجل أو أخريات يعشن القلق بسبب حملهن جنينا انثى لأن الزوج وأهله يريدون «الصبي»؟ صدقوا. كل هذا موجود وإن كانت المظاهر تثبت العكس تماماً. أما على المستوى السياسي فتشير شرف الدين الى أن المرأة اللبنانية نالت حقوقها في العام 1953 لكنها لا تزال الأضعف في المجال السياسي. فتمثيلها لا يشكل أكثر من نسبة 3،2 في المئة أي أقل حتى من نسبة تمثيل المرأة في برلمانات أفريقيا الشمالية.
تفترض معايير المرأة العصرية أن تكون المرأة متعلمة وعاملة وتهتم بأناقتها وتتمتع بثقافة، ولديها حقوق كاملة. لكن هذا لا يعطيها صفة «الحرية» إن لم تكن تتمتع بحرية كاملة في ظل ما يعرف بالاستقلال المادي، لكن حتى لو تمتعت بهذه الصفة تأتي الأسرة لتصادر منها استقلاليتها المادية سواء أكانت داخل أسرتها أو بيتها الزوجي. وتضيف شرف الدين. صحيح أن المرأة تبوأت مناصب عالية لكن الحق دائماً مع الرجل وهو صاحب الثروات ومالكها. وهذه النتيجة التي تتحدث عنها شرف الدين هي نتيجة خلاصة إحدى الدراسات التي وضعتها الأمم المتحدة وأظهرت أن أكثر الفئات فقراً في المجتمع هي فئة النساء ومن هنا كان مفهوم تأنيث الفقر. أما إذا دخلنا في صلب الشكليات فلا أحد يزايد على المرأة اللبنانية في تماشيها مع الموضة والعصر، سواء في الأزياء أو في عمليات التجميل «لكن هذا لا يتجاوز إطار الحداثة الشكلية. وعندما تقرر هذه الفتاة المتحررة أن تتزوج تعود إلى نظريات أمها وتخضع لذكورية المجتمع». وهذه الحداثة الشكلية تنطبق حتى على القوانين «الكل يدعونها إلى الترشح لأنه في قرارة نفسه يدرك أن الرجل لن يعطيها الفرصة للوصول.. وإذا تجرأت يقولون: «من قلة الرجال، أو ما بقا في رجال بالعيلة؟!» وهذه المقولة كافية لتردد غالبية النساء، خصوصاً الخاضعات لمفهوم المجتمع الذكوري في خوض تجربة الترشح. وتختم شرف الدين: «مع إحترامي وتقديري لكل النائبات ونضالهن على مستوى مشاريع القوانين المتعلقة بحقوق المرأة، لكن سمي لي نائبة واحدة ليست بأخت نائب سابق أو زوجة زعيم أو نائب  أو إبنة؟ من هنا لا حل إلا في الكوتا النسائية، وتعديل قانون الأحوال الشخصية.

اول رئيسة حزب
في مصر نزلت المرأة إلى الشارع وخاضت ثورتها إلى جانب الرجل لكنها بقيت المرأة التي عاشت ظروفاً مأساوية، فتعرضت للضرب والإغتصاب والتعنيف فقط لأنها إمرأة. وفي دول اخرى تمكنت من تبوؤ المراكز السياسية، ومع ذلك لا تزال المرأة ملحقاً للرجل وتعيينها لا يعني أنها أصبحت تشارك الرجل في جميع الحقوق المدنية والسياسية. في لبنان الأمر يختلف والدليل التجربة الرائدة التي خاضها حزب الخضر في ترشيح إمرأة لمنصب رئاسة الحزب وفوزها كأول رئيسة حزب في لبنان، «قد يفترض البعض أنها لا تزال بعيدة عن تبوؤ منصب رئيسة حزب سياسي لكن السياسة تنساب في كل شيء. في النهاية عليها أن تسعى وتناضل بدلاً من أن تقف عند الباب وتنتظر»، موقف جريء ولافت لرئيسة حزب الخضر ندى زعرور التي رشحها حزبها للإنتخابات النيابية انطلاقاً من «ذهنية أعضاء الحزب في لبنان والعالم التي لا تميز بين الذكر والأنثى وقضيته هي الإنسان والأرض». إنطلاقاً من ذلك «نسعى إلى إيصال المرأة إلى مواقع القرار». لكن هل يحتاج ذلك إلى مساع حثيثة؟ تجيب زعرور: «أمور كثيرة تحول دون وصول المرأة إلى مواقع القرار. هناك اولاً ذهنية المجتمع الذكوري والقوانين التي تقف حاجزاً أمامها. نحن خرقنا القانون وكنا رائدين  من خلال انتخاب إمرأة لرئاسة الحزب وترشيحها. وهنا لا بد من التركيز على دور الحزب سياسياً كان أم بيئياً في دعم المرأة للوصول لأنها لن تتمكن من الوصول منفردة.
ولا تنفي زعرور أن المسألة تحتاج إلى مرحلة إنتقالية حتى تتمكن المرأة من أن تفرض نفسها في المجتمع كما في مواقع القرار، لكن هذا لا ينفي ضرورة تمتع المرأة بالقدرة والكفاءة «عليها أن تبذل مجهوداً شخصياً إلى جانب دعم الحزب أو الكتلة النيابية وأن تفرض على رؤساء الأحزاب فكرة تمثيلها فلا يقتصر دورها على التشريفات أو تنظيم الإحتفالات والرعاية الإجتماعية».

المطلوب: كوتا نسائية
«في القطاع الخاص نافست المرأة اللبنانية الرجل وتفوقت عليه لكنها في المجال العام والسياسي لا تزال متأخرة جداً وأي خطوة من قبلها تواجه بالصد لأن ذهنية المجتمع الذكوري لا تتقبل فكرة تفوق المرأة على الرجل إن في الإنتخابات البلدية أو الإختيارية أو حتى النيابية» تقول زعرور لافتة الى أن إحصاءات الأمم المتحدة أثبتت أن وجود المرأة في الإدارات العامة يحد من نسبة الفساد لأن المرأة لا تساوم في مواقع القرار. و«لأن المرأة في لبنان لا تدخل السياسة إلا من باب كتلة نيابية أو حزب، فمن الضروري أن تشتغل على نفسها لتستحق صفة المنافسة الحقيقية للرجل. وإذا شعرت بأنها مهمشة داخل حزبها أدعوها للإنتساب إلى حزب الخضر». وعن مقاربتها لدور المرأة العربية في عالم السياسة أكدت زعرور أن «المرأة هناك تصل من خلال التعيين وليس من خلال عملية انتخابية، ولا يزال ينقصها الكثير لتنال حقوقها وتتحرر من ذهنية المجتمع الذكوري الطاغي بشكل أكبر مما هي الحال في لبنان. من هنا لا يمكن التوقف عند تمثيل المرأة العربية في البرلمانات أو مشاركتها الرجل في الإدارات العامة. أما في لبنان فمطلبنا واحد، كوتا نسائية وإن كان البعض يفترض أنها مجحفة في حق النساء لكنها على الأقل تضمن حق وصول المرأة إلى البرلمان من خلال عملية إنتخابية».

تاء التأنيث مع وقف التنفيذ
واضح أن مناسبة يوم المرأة العالمي توقظ الكثير من المحطات وتتحول إلى مناسبة لإطلاق الدعوات واستذكار حقوق المرأة. فتكر الخطابات والإحتفالات وتبقى تاء التأنيث مع وقف التنفيذ. فهل حققت المرأة العربية ما يمكن التوقف عنده في مجتمعاتها؟ وهل هناك من يحول دون تحقيق ذلك؟
الصورة ليست سوداوية بحسب الناشطة في المجتمع المدني رانيا بارود، وتقول: «في لبنان لا يمكن التمييز بين النضال الإجتماعي والعمل السياسي. وإذا ما قارنا بين نسبة النساء المرشحات قبل عشرة أعوام واليوم لا سيما في الإنتخابات البلدية نلاحظ أنها تخطت نسبة الـ 150 في المئة. أما على مستوى المجتمع المدني فهناك حراك والكل يسعى من خلال الأحزاب أو الكتل النيابية إلى اختيار شخصيات نسائية بهدف ترشيحها للإنتخابات النيابية. كل هذه المؤشرات تثبت أننا مقبلون على مرحلة تكون فيها المرأة شريكاً للرجل في المعترك السياسي. لكن هذا لن يكون من خلال صفتها كإمرأة إنما لأنها عنصر فاعل في المجتمع ويتمتع بالكفاءات العلمية والثقافية». والكلام «ليس من باب العنصرية» بحسب بارود:
«فنحن لسنا ضد جنس الذكور وكما أن هناك رجالاً سيئون وآخرين فاعلون، كذلك الحال بالنسبة إلى النساء».
«ليس المطلوب أن تتخلى المرأة عن أنوثتها لتصل إلى مراكز القرار» تقول رانيا بارود مستندة بذلك إلى تجربتها النضالية في مجال إقرار قانون منع التدخين في الأماكن العامة «يومها لم نتخل عن صفتنا الأنثوية وهذا ضروري لأننا في ذلك نثبت قدرتنا على تحقيق ما نريد». ولفتت إلى أن الصفات الأنثوية التي تتمتع بها المرأة تساعدها في مكان ما، على التفوق على الرجل، ومن أبرز هذه الصفات: المثابرة والقدرة على التأقلم مع الظروف، مشيرة الى انه حتى في المجال السياسي لا يمكن استثناء دور النائبات، علماً بأن الرأي العام (وتحديداً فئة الإناث) ينظر إليهن من زاوية المرأة البحت ويتوقف عند الشكل من دون أن يقصر في مجال اتهامهن بالتقصير وعدم القيام بأي خطوة أو عمل تشريعي. «لكن حتى هذه النظرات لا تعود مهمة ويجب عدم التوقف عندها لأن كفاءات المرأة وإصرارها كفيلان في تحويلها ووصولها إلى صوت الضمير في آذان كل من قرر أن يصم أذنيه عن سماع صوت الحق أو ان يغمض عينيه عن مشهد المرأة المناضلة في المجتمع. في النهاية نحن من يفرض نظرياتنا على الآخرين وليس العكس».

نساء الثورات العربية
ويبقى موضوع المرأة العربية بعد الثورة الأكثر جدلاً في الساحة الفكرية التنظيرية، خصوصاً بعد وصول التيارات الإسلامية إلى السلطة. فهل يحق السؤال بعد عن مكاسب المرأة سياسياً وحقوقياً ورمزياً في ظل هذا الحراك العربي؟ وهل نالت المرأة نصيبها من الحرية والكرامة اللتين ضحت من أجلهما؟
الثابت أن العقبات التي تحجز التطور الطبيعي لحقوق النساء ما زالت قائمة، وازدادت مع الربيع العربي بفعل حالة الانفتاح والحرية التي ضمنها لكل التيارات الدينية التي ظلت تنشط على هامش الحقل السياسي. ففي مصر مثلاً، حيث كانت المرأة في طليعة الثورة، صدر تقرير حقوقي عن مركز أولاد الأرض لحقوق الإنسان، كشف عن وجود ارتفاع حاد في العنف ضد المرأة في مصر بعد الثورة. ويشكل العنف الأسري النسبة الأكبر حيث بلغت نسبة حوادث القتل بسبب شبهة سوء سلوك المرأة 59،4 في المئة، وحل الاغتصاب في المرتبة الثانية بنسبة 20 في المئة بسبب الانفلات الأمني. وإذا كانت جائزة نوبل للسلام التي حصلت عليها توكل كرمان تقديراً واعترافاً بالمشاركة الفاعلة للنساء في الربيع العربي، فإن الواقع السياسي الذي أفرزته الثورة تنكر لها.
نعود إلى الدكتورة شرف الدين لنسأل: هل المطلوب تغيير كل القيم المتعلقة بوضع المرأة؟ تجيب شرف الدين: «لا يمكن ان يتغير وضع المرأة الا اذا تم العمل على صورة اخرى لها تضعها على حدود المساواة مع الرجل، وهذا يتطلب عملاً ضنيناً على المستوى الثقافي. صورة المرأة لا تزال محاصرة في إطار الصفات التقليدية  وهي بعيدة عن قدراتها وأفعالها. فهل يصل اليوم الذي يمكن أن تلغى فيه صفة التمييز عن تاء التأنيث من دون إلغاء صفة أنوثتها؟ المسألة بعيدة ولا ترتبط فقط بمحطة سنوية وتاريخ 8 آذار (مارس) العالمي

جومانا نصر
 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق