سياسة عربية

طرابلس: شبح الحرب الاهلية يخيم على ليبيا

احداث كثيرة، ومتعددة، شهدتها الساحة الليبية، انتهت الى تصنيفها ضمن اطار الدول التي تفتقد الأمن. فبدءاً من سلسلة الاغتيالات التي تتواصل على الارض الليبية، والعمليات الانتحارية، وحصار الوزارات والدوائر الرسمية والبرلمان، وانتهاءً بخطف رئيس الوزراء والتحقيق معه… كلها احداث دفعت بالتصنيف الامني للبلاد ضمن اطار الدولة التي لا امن فيها ولا امان. هذه الاحداث دفعت في الوقت نفسه بالحكومة المؤقتة الى التفكير الجاد بطلب المساعدة في بناء نظام امني، مع ادراكها صعوبة ذلك المطلب ما لم تحدث ثورة جديدة، وعلى شكل احتلال شبه كامل يعيد الامور الى نقطة الصفر، ويجرد التنظيمات التي يزيد عددها عن عدد ايام السنة من كل عناصر القوة والسلاح، ليبدأ انشاء المؤسسات الامنية من جديد.

الان، وبعد مرور سنتين على سقوط نظام معمر القذافي، يخيم شبح الحرب الاهلية على ليبيا، حيث تفرض الميليشيات المسلحة نفوذها وتحول دون بناء دولة مستقرة. فعندما اعلن الثوار تحرير البلاد من قبضة نظام معمر القذافي في 23 تشرين الاول (اكتوبر) 2011 بعد ثلاثة ايام على مقتل الزعيم المخلوع الذي حكم ليبيا زهاء اربعين عاماً، كان الليبيون يحلمون بأن تصبح بلادهم الغنية بالنفط بمثابة دبي جديدة. اما اليوم فبات هاجس السيناريوهين الصومالي والعراقي يسيطر عليهم.
واللافت هنا ان الثوار السابقين الذين قاتلوا النظام السابق خلال ثمانية اشهر من النزاع، والذين كانوا يحملون كل الآمال، اصبحوا بعد بضعة اشهر مصدر كل مصائب البلاد والفوضى السائدة فيه.

ميليشيات الثوار
فبعد أن كلفتهم السلطات الانتقالية بتولي امن المنشآت الاستراتيجية في البلاد وحدودها بعد انهيار كل المؤسسات في العام 2011، شكل هؤلاء الثوار السابقون الذين غرفوا من الترسانة العسكرية للنظام السابق، مجموعة من الميليشيات، وتولوا مهام الجيش والشرطة.
الا أن قسماً من هذه المجموعات المسلحة تدربت على اسس ايديولوجية كما هي الحال بالنسبة للسلفيين من انصار الشريعة. لكن آخرين يعتبرون مستقلين متجذرين في منطقتهم أو حتى عشيرتهم مثل ميليشيات الزنتان ومصراته.
ومعظم هذه المجموعات المدججة بالسلاح ملحقة رسمياً بوزارة الداخلية أو وزارة الدفاع لكنها لا تخضع في الواقع سوى لقادتها ومصالحها وتتهم بانتظام بارتكاب انتهاكات لحقوق الانسان. وجاء خطف رئيس الوزراء في العاشر من تشرين الاول (اكتوبر) على يد ميليشيا «شبه رسمية» ليظهر هشاشة السلطة المركزية في مشهد سياسي مشرذم ومعقد، حيث غالباً ما تعلو الولاءات والخصومات المحلية والقبلية والايديولوجية على الانقسام بين الاسلاميين والليبراليين. حيث تقع اشتباكات بصورة منتظمة بين الميليشيات أو القبائل، لا سيما في اطار نزاع من اجل السيطرة على حركات التهريب على الحدود. ولشراء السلام، وزعت السلطات الانتقالية بشكل مكثف ملايين الدولارات على عشرات الميليشيات، مما اتاح المجال امام بروز انحرافات تمثلت بتأسيس مافيات معروفة.
وعندما تتوقف الحكومة عن توزيع «المكافآت» أو تسعى الى حل الميليشيات، فإن الاخيرة لا تتوانى عن مهاجمة مؤسسات الدولة وخطف مسؤولين أو تعطيل مواقع نفطية.

عجز السلطات
وفي هذا الاطار، تقوم ميليشيات كانت مكلفة بحراسة منشآت نفطية بوقف عمل مصافٍ نفطية منذ اسابيع عدة في شرق ليبيا، مما تسبب بخسارة تقدر حتى الان بستة مليارات دولار. وتبدو السلطات من جهتها عاجزة امام تنامي قوة الجماعات المتطرفة خصوصاً في شرق البلاد الذي يشكل مسرحاً لاغتيالات عناصر امنية واعتداءات على مصالح وممثليات دبلوماسية غربية. من هنا احيت ليبيا الغارقة في الفوضى والعنف الذكرى الثانية لسقوط نظام معمر القذافي من دون احتفالات أو حماسة كبرى. ولم يتم الاعلان عن أي برنامج احتفالات رسمي لإحياء ذكرى «تحرير البلاد» من النظام السابق، واكتفت الحكومة الليبية باصدار بيان هنأت فيه الشعب «بمناسبة الذكرى الثانية لتحرير ليبيا، وخلت الشوارع من أية مظاهر احتفالية».
في تلك الاثناء، اعلن الحلف الاطلسي قراره ارسال مستشارين الى ليبيا لمساعدة طرابلس على تعزيز مؤسستها الدفاعية في اطار حالة انعدام الامن المثيرة للقلق.
وقال الامين العام للحلف الاطلسي اندرز فوغ راسموسن في بيان ان الحلف «قرر الاستجابة لطلب رئيس الوزراء الليبي المتعلق بتقديم الحلف ارشادات حول انشاء مؤسسات دفاعية». وقدمت الحكومة الليبية هذا الطلب في حزيران (يونيو) مع الصعوبات المتنامية لتوفير الامن، بعد قرابة سنتين من العملية الجوية التي شنها الاطلسي، وادت الى سقوط نظام معمر القذافي. وسيشكل الحلف الاطلسي «فريقاً استشارياً صغيراً» سيتوجّه بانتظام الى ليبيا لتقديم النصائح للسلطات، كما اوضح مسؤول في الحلف الاطلسي، الذي يتخذ من بروكسل مقراً له. واوضح الحلف في البيان ان بعثته ستعمل بالتنسيق الوثيق مع المنظمات الدولية الاخرى، وستكون مكملة لعملها. واطلق الاتحاد الاوروبي اخيراً مهمة مدنية ترمي الى تأهيل الجهاز البشري المكلف مراقبة الحدود البرية والبحرية والجوية. وعلى اثر خطف رئيس الوزراء علي زيدان لساعات في العاشر من تشرين الاول (اكتوبر) الماضي، وصف راسموسن الوضع في ليبيا بانه «مثير للقلق». من جانب آخر، تندلع مواجهات قبلية دامية بانتظام لا سيما للسيطرة على التهريب أو اثر خلافات. فقد جرت مواجهات في مناطق الزاوية والعجيلات على بعد عشرات الكيلومترات غرب طرابلس بعد خطف سكان من الزاوية.
وتملك الجماعات المسلحة في ليبيا نفوذاً كبيراً يحول دون بناء دولة مستقرة، في وقت كان يحلم الليبيون أن تصبح بلادهم الغنية بالنفط بمثابة دبي جديدة، لكن ما يخشونه الآن هو اندلاع حرب أهلية في بلد غير مستقر. ويثير هذا الوضع مشاعر متناقضة لدى الشارع الليبي، خصوصاً الذين كانوا يبنون آمالهم بان تتحول البلاد الى دولة ديمقراطية تحترم الفرد، بدلاً من الوصول الى حافة حرب اهلية كما هو الحال راهناً.
الى ذلك، وصف رئيس الوزراء علي زيدان الوضع العام في البلاد بأنه نوع من «السباحة عكس التيار»، مشيراً الى أن قوى عدة تعوق بناء الجهاز الامني للدولة. لكنه لا يزال يحتفظ ببعض التفاؤل متوقعاً مستقبلاً زاهراً، ومعتبراً أن الوضع في ليبيا افضل من الوضع في بلدان أخرى امتنع عن تسميتها. في تلك الاثناء، وعلى الرغم من حالة الفوضى، وجه القضاء الليبي اتهامات رسمية الى المسؤولين الرئيسيين في نظام معمر القذافي السابق ومن بينهم نجله سيف الاسلام ورئيس المخابرات عبدالله السنوسي بقمع ثورة 2011. وستكون محاكمتهم بعد اربعة عقود من السلطة الاهم في تاريخ ليبيا.

طرابلس – «الاسبوع العربي»

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق