أبرز الأخبارملف

الأمن سائب ، البلد في مهب الريح والسياح هربوا.. النكسة!!!

كنا نسمعهم يقولون البلد على كف عفريت، والآتي أعظم. لم نفهم حتى سمعنا اصحاب القطاعات الاقتصادية يصرخون. فالمعابر البرية شبه مقفلة واذا فتحت بعد طول غياب، تكون كلفة الشحن مضاعفة هذا اذا وصلت. أصحاب الفنادق دقوا جرس الانذار ونعوا الموسم السياحي. السياح العرب والخليجيون التزموا بقرار حكوماتهم بعدم المجيء الى لبنان. المقاولون ينادون بالجملة والمفرق على مشاريعهم. بعض شبابيك المهرجانات أسدلت الستارة، والبعض الآخر وضع يده على قلبه. في اختصارالبلد سائب. ومن هذا الواقع تتشرع الأبواب على كل ما يمكن أن يدور في الهوامش: فوضى، فلتان امني، فراغ سياسي وهرطقة في المؤسسات الدستورية. والأهم من ذلك كله، انهيار إقتصادي على المستويات كافة. قلتم البلد سائب؟ هذه هي النتائج…

عندما اندلعت الأزمة السورية في آذار (مارس) 2011 افترض البعض أن الشظايا التي ستطاول لبنان ستبقى محدودة، أو أشبه بغيمة عابرة. لكن عمرالأزمة امتد فكان من الطبيعي أن يكون لتداعياتها التأثير المباشر على الوضعين الإقتصادي والإجتماعي. لكن الأمن أولوية فهل يكون مدخلاً لإشعال الأخضر واليابس أم جرس إنذار لحال الإنهيار الإقتصادي؟
الخطوط الحمراء صارت واضحة المعالم، ولا شيء يمنع من حصول انفجار طالما أن البلد على كف عفريت في ظل فلتان أمني شكل سابقة في تاريخ الجمهورية. قد يكون هذا المشهد عادياً بالنسبة إلى اللبناني، لكنه بالنسبة إلى السائح العربي والأجنبي والمغترب اللبناني مشهد غير عادي ولا يشجع حتى الذين تعودوا على زواريب السياسة والأمن في لبنان. وما تأمله اصحاب الفنادق والمؤسسات السياحية  في أن تكون الصيفية جيدة ومفعمة بالهدوء والاستقرار، سحقته الأحداث الأمنية، مما انعكس سلباً على الوضع الاقتصادي ولا سيما الوضع السياحي الذي دخل غرفة الإنعاش بعد سلسلة إنذارات. والواضح أن أي علاج، لن ينفع خصوصاً بعد تجديد تحذير الدول العربية لرعاياها من المجيء الى لبنان.
لكن التحذير لا يعني حتماً المقاطعة الخليجية للبنان. فالحكومات الخليجية حذرت رعاياها من المجيء إلى لبنان على خلفية سلسلة من السلوكيات والمواقف التي بدأت مع أحداث طرابلس وعكار، وما تخللها لجهة بروز «أجنحة عسكرية» وعمليات خطف طاولت خليجيين وأتراكاً مقابل فدية.

 

القطاع السياحي يترنح
مسؤول في إدارة فندق «ريجنسي» أكد أن الكارثة أصابت القطاع السياحي الذي رفع الراية البيضاء وبات يترنح تحت عبء أرقام  لم يعرف مثيلاً لها منذ نحو أربعة عقود. فالمطاعم التي كانت تضيء شوارع العاصمة وضواحيها مطفأة في معظمها، والملاهي الليلية تنام وسط الأحياء على صراخ بعض الساهرين بعدما كانت تلعلع أصوات موسيقاها حتى ساعات الصباح الأولى. أما الفنادق فحدّث ومن دون حرج عن دخول بعضها سن التقاعد باكراً ومنها من أعاد هيكلة أقسامه للحد من الخسائر. والآتي أعظم كما يقول المسؤول.
ندخل وسط بيروت. المطاعم فارغة الى حد كبير الا من بعض الزبائن الذين يتشكلون في غالبيتهم من موظفي المكاتب الموجودة في المحيط. في حين تحضر مطاعم منطقة «زيتونة باي» عريضة تشكو فيها من هذا الوضع المتردي. واللافت أن بعض أصحاب المطاعم الكبيرة والشهيرة في لبنان يخشون الحديث عن أوضاعهم السيئة أو حتى التداول بأسمائهم في ما يخص امكان الاقفال. لكن الإستثناء وارد، فمطاعم شارع الحمراء كما اسواقها تعج ليلاً – نهاراً بالزبائن. ويرد المعنيون الأسباب الى طبيعة رواد هذا الشارع الشبابي المليء بالحياة، ووجود محال ترضي جميع الطبقات والأذواق. لكن مع ذلك هناك تراجع في نسبة الاقبال السياحي في الشارع المذكور، تخطت الـ 30 في المئة.
وتشيرأرقام نقابة المطاعم في لبنان إلى أن أكثر من 1500 مطعم فتح ابوابه خلال الأعوام الخمسة الأخيرة، ويتمركز الجزء الأكبر منها في بيروت الكبرى. لكن لم يتم تسجيل أكثر من  350 مطعماً. فالأزمة الإقتصادية وتردي الأوضاع الأمنية والسياسية دفعا بالغالبية إلى إعادة النظر في مشاريعهم السياحية التي كانوا يعولون فيها على السياح العرب والمغتربين. ووصل عدد المطاعم التي اقفلت الى نحو 300 مطعم . وإذا استمر الوضع على حاله خلال الصيف فان المطاعم ستشهد نكسة كبيرة بحسب بعض التقارير.

الغاء حجوزات
«بعد سقوط الصاروخين على منطقة الضاحية، فوجئنا بسيل من طلبات إلغاء الحجوزات»، يقول مدير فندق 5 نجوم في كسروان، على الرغم من الأسعار التنافسية المعتمدة في غالبية الفنادق الكبرى وتخفيض الأسعار بحيث أصبحت الأرخص على مستوى الشرق الأوسط، إذ تراجع سعر الغرفة أكثر من 20 في المئة، إلا ان حجوزات الصيف تقتصر حالياً على نسبة تتراوح بين 15 و20 في المئة، مقابل 40 و50 في المئة العام الماضي، والتي كانت متراجعة في دورها، عن العامين 2010 و2011، ولفت إلى أن عدداً من النزلاء في فندقه، اختزلوا مدة  إقامتهم، وحزموا حقائبهم وغادروا. ويوصف الواقع السياحي اليوم بالكارثي فـ «السياحة تقتصرعلى شرب فنجان قهوة ودعوة غداء لمرة واحدة في الشهر». من هنا لم يعد من داع لاحتساب الخسائر لأنه لا توجد حجوزات في الأصل لموسم الصيف.
«هي «شظايا» الانفجار السوري التي أطبقت على القطاع السياحي، الذي يشكل ركيزة الاقتصاد اللبناني». كلام صادر عن أمين عام المؤسسات السياحية جان بيروتي الذي اعتبر أن هذا الواقع السياحي الذي تعيشه المؤسسات السياحية شكل سابقة، «ففي عز الحرب الأهلية، لم يعرف القطاع السياحي مثل هذا «الكابوس» الذي يقض مضاجع مؤسسات عريقة وأخرى حديثة العهد وجدت نفسها بين «فكي كماشة». في المقابل لا ينفي نقيب أصحاب الفنادق بيار الأشقر الأخبار المتداولة عن اقفال بعض الفنادق، وامكانية اقفال فنادق أخرى خلال الفترة المقبلة. واذ توقع أن تتمكن المطاعم التابعة لشركات عالمية من استيعاب «النكسة»، أشار الى أن الفنادق التابعة للبنانيين ستكون الخاسر الأكبر، علماً بأن عدد الفنادق المسجلة في النقابة حتى اليوم يبلغ 416 فندقاً، وتتوزع على المحافظات بنسبة 53 في المئة لمحافظة جبل لبنان، و24 في المئة لبيروت، و15 في المئة لمحافظة الشمال، و8 في المئة لمحافظات البقاع والجنوب والنبطية.
نقيب وكالات السفر والسياحة في لبنان جان عبود أكد أن الإنتعاش الذي لحق بسوق مبيعات تذاكر السفر الجوي في فترة عيد الأضحى كان مرحلياً،  وراوحت نسبته بين 10 و12 في المئة بسبب اضطرار المسافرين السوريين الى شراء تذاكر سفرهم من وكالات السفر والسياحة اللبنانية. وأوضح عبود أن نسبة التراجع تقارب 40 في المئة عن العام 2012 في حين ان التراجع الذي سجلته العام 2012 مقارنة مع الفترة نفسها من العام 2011 يتجاوز الـ 25 في المئة.

 


 

المهرجانات صامدة؟
ثمة من يضع الأمن في أولوية الأسباب التي تحول دون عودة السائح الخليجي أو المغترب اللبناني إلى ربوع لبنان. وهذا طبيعي خصوصاً أن وسائل الاعلام العالمية باتت تربط أخبار أحداث سوريا بلبنان. وهذا مؤشر سلبي وقد ينعكس تحديداً على مهرجانات الصيف الدولية التي تستضيف في برامجها فرقاً عالمية وفنانين أجانب… لكن حتى الساعة يجمع القيمون على مهرجانات بيبلوس وبيت الدين وبعلبك وجونية وجبيل أن أحداً لم يلغ الحجز أو تقدم باعتذار بحجة الأوضاع الأمنية. ويؤكد المعنيون ان عمليات بيع البطاقات مستمرة وإن بوتيرة أخف، خصوصاً بعد إطلاق صاروخي الـ «غراد» على الضاحية الجنوبية.
أجواء التفاؤل التي ينقلها القيمون على مهرجانات الصيف الكبرى لا تنعكس على متعهدي الحفلات ومهرجانات القرى والمناطق التي كانت تنعش عجلة الإقتصاد في فصل الصيف. احد كبار المتعهدين أكد أنه كان أول من يقدم على خطوة إقامة الحفلات والمهرجانات في الأعوام الماضية على رغم تراجع عدد كبير من الشركات. لكن هذه السنة الوضع  معقد إذ «لا نعرف ماذا سيحدث ولسنا مستعدين للوقوع في خسائر مادية فادحة». واعتبر ان هذه السنة هي الاسوأ على قطاع الحفلات والمهرجانات الصيفية علماً بأن حفلات رأس السنة كانت جيدة. اما في الصيف فنحن نتكل على اشقائنا الخليجيين واللبناني المغترب. لكن في ظل الاوضاع المتأزمة لا يمكننا التكهن بما سيحصل في ظل الأوضاع الأمنية المتأزمة والأحداث المتنقلة من الشمال إلى الجنوب. وقد تصل غداً إلى بيروت. ألم تسمعوا بصاروخي الغراد اللذين سقطا على الضاحية؟ وماذا لو قررت جبهة النصرة تنفيذ تهديدها بقصف بيروت؟ لا شيء يمنع طالما أن البلد فلتان. لذا افضل الابتعاد هذا الموسم».
أما صاحب إحدى الشركات التي كانت تتعهد المهرجانات في بعض القرى الكبرى مثل بيت مري وذوق مكايل فأكد أن «الكل متردد هذا الموسم والكل يعيش حال ترقب في انتظار ما ستؤول اليه الاوضاع الامنية. ويضيف: البلد مشلول ولا يمكن الرهان على قطاع متعهدي الحفلات لأنه يشكل سلة متكاملة، وجمعيها في وضعية استرخاء. حتى الفنانون الذين اعتادوا احياء الحفلات والمهرجانات في لبنان مصابون بصدمة، خصوصاً ان عدداً من الدول العربية اقفلت اسواقها الفنية بسبب الاحداث الامنية والسياسية المتوترة، وايضاً بسبب ارتفاع تأثير التيار الديني المتطرف الذي حرم الفنون.

اغراق الاسواق بـ «السوري»
نعود إلى القطاعات الإقتصادية حيث اعتبر اصحاب الهيئات الإقتصادية أن سنة 2013 لن تكون أفضل من 2012. والآتي أعظم على ما يقول نقيب المزارعين أنطوان حويك الذي فصل مشكلة القطاع الزراعي في لبنان إلى قسمين: «على مستوى الإستيراد واجهتنا مشكلة إغراق السوق اللبنانية بالمزروعات السورية بسبب عدم إمكانية تصديرها إلى خارج سوريا. وكون لبنان يقع على حدودها كانت النتيجة على هذا الشكل. ولفت إلى أن كميات الخضار التي تدخل لبنان زادت بمعدل مرتين مما شكل ضربة للمزارعين إن بالكميات أو الأسعار. وانتقد غياب الدولة عن واجباتها وصلاحياتها لأنه كان يفترض أن تضع قيوداً غير جمركية لحماية الإنتاج المحلي».
وعلى مستوى التصدير أكد الحويك أن الكلفة زادت بسبب اضطرار التجار إلى اعتماد شاحنات النقل المبردة أو العبارات خوفاً من توقفها أياماً على المعابر. وهذا ما أدى إلى ارتفاع الكلفة ولم تعد تنافس البضائع في الأسواق الخليجية. واعتبر أن خروج بعض التجار من السوق بسبب الإفلاس حتَم دخول فئة أخرى، وهذا ما يحصل في كل مرة تدخل فيها البلاد دوامة الصراع والأزمات السياسية والإقتصادية». لكنها هذه المرة وصلت إلى حافة الإنهيار بسبب غياب الدولة وارتفاع حدة تداعيات الأزمة السورية على الإقتصاد اللبناني. ويختم الحويك في تصوره للحلول المرتقبة: «تعودنا كلبنانيين أن ننهض بعد كل أزمة. لكن الثابت أنها أكثر المراحل الضاغطة على جميع الأصعدة».
من غير الطبيعي الا نقرأ المشهد كما يستعرضه أصحاب القطاعات الإقتصادية. فعندما ينام اللبنانيون على خبر تهديد جبهة النصرة بقصف منطقة الضاحية الجنوبية ومناطق بقاعية ماذا يمكن أن نتأمل بعد؟ العضو في مجلس نقابة المقاولين عبده سكرية أكد أن قطاع المقاولات في لبنان يشكل نسبة تراوح بين 17 و19 في المئة من قيمة الإقتصاد اللبناني وهو ينقسم إلى شقين: الخاص الذي يؤمن مدخولاً بقيمة 4 مليارات دولار سنوياً والعام بقيمة مليار دولار. لكن الأحداث الأمنية وتداعيات الأزمة السورية خفضت من قيمة الخاص إلى مليار دولار  وخلقت أزمة ثقة في التعامل بين المقاولين العاملين في القطاع العام بسبب عدم دفع الدولة الممثلة بمجلس الإنماء والإعمارالمبالغ المتوجبة عليها، مما أدى إلى رحيل المقاولين في القطاع الخاص إلى الخارج.ومن بقي فهو حتماً يعيش على نغمة النزاعات مع الدولة.

جمود عقاري
عقارياً، يؤكد سكرية أن هبوط القيمة في القطاع الخاص أدى إلى تجميد الطلب على الشقق الكبيرة التي يفوق سعرها الـ 600 ألف دولار ومنها ما تدنى بنسبة 20 في المئة. أما الطلب على الشقق الصغيرة فاستمر. ويضيف بأن القطاع الخاص قادر على حماية نفسه من خلال تأمين الضمانات، وإذا عجز يرحل من السوق المحلية بحثاً عن فرصه في الخارج. أما العام فلا حول ولا قوة له طالما أن الدولة غائبة. وأكد أن أكبر المستثمرين هم من اللبنانيين المغتربين وليسوا من الخليجيين، كما هو شائع، وتحديداً من أفريقيا. وختم مؤكداً أن «الفرص التي كانت متاحة للمقاولين قبل اندلاع الثورة السورية لم تعد موجودة. والثابت أن الوضع بات
أكثر تعثراً والبلد في مهب الريح.المهم أن يبقى الجميع متفقين على عدم إحراق لبنان وابقاء الوضع على ما هو عليه أمنياً، أي أحداث أمنية متنقلة».
يجمع أصحاب القطاعات الإقتصادية على القول بأن البلد على حافة الإنهيار «لكننا لم نغرق بعد، طالما أننا ما زلنا قادرين على الإنتاج والتصريف». هذا على مستوى المؤسسات الصناعية والسياحية والتجارية الكبرى. لكن بالنسبة إلى صغار التجار، وتحديداً أصحاب المحال في الأسواق التجارية فالوضع مختلف. فالجمود الحاصل أدى إلى تراجع حركة الشراء بنسبة تراوح بين 30 و50 في المئة. ويرد التجار الأسباب  إلى تراجع حركة الزوار الخليجيين الذين يمثلون ثقلاً وازناً في الاستهلاك. والإنعكاسات لا تقتصر على حركة السوق. فحركة الاستثمارات الخليجية في لبنان، ستتأثر بدورها  في حال استمرار المناخ القائم، الأمر الذي يترك انعكاسات سلبية على الاقتصاد اللبناني.
بعد تكليف الرئيس تمام سلام بتشكيل الحكومة، تأمل المعنيون في القطاعات السياحية والإقتصادية خيراً، خصوصاً بعد صدور تصريحات سعودية وروسية حول الوضع السياحي الآمن في لبنان، لكن كل شيء تبخر مع دخول حزب الله على خط الحرب السورية مباشرة. وعاد المشهد ليكرر نفسه كما العامين السابقين. والآتي أعظم؟.

جومانا نصر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق