رئيسيسياسة عربية

مشروع «تمرد» تونسي للخلاص من حكم الاخوان

هل يمكن اعتبار ما حدث في مصر مقدمة لاحداث مشابهة في دول اخرى، وخصوصاً تونس؟ سؤال يجد لنفسه فسحة من المكان في اذهان المتابعين لمجريات الربيع العربي، لا سيما الذين يقرأون الاحداث من زاوية «مشروع انقلابي»، يطاول العملية بكل امتداداتها. وبجميع تفاصيلها العربية.

ما يشجع على تلك القراءات، الجدل الممتد على مدى الساحة التونسية، والذي بلغ حد التأسيس لمواجهات مسلحة، والى ثورة في بعض المناطق، خلفت قتلى وجرحى، وادت الى تدخل الجيش واستخدام اسلحة ثقيلة في محاولات تطهير بعض المواقع التي يستخدمها بعض اطياف المعارضة المتطرفة ملجأً ومقراً.
فقد سجلت الساحة نشاطاً مسلحاً قامت به تيارات متطرفة، تنتمي الى «السلفية الجهادية»، التي نجحت في تطوير آلية قتالية تقوم على استخدام الالغام الارضية لحماية نفسها ومنطقتها التي تقيم فيها والتي حولتها الى معسكرات تدريبية. كما طورت من نشاطها القتالي بما يمكن ان يلحق الاذى الحقيقي بالقوات المسلحة التي تحاول الاقتراب من المواقع المحصنة في مناطق جبلية تقع بالقرب من الحدود الجزائرية.
وفي الوقت نفسه الجدل الدائر داخلياً، حول مشروع الدستور الجديد، الذي تخشى المعارضة ان يكرس دكتاتورية الاغلبية بدلاً من دكتاتورية الفرد التي ادت الى الثورة، وما اتفق على تسميته بـ «الربيع العربي».

توتر نيابي
فقد تصاعدت حدة التوتر داخل القبة البرلمانية مع عرض مشروع الدستور للنقاش العام. وادلى نواب المعارضة بدلائهم في هذا الموضوع مؤكدين ان مشروع الدستور يجب ان يكون توافقياً، ولا يخضع لرؤية تيار الاغلبية فقط. كما طالب معارضون بان يكرس الدستور ثوابت الحرية والعدالة، وان يضمن حقوق الجميع، بحيث لا يترك تلك المجالات الى القوانين، وسط اتهامات مسبقة لحركة النهضة بمحاولة التفرد بوضع تشريعات تخدم اغراضها الحزبية الضيقة.
واحتج نواب من الأحزاب المعارضة في تونس داخل المجلس الوطني التأسيسي ضد الصيغة النهائية لمسودة الدستور التي طرحت على النقاش.
ولم تستكمل الجلسة العامة بعد أن قاطع نواب المعارضة تلاوة التقرير العام احتجاجاً على عدم اعتماد أعمال اللجان بالدستور والتغييرات الحاصلة في الصياغة والمضمون.
وقال نواب المعارضة انهم يفضلون المزيد من الحوار قبل عرض الدستور على النقاش داخل المجلس بهدف الحصول على توافق أوسع حوله. واشاروا الى جملة من المآخذ على صياغة الكثير من فصوله، ومنها «الفصول 141 و76 و30».
ويعيب نواب المعارضة على مسودة الدستور الجديدة وهي الرابعة التي يتم طرحها بعد التنقيحات والتعديلات ما يعتبرونه تقييداً للحقوق والحريات التي أحال الدستور تنظيمها إلى القوانين ما يفتح الباب للمشرع لضربها بدعوى حماية الحقوق العامة والأمن العام، فضلاً عن حصر صلاحيات رئيس الجمهورية وإطلاقها لدى رئيس الحكومة. كما تنتقد المعارضة التقييدات الحاصلة لشروط الترشح لمنصب الرئيس ومن بينها شرط السن المحددة بـ 75 سنة واستثناء مزدوجي الجنسية إضافة إلى غياب النص الصريح حول مفهومي الأمن الجمهوري والجيش الجمهوري.
ورأى بعض النواب ان القيود التي جاءت في النص تجعل «الدستور الأول لتونس الذي وضع بعد الاستقلال عام 1959 أفضل من الدستور الجديد رغم التعديلات المشوهة التي أدخلت عليه». وعبروا عن مخاوفهم من الانتقال من ديكتاتورية فرد في الحكم السابق إلى ديكتاتورية الأغلبية والائتلافات الحزبية، مؤكدين ان ذلك يعتبر أكثر خطورة.
في المقابل، خففت الأغلبية الحاكمة داخل المجلس التأسيسي من حدة الانتقادات وحملت المعارضة مسؤولية إهدار المزيد من الوقت في الانتهاء من صياغة دستور جديد للبلاد كان يفترض الانتهاء منه منذ تشرين الاول (اكتوبر) عام 2012.

مليونية تمرد
بموازاة ذلك، دعا عدد من نواب المعارضة التونسية في المجلس الوطني التأسيسي إلى «مليونية تمرّد سلمية على غرار ما يحدث في مصر لأجل تصحيح المسار وتعبيراً عن رفض الإنطلاق في مناقشة مشروع الدستور». ويتحدّث بعض التونسيين منذ إندلاع الثورة ضد الاخوان المسلمين في مصر، عن حراك مشابه قد تشهده تونس في أيّ لحظة، ضدّ حكومة الإسلامي علي العريض، لكنّ آخرين يرون أنّ السيناريو المصري لا يمكن أن يتكرر أو يُسقط على تونس لأسباب عديدة.
واستبعد رئيس الحكومة التونسية علي العريض في تصريحات صحافية، إمكانية حدوث تمرد في بلاده على غرار ما يحدث في مصر، راداً ذلك الى «الوعي الذي يتمتع به التونسيون وقدرتهم الكبيرة على تقدير المجهودات التي تبذلها الحكومة وإمكانيات بلادهم».
ورداً على اطلاق المعارضة مشروع «تمرد»، استبعد زعيم حركة النهضة الاسلامية – الحزب الحاكم في تونس – راشد الغنوشي ان يتكرر السيناريو الذي شهدته مصر في بلاده بعد ان عزل الجيش الرئيس محمد مرسي.  وفي تصريحات صحافية، قال الغنوشي: ان بعض الشباب الحالم يمكن أن يظن أنه يستطيع أن ينقل ما يقع في مصر الى تونس، لكنه اعتبر ذلك «إضاعة للجهود».
وأكد الغنوشي ان حركته قدمت تنازلات من أجل تجنب الاستقطاب الأيديولوجي، وتحقيق التوافق. واعتمدت استراتيجية جديدة توافقية بين التيارين الإسلامي والحداثي، معتبراً ان ذلك جنب البلاد «سيئات ومخاطر الانقسام».
واستبعد زعيم حركة النهضة، السيناريو المصري مؤكداً ان هناك فرقاً بين الجيشين التونسي والمصري، مذكراً بأن «مصر حكمت لـ 60 سنة بالعسكر. اما الجيش التونسي فقد ظل بعيداً عن السياسة». وفي لهجة اعتبرها محللون نوعاً من التغزل بالجيش، قال الغنوشي: «نحن نكبر في جيشنا الوطني التزامه الصارم بالمهنية التي تعني حراسة الأمن الوطني للبلد والقومي، بعيداً عن أي تدخل في الشؤون السياسية ونترحم على شهدائه وندعو لشفاء جرحاه».
في المقابل يتوقف مراقبون عند ما يرونه توتراً في الاجواء في ضوء النقاش المحتدم حول الدستور، والمحاولات التي يبذلها الحزب الحاكم للتخفيف من حدة التوتر هناك، اضافة الى الازمات السياسية والاجتماعية وتصاعد نفوذ التيارات السلفية.

تونس – «الاسبوع العربي»

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق