سياسة عربية

القاهرة: مدنية الدولة تفتح باب الجدل حول مصادر التشريع

بينما تواصل القوات المسلحة المصرية مهاجمة و«تحرير» معاقل اخوانية مهمة، وتواصل الحكومة المؤقتة اتخاذ اجراءات وترتيبات محورها التضييق على قيادات الجماعة، وانتزاع جميع عناصر القوة من بين ايديهم، يثار جدل عميق حول هوية الدولة المصرية في دستورها الجديد، الذي بدأت لجنة «خمسينية» بمراجعة بنوده تمهيداً لادخال تعديلات تتناسب والاطار العام لمتطلبات الشارع، ومختلف الهيئات والمؤسسات الشعبية والحزبية والرسمية.

اطلق الجيش حملات امنية في العديد من المناطق التي نجح انصار الرئيس مرسي في تحويلها الى مواقع خارجة على القانون. ومن بين هذه المناطق قرية «دلجا» التابعة لمحافظة المنيا (300 كلم جنوب القاهرة)، حيث نجح في تحريرها من قبضة أنصار الرئيس المعزول محمد مرسي، الذين حولوها إلى بؤر إجرامية، حرقت الكنائس وفرضت الإتاوات تحت اسم «الجزية»، على الأقباط، منذ نحو شهر.
ونجحت مدرعات الجيش بمعاونة المروحيات العسكرية والقوات الخاصة والأمن المركزي في إزالة المتاريس التي أقامها أنصار «الإخوان» في القرية، وتم إلقاء القبض على 56 مطلوباً، وفرضت قوات الأمن حظر التجوال المؤقت على مداخل ومخارج القرية.
كما سيطرت قوات الأمن المدعومة بقوات وطائرات من الجيش على بلدة كرداسة جنوب القاهرة، التي كانت معقلاً للجماعات الإسلامية المسلحة، منذ فضّ اعتصام أنصار الرئيس المعزول محمد مرسي، واعتقلت قوات الأمن 48 مشتبهاً بعملية قتل 11 من ضباط وجنود في قسم شرطة كرداسة، أثناء اقتحامه في 14  آب (اغسطس) الماضي، وواصلت القوات تمشيط البلدة، التي بدت شوارعها خالية تماماً من المارة أو السكان، لا سيما بعدما طالبتهم القوات بأن يلزموا منازلهم، وألا يخرجوا إلى الشوارع. واستخدمت قوات الجيش والشرطة نحو 40 تشكيلاً، يضم قوات النخبة من الجيش وقوات من العمليات الخاصة في وزارة الداخلية، مدعومة بسيارات مدرعة ودبابات، وطائرات عسكرية، واقتحمت البلدة بعدما حاصرتها من كل الجهات، وأغلقت الطرق المؤدية إليها ليلاً.
ودارت معارك بالأسلحة النارية بين قوات الأمن ومجموعات من المسلحين في محيط قسم شرطة كرداسة، أسفرت عن مقتل مساعد مدير أمن الجيزة، اللواء نبيل فراج، وإصابة عدد من الضباط والجنود، ولم يعرف عدد الضحايا من الجانب الآخر. وكانت كرداسة تحولت إلى بلدة خارج سيطرة الدولة منذ 14 آب (اغسطس) الماضي.

العمليات في سيناء
في غضون ذلك، واصلت قوات الجيش عملياتها في سيناء، في حين أصيب سبعة من أفراد الشرطة، إثر انفجار عبوة ناسفة في الطريق الدولي «العريش – الشيخ زويد»، بينما توعدت جماعة «أنصار بيت المقدس» التكفيرية، والتي تتخذ من سيناء مركزاً لها، الجيش، في بيان رسمي، بمواصلة العمليات ضده.
وقال مؤسس تنظيم «الجهاد» في مصر نبيل نعيم، «إن العمليات في سيناء من المتوقع أن تمتد لشهرين، إلى حين تحقيق السيطرة الأمنية»، مؤكداً في تصريحات صحافية، أن العلاقة بين الجيش المصري وحركة المقاومة الإسلامية «حماس»، وصلت إلى طريق مسدود بعد اتهامات المتحدث باسم الجيش لحماس بتمويلها للإرهاب في سيناء، مطوراً مطالبه بضرورة العمل على إسقاط نظام «حماس» في غزة.
فقد فجّرت المادة الثانية من الدستور المعطل، الخلاف بين أنصار «مدنية» الدولة والإسلاميين المتمسكين بالشريعة، كمصدر رئيسي للتشريع. وشهدت لجنة المقومات الأساسية المنبثقة عن لجنة الخمسين لتعديل الدستور، جدلاً حول صياغة المادة الأولى من الدستور، بعد موافقة أغلبية أعضاء اللجنة الفرعية، على إضافة كلمة «مدنية» إلى تعريف الدولة المصرية، الأمر الذي أعاد قضية الهوية إلى الواجهة، بعدما اعترض إسلاميون، على إضافتها باعتبارها لفظة مطاطة تحمل إيحاءات علمانية.
وزاد الجدل بعدما قرر أعضاء لجنة المقومات الأساسية، بأغلبية 10 من أصل 14 عضواً، إضافة «مدنية» إلى المادة الأولى، لتصبح «جمهورية مصر العربية، دولة مدنية مستقلة ذات سيادة»، ما أثار غضب ممثلي الأزهر، وممثل حزب النور بسام الزرقا، الذي انسحب من الجلسة، اعتراضاً على مناقشة المادتين الثانية والثالثة، ضمن أعمال اللجنة. المتحدث الإعلامي للجنة الخمسين محمد سلماوي، حاول خلال مؤتمر صحافي، التخفيف من حدة الاحتقان، بالقول: إن قرار إدراج «المدنية» في نص المادة الثانية، غير نهائي ولا يزال محل نقاش، مشيراً إلى أنه لا بد من أن تحصل المادة على موافقة 75% على الأقل، حتى يتم إقرار التعديل في مسودة الدستور النهائية.
ويرجع غضب الإسلاميين، وفقاً لتصريحات مصدر مطلع بـ «الأزهر»، إلى أن كلمة «مدنية» تؤدي إلى تفسيرات عدة، من ضمنها العلمانية، وهو ما يرفضه الأزهر والإسلاميون عموماً، بينما كشفت مصادر مطلعة، في اللجنة، أن الأعضاء وافقوا بالإجماع على الإبقاء على نص المادة الثانية من الدستور، والخاصة بـ «مبادىء الشريعة الإسلامية كمصدر رئيسي للتشريع» دون تعديل، في حين توافق أعضاء اللجنة على حذف المسيحيين واليهود من نص المادة الثالثة من الدستور، واستبدالها بـ «غير المسلمين».

خريطة الطريق
الجدل حول صياغة الدستور لم يمنع مؤسسة الرئاسة من المضي قدماً في تنفيذ خريطة الطريق، حيث التقى المستشار الإعلامي لمؤسسة الرئاسة، أحمد المسلماني شباب جبهة الإنقاذ الوطني، في إطار لقاءاته بمختلف القوى السياسية، في حين أكد رئيس الوزراء حازم الببلاوي، أن الحكومة ملتزمة بتنفيذ بنود خريطة الطريق، وفقاً للتوقيتات الزمنية التي تم الاتفاق عليها، مشيراً، في تصريحات صحافية، إلى أن الحكومة لا تريد إقصاء أي تيار، وأن تمديد حالة الطوارىء جاء لدواعٍ أمنية نتيجة لأعمال العنف.

في المقابل، وعلى الرغم من الفشل المتكرر لدعوات تنظيم الإخوان حشد الأنصار في تظاهرات مؤثرة، دعا التحالف الوطني لدعم الشرعية، إلى مليونية تحت شعار «الوفاء لدماء الشهداء». إلا أن الأزمة الأشد خطورة، وتهدد بتفجير اللجنة وعرقلة عملها، هي المادة 219 من دستور 2012، التي وضعها الإخوان إرضاء للسلفيين، وما زال حزب النور يصر على إستمرارها في الدستور الجديد، إنها المادة المفسرة للمادة الثانية، ونصها: «مبادىء الشريعة الإسلامية تشمل أدلتها الكلية، وقواعدها الأصولية والفقهية، ومصادرها المعتبرة في مذاهب أهل السُّنة والجماعة». وتعرضت تلك المادة لإنتقادات شديدة على اعتبار أنها تؤسس لدولة دينية سنية، وأوصت لجنة العشرة التي قدمت مقترحات لتعديل الدستور بإلغاء هذه المادة، إلا أن حزب النور السلفي يصر على بقائها، ويهدد بالإنسحاب من اللجنة ودعوة المصريين الى رفض الدستور عند الإستفتاء عليه.

القاهرة – «الاسبوع العربي»

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق