رئيسيسياسة عربية

التجسس الاسرائيلي بالوقائع والصور

في تموز (يوليو) 2013، رصدت وزارة الاتصالات عملية تشويش غير مسبوقة على الشبكة الخليوية في الجنوب. سألت قيادة القوة الدولية المؤقتة العاملة في المنطقة، والتي عادة ما تعتمد على اجهزة تشويش موضعية لحماية دورياتها وتنقل عناصرها، فأوضحت «اليونيفيل» انها لم تتعد في اجراءاتها الحمائية اطر التشويش الموضعي الذي يقتصر على قطر خط سير الدوريات، مما دفع الوزارة الى ارسال فريق تقني، سرعان ما وقع على اكبر عملية تنصت واعتراض اسرائيلية.

 كشف رئيس مجلس النواب نبيه بري ان اسرائيل نشرت محطات تجسّس على طول الحدود مع لبنان من الناقورة، مروراً بالخيام وصولاً إلى شبعا، مُجهزة بأحدث المعدات والآلات والتقنيات، بحيث تغطي المساحة اللبنانية كاملة، وهي مرتبطة بمحطات رُكزت في جبل الشيخ ومزارع شبعا وفي تل أبيب. وعرض المستندات والصور الموجودة لدى وزارة الاتصالات، والتي تشير الى وجود منشآت لهذه المحطات التجسّسية الاسرائيلية على الخط الازرق. وحضّ على تقديم شكوى رسمية الى مجلس الأمن.
وكان وزير الاتصالات نقولا صحناوي قد سلّم بري تقريراً اولياً حصلت «الاسبوع العربي» على نصه الكامل مع الصور الفوتوغرافية (تنشر حصرياً في هذا المقال)، يعرض فيه احد اعضاء اللجنة، وهو مهندس انتدبته الوزارة لتمثيلها في لجنة تقصي الحقائق التي شكلتها رئاسة الحكومة في آب (اغسطس) الفائت، الصعوبات التي تواجه عمل اللجنة وخصوصاً افتقارها الى المعدات التقنية المتطورة لتبيان كامل اوجه التنصت الاسرائيلي على شبكة الاتصالات اللبنانية وعمليات التشويش التي تقوم بها، اضافة الى ما قد تكون قد قرصنته من معطيات متعلقة بهذه الشبكة، بعدما ثبت لدى لجنة تقصي الحقائق ان اسرائيل استطاعت ليس فقط اعتراض المكالمات الصوتية الهاتفية والتنصت على مضمونها، بل وضع اليد على الداتا (الرسائل النصية والمعطيات التي يتم تبادلها عبر الشبكة الخليوية، اضافة الى كل ما يرتبط بحركة الاشخاص).
وتبيّن ان الجيش الاسرائيلي الذي اكتشف عمل اللجنة، اقدم على تعطيل المعدات التي تستخدمها، مدعومة من فريق تقني انتدبته مجاناً احدى الشركات اللبنانية للمؤازرة والمساندة، من خلال استعمالها اشعة اللايزر، مما استوجب طلب معدات جديدة واكثر تطوراً لاستكمال العمل.

لجنة التقصي
تروي مصادر وزارة الإتصالات ان لجنة التقصي شكلتها رئاسة الحكومة في آب (اغسطس) 2013، وتضم ممثلين للوزارة وقيادة الجيش والاستخبارات العسكرية والهيئة المنظمة للإتصالات. حُدّدت مهمتها بحمع المعطيات المرتبطة بإقامة اسرائيل محطات تنصت عدة على امتداد الحدود الجنوبية وتكوين ملف عنها. وارتكزت اللجنة في عملها على كشوف سابقة أُجريت في الاعوام الثلاثة الفائتة، وتبين ان قسماً من محطات التجسس قديم العهد، وقسماً منها اعاد الجيش الاسرائيلي تأهيله بعدما دمره «حزب الله» في حرب تموز (يوليو) 2006. وجاء قرار تشكيل اللجنة في ضوء اكتشاف وزارة الاتصالات عمليات تشويش اسرائيلية على الشبكة الخليوية في تموز (يوليو).
وتبيّن للّجنة أنّ المركز الأكبر للتنصت والاكثر تطوّراً هو مركز العبّاد، يليه مركز جل العلم القريب من الناقورة، وهو يتضمّن رادارات متطورة لالتقاط الحركة، ويصوّر المنطقة تلقائياً ومباشرةً ويسجّل ويرسل الإشارة الى مركز المراقبة والتحكم بمجرد تسجيله اي نشاط او تغيّر او حركة في مساحة الرصد التي يعتمدها. كذلك يتضمّن عدداً من الصحون اللاقطة بقطر خمسة امتار، مثبتة على أعمدة، ومركّزة في اتّجاه محطات الهاتف الخلوية اللبنانية الأساسية، وهي تلتقط التخابر الصوتي والداتا. ولفت اللجنة ان المركز يتضمن معدات متطورة لالتقاط الموجات الصوتية المنخفضة، وهي تتيح التنصت على عمليات التخابر الصوتي عبر الأجهزة اللاسلكية.
وتتصل المحطات الاسرائيلية بموقعين اسرائيليين ضخمين للتنصت والتجسس في كل من شبعا وجبل الشيخ.

معدات
تعتمد لجنة التقصي على معدات يابانية موجودة في السوق اللبنانية، وقادرة على تبيان طبيعة التجهيزات الإسرائيلية من مسافة 300 متر، من حيث الحجم والتوجيه والارتفاع.
ولفتها موقع جل العلم بالقرب من الناقورة والذي أعادت إسرائيل تأهيله بعدما دمّره «حزب الله» في العام 2006. هو يعتمد على تقنيات متطورة. ومن أكثر مراكز التجسس تعقيداً، ويتضمن رادارات متصلة بموقعي جبل الشيخ ومزارع شبعا.
تمكنت اللجنة من تكوين صورة دقيقة عن المواقع الإسرائيلية، لكنها تحتاج إلى أجهزة أكثر تقدماً، تسمح لها بتكوين صورة متكاملة عن التقنيات الإسرائيلية المستخدمة، كقياس طاقة كل جهاز والإشارة التي تبث من كل موقع.
 


خريطة التجسس
تتوزع مراكز التجسس الاسرائيلية على مراكز وابراج مزروعة عند طول خط الحدود، بعضها اقيم بالقرب من مراكز عسكرية للقوة الدولية المعززة العاملة في الجنوب (اليونيفيل)، وخصوصاً في جل العلم قرب الناقورة وقبالة بلدتي علما الشعب وميس الجبل وفي بلدة حولا عند مقام الشيخ العباد، مرتبطة بمراكز تنصت وتحكم في مستعمرتي مسكافعام والمطلة قرب الحدود مع بلدتي عديسة وكفركلا، وصولاً الى جبال مزارع شبعا قبالة بلدتي العباسية والغجر.
يقول مصدر في وزارة الاتصالات ان المسألة بدأت بعد تشويش غير مبرر على شبكات الخليوي في جنوب لبنان حصل في تموز (يوليو) الفائت، ارسلت على إثره الوزارة فريقاً تقنياً اكتشف عملية التجسس اثر بحوث علمية على الترددات.
ويوضح أن خطورة عملية التجسس هذه غير محدودة، لافتاً إلى أن إسرائيل تعمل بعد التقاط موجات البث على تعقب ورصد المعلومات التي تمر عبر كل الأجهزة اللاسلكية، ثم استخدام هذه المعلومات للتدقيق وتحري حركة الاتصالات في مواضيع أمنية وسياسية وعسكرية. ومما يزيد في خطورة عملية التجسس، عدم القدرة على اكتشاف توقيت تركيب الأجهزة والمدة التي عملت أثناءها على مراقبة الاتصالات، إضافة إلى أنها ما زالت تعمل راهناً في انتظار اعداد كامل الملف، ثم اتخاذ الخطوات اللازمة من عمليات تشويش يفترض أن تكون قيادة الجيش قادرة على القيام بها، إضافة إلى رفع شكوى رسمية إلى الجهات الدولية المختصة.
وكان المتحدث باسم «اليونيفيل» أندريه تيننتي قد اوضح أن أي تقرير أو طلب لبناني رسمي بالتدخل لم يصل إلى القوة الدولية، مشيراً إلى أن هذا الموضوع ليس من صلاحياتها ولا يدخل ضمن نطاق مهامها، كما أن الوضع على الخط الأزرق يضبط بالتعاون مع الجيش اللبناني.

تل ابيب
ورصد مراقبون سياسيون غياب اي رد فعل اسرائيلي رسمي على الاتهام اللبناني، ما خلا اضاءة اعلامية خجولة، اذ نشرت صحيفة «يديعوت احرونوت» تقريراً بعنوان «النظر الى اقصى لبنان» اشارت فيه الى غضب مسؤولين لبنانيين من عمليات التجسس التي تنفذها اسرائيل على لبنان عند طول الحدود الاسرائيلية – اللبنانية.
وقالت الصحيفة ان لجنة خاصة بمجلس النواب اللبناني تتابع تجسس اسرائيل على لبنان، مشيرة الى ان احد اعضاء اللجنة في البرلمان من حزب الله قال انه لا يوجد في العالم دولة تقبل التجسس عليها دولة اخرى بالطريقة التي تقوم بها اسرائيل بذلك.
ولفتت الصحيفة الى ان لجنة تقصي الحقائق اللبنانية جالت في طول الحدود ورصدت اجهزة الكترونية منظومات التجسس التي تنصبها اسرائيل.
واشارت الى ان اللجنة جرى تشكيلها بقرار من الحكومة اللبنانية لفضح ممارسات التجسس الاسرائيلية امام وسائل الاعلام اللبنانية والعربية والدولية، الى جانب اعداد تقرير يمكن لبنان من تقديم شكوى على عمليات تجسس اسرائيل في المنظمات الدولية.
وقالت الصحيفة ان اللجنة اللبنانية رصدت عمليات تجسس من خلال منظومات الكترونية متطورة تعتمد على الاجهزة المنصوبة داخل الحدود الاسرائيلية في معسكرات ومناطق جبلية يختص عملها فقط بالتجسس، حيث تعتبر هذه النقاط مراكز اعتراض واضحة اعتماداً على منظومة الابراج والمعدات المنصوبة. واوضحت اللجنة ان اسرائيل وبحكم قربها من الحدود، تتنصت على كل الاتصالات اللاسلكية في لبنان، اضافة الى انها تعترض منظومات الاتصالات الارضية والخليوية، وهناك معلومات دقيقة جرى جمعها باستخدام اجهزة كشف تنصت صنعت في لبنان وحصل عليها اخيراً، من دون الاشارة الى المكان او الجهة التي زودت الحكومة واللجنة الخاصة بهذه الاجهزة.

حزب الله
وسبق لـ «حزب الله» ان اكتشف اكثر من مرة معدات زرعها الجيش الاسرائيلي على شبكة الاتصالات الخاصة بالحزب.
وكانت الصحيفة الاسرائيلية قد نشرت في كانون الاول (ديسمبر) 2011 تقريراً تضمن صوراً لموقع تجسس فجره الحزب في اواخر تشرين الثاني (نوفمبر) من العام نفسه، ادعت اسرائيل في حينه انه انفجار في مخزن للاسلحة تابع للحزب.
وكان الجهاز مزروعاً تحت الأرض، ليس بعيداً عن الشبكة المحلية، ومجهزاً بصناديق كبيرة تحتوي بطاريات وفيه وسيلة لنقل المعلومات عبر الهواء، ترتكز على اجهزة لاسلكية تبث المعطيات مباشرة الى طائرات من دون طيار.

طلال عساف

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق