سياسة لبنانية

هذه هي الأسباب التي دفعت الحريري الى «فرنجية»

الرئيس سعد الحريري أخذ قراره بتأييد النائب سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية، وهذا ليس عرضاً للمناورة وإنما للتنفيذ، وتبقى مسألة ما إذا كان قادراً على تنفيذ ما يتجاوز قدرته وما ليس حكراً عليه وحده… الحريري انتقل الى مرحلة «التسويق والتبرير» لموقف خالف كل التوقعات وفاجأ الحلفاء قبل الخصوم، ونقل البحث الى مراحل متقدمة في الملف الرئاسي في مناخ جديد تختلط فيه علامات الصدمة والدهشة والارتياح…
أسئلة سياسية كثيرة تحاصر الحريري بشأن هذا الخيار الذي يشكل نقلة نوعية ومغامرة سياسية ويراه البعض قراراً جريئاً ومقداماً، فيما يراه آخرون قراراً متسرعاً ومتهوراً… وإذا كان السؤال البديهي الذي طرح يتعلق بموقف السعودية وما إذا كان الحريري حصل على ضوء أخضر من القيادة السعودية وعلى بركتها، أو على الأقل عدم ممانعتها، فإن السؤال المركزي الذي يلاحق الحريري هو لماذا أخذ هذا الخيار وسلك هذا الطريق وقرر السير بـ «سليمان فرنجية» رئيساً؟!
استناداً الى ما يبلغه الحريري الى حلفائه وأصدقائه شارحاً وموضحاً ومطمئناً… واستنتاجاً مما يجري تداوله وتناقله في أوساط «المستقبل»، فإن الأسباب والعوامل و«الحوافز» الدافعة الى هذا الخيار هي:
1- «الأزمة – الحرب» في سوريا منذ التدخل الروسي أخذت اتجاهات واكتسبت أبعاداً جديدة زادت الأزمة تعقيدا وتهدد بإطالة أمدها… فالتسوية السياسية لم تنضج ظروفها ولم تُرسم خطوطها بعد، وسقوط نظام الأسد لم يعد وشيكاً، والحرب على الإرهاب طويلة بعدما ثبت أن الضربات الجوية لا تكفي وأن التدخلات البرية غير مطروحة… ومجمل هذا الوضع يدفع في اتجاه التكيّف اللبناني مع أزمة سورية طويلة وفك الارتباط معها وعدم الرهان عليها وعدم الحاجة الى انتظار نهاياتها لتمرير تسوية مرحلية.
2- الوضع اللبناني لم يعد يتمتع بمقوّمات الانتظار  والصمود لفترة طويلة بعدما وصلت الدولة ومؤسساتها الى حالة من «التآكل والتحلل والاهتراء»، ووصل الوضع الى «طريق مسدود سياسياً» وسط تعاظم المخاطر الأمنية والإرهابية، وهذا كله يفرض ترتيباً جديداً للوضع بات حاجة للجميع ويبدأ بانتخاب الرئيس وإعادة عجلة الدولة الى الدوران…
3- تيار المستقبل يمر بأزمة داخلية شديدة الوطأة ووصل الى الوضع الأسوأ له منذ العام 2005.  والأمر لا يقتصر على ضائقة مالية وإنما يتعداها الى فقدان الحريري قدرة التحكم عن بعد وتكوّن مراكز قوى وتنافس داخل التيار، وتعاظم التطرف في الشارع السني، ومشاكل سوء التفاهم  والتواصل مع الحلفاء في 14 آذار… ومجمل هذا الوضع يجعل من عودة الحريري الى السلطة والى رئاسة الحكومة حاجة وضرورة لوقف حالة التفكك والانحدار…
4- عودة الحريري الى بيروت والى رئاسة الحكومة غير ممكنة إلا في إطار تسوية سياسية ومعادلة «رئاسة الجمهورية مقابل رئاسة الحكومة». إذا كان العماد عون الخيار الوحيد المطروح من حزب الله، فإنه مرفوض من تيار المستقبل لأسباب كثيرة، وإذا كان الانتقال الى «الرئيس التوافقي» متعذراً في ظل وجود عون، فإن فرنجية هو الخيار الوحيد الذي من الممكن أن ينال موافقة حزب الله وأن يفك عقدة عون الذي من الممكن إرضاؤه بـ «جوائز ترضية» بديلاً من «الجائزة الكبرى».
5- سليمان فرنجية لا مشكلة في تسويقه لدى الحليفين الرئيسيين بري وجنبلاط، خصوصا وأنه ينتمي الى الطبقة السياسية ذاتها ويمكن التفاهم معه، ولا صعوبة في تسويقه «مسيحياً» بصفته أحد الأقطاب الأربعة تحت سقف بكركي ويُصنف سياسياً وتاريخياً بأنه «متعصب» لحقوق المسيحيين ودورهم. ويحظى بعلاقة جيدة مع مؤسستين أساسيتين: الكنيسة والجيش… وإذا كان العماد عون يشكل عقبة أساسية أمام وصول فرنجية، فإن حزب الله كفيل بحل هذه المشكلة: حزب الله بحاجة الى تأمين الوضع الداخلي والتفرغ لمعركته الأساسية في سوريا، والسيد نصرالله دعا بإلحاح الى تسوية شاملة داخلية بمعزل عن الوضع الإقليمي وعن الخارج الذي لا نهمّه وليس مبالياً بنا. ومهمة حزب الله اليوم بإقناع عون بفرنجية رئيساً تبدو أسهل من مهمة إقناعه بالرئيس سليمان في العام 2008.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق