سوريا: السلاح الكيماوي بين اتهامات واشنطن ونفي دمشق

ما بين جولات المسؤولين الاميركيين في المنطقة، والقمم التي جمعت الرئيس اوباما مع عدد من قيادات دول الجوار السوري، ثمة خيوط رفيعة يمكن قراءتها بوضوح، وتؤشر على ان الحسم العسكري لم يعد ضمن مقدمة الخيارات التي تحتفظ بها الولايات المتحدة الاميركية بالتنسيق مع دول وهيئات معنية، الا ان معطيات اخرى يتوقف عندها محللون من صف آخر تؤشر على عكس ذلك، مع انها ليست بمستوى تلك التي تؤشر على تراجع خيار الحرب لصالح خيارات اخرى ما زالت بعض الدول تتمسك بها، وتستند الى معطيات ومؤشرات لها من القوة ما يجعلها تتكىء على ارض صلبة.
النتيجة التي تتقاطع مع معطيات على الارض، قوامها ان الحشد العسكري بدأ فعلاً، وان طلائع القوات الاميركية وصلت الى الاردن، وان صواريخ الباتريوت تم نصبها في مناطق تركية، تدفع بعض المحللين الى التذكير بأن واشنطن لم تحشد مثل تلك القوات عبثاً. وانها – تاريخياً – ما كانت لتحشد لو لم تكن العمليات العسكرية في مقدمة خياراتها.
غير ان الرد على تلك الفرضية يبدو سهلاً، لجهة ان الملف السوري يختلف عن غيره من الملفات. وان تقاطعاته تبدو مختلفة بالكامل. فإضافة الى الرفض الروسي، والتمترس الايراني الذي يرتقي الى مستوى الحشد، ثمة جملة خيوط لا يستطيع اي طرف بما في ذلك الولايات المتحدة المغامرة بقطعها.
فالموقف كما هو الآن يرتكز على جملة من المحاور، ابرزها استقطاب آلاف المقاتلين ممن ينتمون الى تيارات متطرفة، والذين يمكن ان يكونوا من اصحاب النفوذ في تلك الساحة. ويمكن ايضاً ان يشكلوا عامل عدم استقرار هناك.
اما العامل الاكثر اهمية، والاشد خطورة – بحسب الولايات المتحدة – فهو السلاح الكيماوي والخشية من وصوله الى ايادي الفئات المتطرفة التي تندرج تحت تسمية «عناصر الصحوة» واعلنت عن تحالفها مع تنظيم القاعدة وصولاً الى اقامة امارة اسلامية في كل سوريا والعراق. وهو الاعلان الذي ساد اعتقاد بأنه شكل انتصاراً للرئيس الاسد ولنظام حكمه، بحكم انه دفع الى التراجع الغربي والدولي والاقليمي عن اطاحة نظامه، والعودة الى خيارات بديلة.
قراءة متأنية
بالطبع الحديث حول قراءة الموقف، وتحليلاته في المنطقة تتسع دائرته، وتتشعب، وصولاً الى معطيات بعضها جديد بالكامل، وبعضها الاخر مطور. غير ان خلاصة الموقف تؤشر على الآتي:
هناك تراجع واضح في ما يخص الحسم العسكري، وبالتالي لم يعد هذا الخيار مطروحاً بالقوة عينها التي كانت قبل فترة من الزمن. وهناك اصرار على التعاطي مع الملف بقدر كبير من الحذر، وبحيث يكون تسليح المعارضة مبنياً على فرضية الدفاع عن النفس، ومن ثم حماية المدنيين من بطش وسطوة الجيش والبلطجية،. وبالتالي سطوة النظام، والا يسمح للمعارضة بالتفوق على النظام – كنتيجة مباشرة – لذلك القرار.
وفي الشق الثاني من تفاصيل الموقف، هناك قرار بتأمين جميع متطلبات التدخل، وتجهيز جميع عناصر القوة لكي تكون جاهزة بالتنسيق بين الولايات المتحدة ودول الجوار السوري، خصوصاً الاردن الذي يمكن ان يكون اهم معبر باتجاه سوريا.
وتنحصر مهمة الحشد ضمن اطارين: الاول تدريبي بحيث تتدرب القوة الاميركية على طبيعة المنطقة جغرافياً، وتتعرف على معالمها، بحيث تكون قادرة على التعامل مع اية تفاصيل تستدعيها المهمة المستقبلية، وكذلك تدريب قوات مشاركة من الدول المضيفة للجيش الاميركي على كيفية التعامل مع الملف، خصوصاً الشق الكيماوي منه.
اما اساس المهمة، فهو الاستعداد للتدخل من اجل حماية الاسلحة الكيماوية، أو منع النظام من استخدامها، حيث تتشعب الخيارات وتتراوح ما بين امكانية وقوع الاسلحة الكيماوية بأيدي المتطرفين، او استخدامها ضد المدنيين، او ضد دول الجوار.
والتطور اللافت في هذا المجال هو ان العملية تحولت في مجملها الى مشاريع خيارات او احتمالات فقط، بدءاً من السلاح الكيماوي وخطورته، وانتهاء بالعملية العسكرية التي انحصرت خياراتها بان تحدث او لا تحدث، مع ترجيح واضح في الخيار الثاني.
غير ان التطورات عينها كشفت عن عامل مهم وحاسم في الملف، وذلك من خلال تقارير اشارت الى ان النظام السوري استخدم الاسلحة الكيماوية فعلاً. وهو ما نفاه النظام، ومن خلال جميع وسائل اعلامه. انها الخطوة التي فتحت آفاقاً جديدة يمكن من خلالها الدخول في مسارات تصعيدية غير محسوبة مسبقاً.
والاخطر من كل ذلك، ما يراه محللون من ان احتمالية تقديم معلومات – مشكوك فيها – حول استخدام ذلك السلاح مستقبلاً يبقى وارداً. وخطورة اخرى تقوم على فكرة تقديم معلومات امنية واستخبارية مضمونها وجود «نوايا» عند النظام، او اتخاذ ترتيبات لاستخدام ذلك السلاح. وهي الخطوة التي من شأنها ان تدفع بالاطراف المعنية في التحالف القائم من اجل التدخل تحت عنوان «حماية السلاح الكيماوي». وفي ذلك اشارات واضحة تتهم اسرائيل بتسريب معلومات قد تكون مفبركة وهدفها التصعيد وخلط الاوراق من اجل التهرب من بعض الاستحقاقات، خصوصاً استحقاقات السلام التي يعتقد انها باتت اقرب من اي وقت مضى، مهما كانت تفاصيلها.
تراجع الحسم
من هنا يرى محللون ان تراجع الرغبة الاميركية ورغبة دول المنطقة في الحسم العسكري لا ينهي الملف، وانما تبقى «الصواعق» جاهزة للتفجير تحت مسميات ومبررات متعددة.
وقد بدا ذلك واضحاً من خلال ما تسرب من معلومات من المطبخ الاميركي اولاً، ومن اروقة القمم التي جمعت الرئيس الاميركي باراك اوباما مع قيادات دول المنطقة، ومنها العاهل الاردني الملك عبدالله الثاني، وولي عهد ابو ظبي، ووزير الخارجية السعودي الامير سعود الفيصل، ورئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان.
في هذا السياق، قال وزير الدفاع الأميركي جاك هيغل إن المخابرات الأميركية تعتقد بأن الحكومة السورية استخدمت غاز السارين على نطاق محدود ضد مقاتلي المعارضة.
وقال هيغل للصحافيين ان البيت الأبيض سلم رسالة إلى عدد من أعضاء الكونغرس بشأن موضوع استخدام الأسلحة الكيماوية في سوريا. وان الرسالة تقول: «إن تقويم المخابرات الأميركية يشير بدرجة ما من الثقة إلى أن النظام السوري استخدم أسلحة كيماوية على نطاق محدود في سوريا». مضيفاً أن هذه الأسلحة هي غاز السارين. الا ان الحكومة السورية نفت مثل هذه المعلومة، واعتبرتها نوعاً من التجني، أو انها نوع من التبرير من اجل التدخل العسكري. كل ذلك لا يلغي تفاصيل منتظرة للازمة، خصوصاً في مجال احتمال التدخل لاقامة منطقة عازلة في الجنوب السوري، وهو المشروع الذي يعتقد متابعون انه بات جاهزاً للتنفيذ، وتحت عنوان اقامة تلك المنطقة لغاية ايواء السوريين الذين يفرون من جحيم الحرب. وفي سياق تسليح المعارضة السورية، اكد وزير الخارجية السعودي الامير سعود الفيصل خلال لقائه نظيره الاميركي أن ما يحدث في سوريا هو دليل جديد على أنه لا إمكانية لحل في إطار الحكومة الحالية. مضيفاً، انه لا بد من انتقال السلطة لكي يكون هناك أمل في الحل السلمي للأوضاع في سوريا.
تسليح المعارضة
وحول الموقف من تسليح المعارضة السورية اكد الفيصل انه يجب أن تحظى المعارضة بكل المساعدات التي تحتاجها للتخلص من النظام، مضيفاً انه ليست لدى السعودية مشكلة في توريد الأسلحة، وانها قدمت لهم كل الإمكانيات التي تمكنهم من تغيير الوضع في بلدهم والاحتفاظ بحياة السوريين وبحضارة سوريا التي يدمرها هذا النظام.
وفي هذا الإطار، كشف مسؤولون أميركيون وغربيون أن السعودية مولت شراء كميات من الأسلحة الكرواتية وزودت المعارضة السورية بها سراً. ونقلت صحيفة «نيويورك تايمز» عن مسؤولين أميركيين وغربيين أن السعودية مولت شراء أسلحة مشاة من كرواتيا وتم نقلها فى هدوء إلى المقاتلين ضد نظام بشار الأسد في سوريا فى مسعى للخروج من المأزق الدموي هناك. وبدت عمليات نقل الأسلحة وكأنها إشارة إلى تحول العديد من الحكومات إلى نهج أكثر نشاطاً في مساعدة المعارضة المسلحة. كما انها تمثل في جانب منها نشاطاً مضاداً لشحنات الأسلحة الآتية من إيران إلى قوات الأسد. وأن توزيع الأسلحة كان بشكل مبدئي للجماعات المسلحة التي ينظر اليها على أنها قومية وعلمانية، كما أنها تجنبت توزيع تلك الاسلحة على الجماعات الجهادية التي أثار الدور الذي تلعبه في الحرب قلق القوى الغربية والإقليمية. واعتبرت تحليلات أن تلك التطورات يمكن اعتبارها تحولاً في المواقف، حيث ظلت العواصم الإقليمية والغربية تتحفظ لأشهر بشأن مسألة تسليح الثوار من منطلق الخوف من أن تقع الأسلحة فى أيدي «الإرهابيين». وبالتالي فإن قرار إرسال المزيد من الأسلحة يستهدف تبديد مخاوف أخرى لدى الغرب حول دور الجماعات الجهادية فى المعارضة.
دور غامض
وهنا يبدو أن دور واشنطن فى الشحنات العسكرية – إن وجد – غير واضح، حيث إن المسؤولين فى أوروبا والولايات المتحدة ومن بينهم مسؤولو وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية رفضوا التعليق علناً بسبب حساسية هذه الشحنات. وتعتبر هذه الشحنات العسكرية للثوار، جهداً لتطوير خط إمداد لوجستي للمعارضة التي لا تزال مقسمة وغير متماسكة من الناحية العملية. وفي سياق مواز، جددت روسيا التأكيد على ان اتفاق جنيف الذي ينص على وضع خطة لتشكيل حكومة انتقالية ولمعالجة الازمة في سوريا هو السبيل الوحيد لانهاء النزاع المستمر منذ اكثر من سنتين. وتنص الخطة التي اقرتها مجموعة العمل حول سوريا «الدول الخمس الكبرى وتركيا ودول من الجامعة العربية» في جنيف برعاية المبعوث الدولي السابق كوفي انان، على تشكيل حكومة انتقالية تملك كامل الصلاحيات التنفيذية وتضم اعضاء في الحكومة الحالية وآخرين من المعارضة. وتدعو الى حوار وطني تشارك فيه جميع مجموعات واطياف المجتمع السوري، الا ان هذه الخطة لا تأتي على ذكر مصير الرئيس السوري بشار الاسد.
عواصم – «الاسبوع العربي»