أبرز الأخبارسياسة عربية

الخرطوم: الشوارع شبه خالية والحواجز تملأ الطرقات امتثالاً للدعوة إلى العصيان المدني

«المتاريس» تتحول إلى رمز للاحتجاجات في ضواحي الخرطوم

استجابة لدعوة العصيان المدني في السودان الأحد، بدأ المتظاهرون إقامة حواجز في طرقات العاصمة الخرطوم بينما أغلقت الأسواق والمتاجر أبوابها في مدن وبلدات عدة وبدت الشوارع شبه خالية. في حين أطلقت الشرطة الرصاص في الهواء لتفريق متظاهرين كانوا يحاولون نصب حواجز في الطرقات. وكان قادة الحركة الاحتجاجية دعوا إلى عصيان مدني يعم جميع أرجاء البلاد رداً على عملية فض الاعتصام بالقوة والتي أودت بحياة العشرات.
بدت الأحد شوارع العاصمة السودانية الخرطوم ومدن أخرى شبه خالية من المارة وحركة المرور فيما أغلقت المحال أبوابها امتثالا للدعوة التي وجهها قادة الحركة الاحتجاجية للقيام بعصيان مدني يشل مناحي الحياة في البلاد رداً على العملية الأمنية التي أودت بالعشرات في ساحة الاعتصام بالخرطوم، وحتى يقوم المجلس العسكري الحاكم بتسليم السلطة لقيادة مدنية.
وبدأت حملة العصيان بعد نحو أسبوع من الهجوم على المتظاهرين المعتصمين أمام مقر القيادة العامة للجيش، والذي أعقب انهيار المحادثات بين قادة الحركة الاحتجاجية والمجلس العسكري. واستجابة لدعوة العصيان المدني، أغلقت الأسواق والمتاجر أبوابها في مدن وبلدات عدة، فيما أطلقت الشرطة السودانية الرصاص في الهواء الأحد لتفريق متظاهرين كانوا يحاولون نصب حواجز في الطرقات.
وفي منطقة بحرية بشمال العاصمة السودانية، جمع السكان إطارات السيارات وجذوع الأشجار والصخور لإقامة حواجز. وقال شاهد عيان «هناك حواجز على جميع الطرق الداخلية تقريبًا ويحاول المحتجون إقناع السكان بالامتناع عن الذهاب إلى العمل». لكن شرطة مكافحة الشغب تدخلت سريعًا فأطلقت النار في الهواء والغاز المسيل للدموع على المتظاهرين قبل إزالة الحواجز المرتجلة.
وأكد تجمع المهنيين السودانيين، الذي كان أول جهة أطلقت الاحتجاجات ضد حكم عمر البشير الذي امتد لثلاثة عقود في كانون الأول (ديسمبر) الماضي، أن حملة العصيان المدني ستتواصل إلى حين نقل القادة العسكريين السلطة إلى حكومة مدنية.
وفي حي بحري، رأى شهود شاحنة للشرطة مليئة بأشخاص بلباس مدني لكن لم يكن من الممكن التأكد إن كانوا متظاهرين تم توقيفهم. ولزم سكان الخرطوم منازلهم بصورة إجمالية منذ الاثنين عندما هاجم عناصر باللباس العسكري مخيم الاعتصام وقتلوا العشرات.
وشوهدت مركبات عدة تابعة لقوات الدعم السريع، التي اتهمها شهود بتنفيذ الهجوم، تتحرك في بعض أجزاء العاصمة الأحد وقد ثبتت عليها رشاشات. وشوهد عناصر قوات الدعم السريع كذلك في محيط محطة الكهرباء الرئيسية.

خوف ورعب
وخيّم الخوف على سكان الخرطوم منذ الهجوم على الاعتصام الذي أسفر عن مقتل 115 شخصًا على الأقل، بحسب لجنة الأطباء المركزية المقرّبة من المحتجين. بدورها، تشير وزارة الصحة إلى أن الحصيلة بلغت 61 قتيلاً في أنحاء البلاد، 49 منهم قتلوا بالرصاص الحي في الخرطوم.
وألغت شركات طيران عدة رحلاتها إلى السودان منذ العملية الدامية وشوهد الركاب ينتظرون خارج مبنى المغادرة في مطار الخرطوم الأحد، رغم أنه لم يتضح إن كان هناك أي رحلات ستقلع خلال الساعات المقبلة. وأغلق الحي التجاري وسط العاصمة بمعظمه بينما توقفت الحافلات عن التوجه إلى أحياء عدة. إلا أن السيارات الخاصة واصلت نقل الركاب في بعض المناطق.

إغلاق الأسواق والمخابز
وفي مدينة أم درمان المجاورة على الضفة المقابلة من نهر النيل، بقيت الكثير من المتاجر والأسواق مغلقة لكن السكان شوهدوا في بعض المتاجر يشترون منتجات أساسية. وقال أحد الشهود «رأينا الجنود يزيلون الحواجز من بعض الشوارع في أم درمان».
وفي مدينة الأبيض (وسط)، أغلق السوق الرئيسي وتغيّب عدد من موظفي المصارف عن العمل، بحسب السكان.
وأما في مدني (جنوب شرق العاصمة)، شوهد السكان يصطفون خارج الأفران المغلقة بينما أغلق السوق الرئيسي كذلك. وقال أحد سكان مدني عبر الهاتف «توجهت إلى ثلاثة مخابز ولم أتمكن من شراء الخبز»، مضيفًا أن المتظاهرين نصبوا حواجز في شوارع عدة ما جعل من الصعب على المركبات المرور.
وكان قرار رفع أسعار الخبز بثلاثة أضعاف السبب المباشر الذي أطلق شرارة الاحتجاجات ضد البشير، قبل أن تتحول إلى حراك شعبي ضد حكمه. وبعد اطاحة الرئيس في نيسان (أبريل)، واصل المتظاهرون اعتصامهم لأسابيع في الخرطوم للضغط على العسكريين الذين تولوا الحكم، من أجل نقل السلطة. وبعد جولات عدة من التفاوض بين قادة الاحتجاجات والجيش، انهارت المحادثات في منتصف أيار (مايو).
ويقول الشهود إن الهجوم الذي تلى كان بقيادة عناصر قوات الدعم السريع التي تعد منبثقة عن ميليشيا الجنجويد المتهمة بارتكاب فظائع خلال الحرب الأهلية في إقليم دارفور في العامين 2003 و2004. وزار رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد السودان الجمعة في مسعى لإعادة إحياء المفاوضات حيث عقد لقاءات منفصلة مع ممثلين عن الجانبين دعا بعدها إلى انتقال «سريع» للديمقراطية.

«المتاريس» تتحول إلى رمز للاحتجاجات
ويقطع محتجون يرتدون قمصان «تي شيرت» وسراويل «جينز» طريقاً في إحدى ضواحي الخرطوم بواسطة الحجارة، قبل أن يسرعوا بالهروب لدى وصول شرطة مكافحة الشغب.
ويطلق عناصر الأمن بزيهم الأزرق النار في الهواء لتفريق الشبان الذين لا يلبثون أن يفروا إلى أزقة حي شبمات الشعبي في شمال العاصمة السودانية.
ويترجّل الشرطيون من شاحناتهم ويعملون على إزالة «المتاريس» من وسط الطريق بأيديهم ومن ثم بواسطة جرافة، ويضرمون النار في كل ما يمكن إحراقه من مخلّفات لتفادي استخدامه من قبل المحتجين.
لكن ما ان تغادر قوات الأمن حتى يعيد الشبان قطع الطريق.
ومع «الإضراب العام» تحوّلت المتاريس إلى رمز لـ «العصيان المدني» الذي أعلنته الحركة الاحتجاجية اعتباراً من الأحد ضد المجلس العسكري الانتقالي الذي يتولى السلطة منذ إطاحة الرئيس عمر البشير في 11 نيسان (أبريل). ويرفض قادة المجلس تسليم السلطة للمدنيين.
وبعد نحو شهرين من إطاحة الجيش الديكتاتور السابق، اتّخذ الصراع بين الحركة الاحتجاجية والقادة العسكريين منحى مأسوياً بعد الفض الدموي للاعتصام أمام مقر قيادة القوات المسلّحة في الخرطوم.
وتقول الحركة الاحتجاجية إن حصيلة القمع الدامي الذي تعرض له المحتجون في الثالث من حزيران (يونيو) بلغت 118 قتيلاً ومئات الجرحى سقطوا بغالبيتهم خلال عملية فض الاعتصام، فيما تقول السلطات إن الحصيلة 61 قتيلاً.

«حركة قط وفأر»
ومذّاك تشهد شوارع الخرطوم انتشاراً كثيفاً للشرطة. وأقفلت الأحد المصارف والصيدليات والمطاعم وصالونات الحلاقة والغالبية العظمى من المحال التجارية سواء بسبب الإضراب العام أو الخوف من أعمال العنف أو تعذّر الوصول إلى مكان العمل بسبب العوائق والمتاريس.
وفي أحد الأزقة يحاول شبان قطع الطريق بواسطة الحجارة وغيرها من العوائق.
ويروي أحدهم ويدعى خالد أبو بكر لوكالة فرانس برس «كنا قد أقفلنا الشارع ليلاً. جاؤوا (عناصر الأمن) وأطلقوا النار في الهواء».
ويتابع طالب الهندسة الميكانيكية البالغ 20 عاماً «فتحوا (الطريق) وأقفلنا وفتحوا وأقفلنا… في حركة قط وفأر»، مؤكداً أن «هذه المتاريس» ليست «موضوعاً شخصياً»، الهدف منها إعاقة التوجه إلى مكان العمل، ومضيفاً «لو لم نقم حواجز لكان يمكن للناس ان يذهبوا الى اعمالهم في شكل طبيعي».
ويهتف رفاقه من خلفه «السلطة للمدنيين» مرددين أحد شعارات الحركة الاحتجاجية.

«طريقة تعبير»
وتتوقف سيارة بيضاء أمام العوائق التي يرفض المتظاهرون إزالتها فيترجّل سائقها بهدوء.
ويقول إسلام زكريا البالغ 42 عاماً مواصلاً طريقه سيراً إن المتاريس ضايقته بادئ الأمر و«هي من ناحية مزعجة».
ويتدارك «لكنها (طريقة) تعبير الناس عما في داخلهم»، معتبراً أن ما من طريقة أخرى أمام الشباب للتعبير عن ضرورة تغيير الأوضاع.
وتعتبر السلطة أن من يقطعون الطرق يثيرون «الفوضى»، وقد دعا نائب رئيس المجلس العسكري الفريق أول محمد حمدان دقلو المعروف بـ «حميدتي» السودانيين إلى التعاون مع قوات الأمن لإزالة المتاريس من الطرق.
ويقود دقلو «قوات الدعم السريع» التي تّتهمها الحركة الاحتجاجية بشن حملة القمع ضدها. وهو اتّهم القيّمين على «العصيان المدني» بعرقلة سير الحياة اليومية للمواطنين.
وكانت «قوات الدعم السريع» التي يعتبرها البعض «نسخة جديدة» من ميليشيات دارفور شبه غائبة صباح الأحد في شمبات، لكن شهود عيان قالوا إنهم رصدو دوريات عدة لها في أنحاء أخرى من العاصمة السودانية.
ويؤكد فائز عبدالله البالغ 18 عاماً أنه غير مقتنع بما تقوله السلطات، ويقول أثناء انتظاره في طابور أمام أحد مخابر شمبات إن الطابور الطويل «ليس بجديد»، مضيفاً أن الطوابير بدأت تتشكل أمام المخابز عندما بدأت أزمة الرغيف التي «جعلت الناس ينزلون الى الشارع».
ولدى محاولة سائق عربة «توكتوك» عبور أحد المتاريس يتوجّه إليه أحد الشبان حاملاً عصا طويلة، لكن رفاقه يسارعون لاحتواء الوضع وتفادي التضارب عملاً بدعوات قادة الحركة الاحتجاجية الى التزام سلمية العصيان المدني.

فرانس 24/ا ف ب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق