تحقيقرئيسي

أطفال سوريا: ما احلى الرجوع الى المدرسة!

هل يتمكن الاطفال السوريون اللاجئون الى لبنان من الرجوع إلى مقاعد الدراسة؟
 في تقرير نشر حديثاً، أعلنت الأمم المتحدة وعدد من المنظّمات غير الحكومية أن الأطفال السوريين يعانون من تدهور واضح وسريع جداً في مجال التعليم لم يشهد الشرق الأوسط مثيلاً له.
صعوبات جمّة يواجهها هؤلاء الأطفال يتعلّق معظمها بنقص المقاعد الدراسية المتوفرة ومشكلات الأمن والفقر والتوتّر بين المجتمعات المحلية واختلاف اللهجات… وفي لبنان يحاول برنامج اليونيسف «الرجوع إلى تلقّي العلم» المموّل من الإتحاد الأوروبي أن يحدّ من هذه المصاعب، التي عرضها مركز معلومات الجوار الأوروبي مسلطا الضؤ على سبل ونتائج تطبيق برنامج اليونيسف في بعض مدارس منطقة البقاع، فهل سيتمكن حقا من انتشال هؤلاء الاطفال من بؤس وظلمة الحرب واعادتهم الى أمل ونور العلم؟!

 الأطفال السوريون يعانون من تدهور واضح وسريع جداً في مجال التعليم لم يشهد الشرق الأوسط مثيلاً له 

المكان: سهل البقاع، الساعة تشير إلى الثالثة بعد الظهر. ينتظر تلاميذ مدرسة الجراحية الحكومية في منطقة البقاع اللبنانية بفارغ الصبر بدء الدروس لفترة بعد الظهر. الموضوع هو مجموعة من الدروس الخاصة بالأطفال السوريين ضمن إطار برنامج «الرجوع إلى تلقّي العلم» المموّل من الإتحاد الأوروبي. يشرح السيد سيزار الفقيه، المسؤول عن شؤون التعليم في منظّمة اليونيسف في منطقة البقاع قائلاً:  «العدد المقدّر للأطفال السوريين في سن الدراسة في منطقة البقاع فقط يبلغ 65،000 منهم حوالي 25،000 لا يأبهون بالنشاطات المدرسيّة وبعضهم يعمل لإعالة أهله. يبقى إذاً حوالي 40،000 صبيّ وصبيّة سوريين أبدوا رغبتهم في التسجيل في المدارس الحكوميّة. إلاّ أنّ هناك فقط عشر مدارس تملك إمكانيّة قبول التلاميذ وإجمال ما يمكنها قبوله يبلغ 18،000 ألف تلميذ».

المدرسة في المخيّمات
كان الحلّ المناسب هو إعطاء دروس في فترة ما بعد الظهر من أجل تخفيف الضغط عن الدروس الصباحية العادية. بشكل إجمالي هناك التلاميذ الذين يتبعون الدروس العادية في الصباح وقد أدمجوا مع التلاميذ اللبنانيين، وهناك من يتبعون دروساً خاصة في فترة بعد الظهر في المدارس، وآخرون يستفيدون من برنامج التعليم المكثّف (ALP) في المدارس أيضاً، وأخيراً هناك من يعيشون داخل المخيّمات ولا يذهبون إلى المدرسة وهم فئة تسعى اليونيسف إلى الإهتمام بها.  هدف برنامج التعليم المكثّف (ALP) هو إتاحة الفرصة للأطفال الذين تركوا مدارسهم في سوريا كي يعودوا إلى مستواهم ويستعيدوا ما فات عليهم. كما يهتم البرنامج أيضاً بتعليمهم القواعد الأساسية للغتين الإنكليزية أو الفرنسية بغية دمجهم في المدارس اللبنانية. وعلاوة على ذلك أمّن البرنامج للمعلمين السوريين دورة من أسبوعين من أجل تحضير برنامج التعليم المكثف بالإشتراك معهم وسيطبق في حوالي ثلاثين مخيماً للاجئين السوريين في سهل البقاع.
يؤمّن برنامج «الرجوع إلى تلقّي العلم» – الذي يؤلّف برنامج التعليم المكثف جزءاً منه – الأقساط المدرسية للأطفال والكتب والقرطاسية وفي بعض الحالات وجبة طعام خفيفة. تقول السيدة أمينة قليط مديرة برنامج جمعية اقرأ، والمكلّفة من قبل اليونيسف بتنفيذ البرنامج: «علاوة على الشق التعليمي الصرف هناك شق نفسي – اجتماعي يستهدف الأهل وهو ذو أهمية قصوى لأنّ تغيير البيئة والفقر والعنف والإنتهاكات المتنوّعة خلّفت الكثير من المشاكل على هذا الصعيد. هناك عائلات بكاملها تعيش في غرفة واحدة أو تحت خيمة واحدة». هذا الشق يهتم بكل ما له علاقة بالصحة والتغذية والنظافة، وتضيف السيدة قليط «في الواقع لقد تمّ إنجاز الكثير من التقدم في هذا المضمار نتيجة لتوفير الدعم التربوي وإطلاق حملة للوقاية وحتى توزيع الشامبو والأدوية وغيرها من المستلزمات الضرورية للعائلات السورية».

 هدف برنامج التعليم المكثّف (ALP) إتاحة الفرصة للأطفال الذين تركوا مدارسهم كي يعودوا إلى مستواهم ويستعيدوا ما فات عليهم 

صبي ينسى معطفه لكي يبقى في المدرسة
غريتا تعلّم في مدرسة الجراحية الحكومية، في صفّها 27 تلميذاً، تجمعهم في دائرة حولها. يجب على كل واحد منهم أن يقول إسمه ثمّ يكتبه على قصاصة من الورق (كل حرف بلون مختلف) ويذكر عدد المقاطع اللفظيّة التي يتألّف منها. تشرح غريتا «بهذه اللعبة البسيطة يتعلّم  التلاميذ القراءة والعدّ ويتعرّفون على الألوان». بعد ذلك يبدأ التنوّع في التعليم: كما في لعبة «أتتجرّأ أم تقول الحقيقة؟» يتوجّب على الأطفال  السوريين أن يجهروا بمن يحبّون وبما يزعجهم وبماذا يبتغون الخ…
مجد، بابتسامته الماكرة، يتلو على غريتا قصيدة حب. أحمد يقول أنّه يحب طيّ الغسيل في البيت. آية تقول أنّها تعشق المجيء الى المدرسة ولكنها، مع ذلك، تأمل أن تعود إلى ديارها في سوريا لمتابعة دروسها.
تقول غريتا أنّها سعيدة جداً بالإهتمام بهؤلاء الأطفال الذين يُخشى أن يصبحوا جيلاً ضائعاً إذا لم ينكب أحد على تعليمهم. وهي تروي قصّة ذلك الصبيّ الذي كان ينسى معطفه كل يوم في المدرسة ليصعد ثانية لأخذه بعد انتهاء الدروس. وتضيف غريتا والدمعة في عينها «في كل مرة كان أهله يصعدون للمجيء به كانوا يجدونه نائماً في الصف. كان يفضّل البقاء في المدرسة على الرجوع الى البيت».

عبء النزاع
يعطي البرنامج أيضاً الكثير من الأمل للأطفال البالغين الاكبر سناً بقليل. في صف آخر هناك تلاميذ يبدأون بتعلّم اللغة الإنكليزية. منهم من بدأ يعمل في الصباح كي يتمكّن من متابعة صفوف ما بعد الظهر. عبء النزاع السوري أصبح يثقل كواهلهم. إنّهم يخافون التصريح بأسمائهم ويخافون فوهات الكاميرات خشية أن يتعرّف عليهم أزلام النظام الذين يتعقّبون أهاليهم. غير أنّهم بالرغم من المصاعب يدرسون باجتهاد وعزم كبيرين. محمد (يكتم اسمه الحقيقي) له من العمر أحد عشر عاماً. في الصباح يعاون أخاه الكبير في مزرعة في المنطقة. بالرغم من التعب وطول الطريق التي  يقطعها الى المدرسة فهو يساهم بنشاط في الدروس ويأمل أن يصبح مدرّساً للغة الإنكليزية في يوم من الأيام في سوريا.

عبء النزاع السوري يثقل كواهلهم، فهم يخافون فوهات الكاميرات كما التصريح بأسمائهم خشية أن يتعرّف عليهم أزلام النظام فيتعقّبون أهاليهم

يجب الملاحظة إلى أن هذا البرنامج الذي بوشر به أصلاً كحالة طارئة لتلبية إحتياجات اللاجئين سوف تجري متابعته لكي يكون تطوراً مستداماً يستهدف النظام التربوي اللبناني بوجه عام. وتؤكد السيدة ميريام عازار، الإخصائية في المواصلات المستعجلة في منظمة اليونيسف، أن «التدريب المقدّم إلى الموظفين والمعلمين سيرتد بالخير على مجموع الطلاب اللبنانيين، وجميع التجهيزات والأدوات التربوية المستخدمة ستبقى في المدرسة لاستعمالها بعد انتهاء الظرف الحالي»، وتضيف «إذاً هي استثمار طويل المدى لا يستهدف التلاميذ فقط بل يشمل الأهالي أيضاً الذين وجهت لهم الدعوة ليكونوا شركاء في هذا المشروع».
وفي هذا السياق، يؤكّد مدير مدرسة الجراحية رياض القادري، أن «سكان المنطقة، أكانوا من المواطنين الأصليين أو من البدو الرحل، هم من الفقراء. ويستفيد الطلاب اللبنانيون أيضاً من العطاءات والدعم الذي يوفره البرنامج». ومن أجل تأكيد هذا الكلام نادت السيدة أمينة قليط خادمة المدرسة التي كانت أميّة وأصبحت الآن بفضل هذا البرنامج تجيد القراءة والكتابة. تؤكّد هذه المرأة، وهي والدة لأربعة أطفال، «الآن عندما يتوجّب عليّ التوقيع أكتب إسمي بينما كنت في ما مضى أوقع بواسطة بصمة إبهامي»، وهي تشجّع أولادها الأربعة على الذهاب إلى المدرسة لتلقّي العلم.

«العودة الى المدرسة»
هدف برنامج اليونيسف للتعليم غير الرسمي هو توفير فرص التعلّم المكيّف لحاجات الأطفال الذين إضطروا لترك الدراسة بسبب الأزمة السورية.
يهدف المشروع إلى التحقّق من هوية 50،000 طفل ممن تركوا الدراسة وتسجيلهم في المدارس الإبتدائيّة التقليديّة، بينما هناك 150،000 طفل ويافع سيسجّلون في برامج التعلّم غير الرسمي من أصل مجموعة من حوالي 200،000 طفل تركوا الدراسة.
تشمل هذه العمليّة ست محافظات لبنانيّة لمدّة متوقّعة تبلغ عاماً واحداً، ما بين أيلول (سبتمبر) 2013 وآب (اغسطس) 2014.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق