سياسة لبنانية

المراكز العسكرية والأمنية القيادية: تقدم احتمال «لا تمديد… ولا تعيين»

نجح العماد ميشال عون في فرض معركة قيادة الجيش على الجميع الى حد أنها باتت تطغى على معركة رئاسة الجمهورية. كما نجح في إدخال تغيير على قواعد اللعبة بأن جعل من جهة خيار التمديد لقائد الجيش ليس محسوماً ومنتهياً وإن ظل الخيار الأقوى، وبأن جعل من جهة ثانية خيار التعيين لقائد جديد للجيش مطروحاً وإن ظل  خياراً صعباً ومحفوفاً بمخاطر عدم الاتفاق السياسي. كما نجح عون في أمر ثالث هو في جعل اسم العميد شامل روكز الاسم الأول المتصدر للائحة الترشيحات لقيادة الجيش ومحاولاً جعله وفرضه «مرشحاً وحيداً»…
إذا كان عون نجح في خلط الأوراق، أو على الأقل إحداث حالة بلبلة وإرباك على المستويين السياسي والحكومي وفي «لفت أنظار» خصومه وحلفائه وحملهم على أخذ موقفه في الاعتبار، فإن لا مؤشرات واضحة وحاسمة الى أنه سيكسب معركة قيادة الجيش والى أن معركته ستحقق هدفها الرئيسي وهو تعيين العميد روكز قائداً جديداً للجيش… أما إذا كان الهدف الرئيسي لمعركته هو إزاحة العماد جان قهوجي، فإن إمكانية تحقيقه لهذا الهدف ليست قليلة…
شعر عون بعد جولته، النادرة الحصول، على المرجعيات السياسية، والتي شملت تباعاً الحريري، بري، جنبلاط، أن هناك قطبة مخفية وتقاذفاً للكرة، وحيث كل طرف يرميها في ملعب غيره. سمع عون من الحريري عندما التقاه في بيت الوسط موافقة مبدئية صريحة على معادلة «عماد عثمان في مديرية قوى الأمن الداخلي مقابل شامل روكز في قيادة الجيش». وأبقى الحريري لنفسه هامشاً عندما نصح عون بالوقوف على رأي بري وجنبلاط في الموضوع بعدما تناهى إليه أنهما يحبذان التمديد للعماد  جان قهوجي… في عين التينة سمع عون كلاماً آخر من بري الذي أبلغه أنه ليس ضد تعيين العميد شامل روكز الذي يتمتع بالصفات المطلوبة، ولكن موقف الحريري ليس مع هذا التعيين وسمع عندما التقاه أنه يفضل التمديد في هذه الظروف وتأجيل التعيين الى ما بعد انتخاب الرئيس الجديد. أما عند جنبلاط، فإن عون لم يأخذ «لا حق ولا باطل» وخرج من عنده راضياً ولكن غير مرتاح. وجنبلاط لم يعترض على تعيين روكز قائداً للجيش ولم يؤيده، وبدا أنه يفضل «تعليق» موقفه للتنسيق لاحقاً في شأنه مع الرئيس بري.
لمس عون أن هناك «تلاعباً به» وتمييعاً للموقف، وأن الجميع يدفع باتجاه «التمديد»، وأن الموقف ذاته يتردد عند الجميع حلفاء وخصوماً بأن روكز هو من خيرة الضباط ولا مشكلة في تعيينه قائداً للجيش ولكن في حال لم يحصل اتفاق سياسي عليه وصار الخيار بين التمديد والفراغ فإن التمديد هو الخيار المعتمد من دون تردد لأن قيادة الجيش لا تحتمل فراغاً… وهذا الشعور دفعه الى تصعيد موقفه وإضفاء نبرة تحذيرية بأن «من يتركني سأتركه»… وكان حزب الله أول من تلقف رسالة عون ساعيا الى تهدئته وطمأنته من خلال لقاء جمع بين عون والسيد حسن نصرالله. لقاء لا يعقد إلا عند محطات مفصلية وأوضاع استثنائية وقرارات كبيرة.
ما تسرّب من هذا اللقاء وما تأكد، أن نصرالله أبلغ عون أنه معه في ما يريد من تعيين لقائد جديد للجيش ولكن الأمر ليس كله في يده، ناصحاً إياه بالتوجه الى الحريري وحشره سياسياً وزمنياً، لأن الكرة في ملعبه وهناك استحقاق قريب يعنيه ويتعلق بمديرية قوى الأمن الداخلي بعد شهر. هذا الاستحقاق هو المؤشر على حقيقة موقف الحريري وما إذا كان يريد تمديداً أو تعييناً، وعليه أن يقرر: فإذ اكان يريد تعيين مدير عام جديد لقوى الأمن الداخلي فإن الأمر ينسحب تعييناً لقائد جديد للجيش. وأضاف نصرالله مخاطباً عون: أما إذا كان الحريري يريد التمديد للواء بصبوص فإن لديك يا جنرال حرية اتخاذ الموقف الذي تراه مناسباً ونحن معك في أي موقف تتخذه حتى لو كان الانسحاب من الحكومة، وليعلم الحريري في هذه الحال أن ثمن التمديد سيكون الحكومة. (المفارقة هنا أن عدم التمديد للواء ريفي كان السبب الظاهر في سقوط حكومة الرئيس ميقاتي، وأن التمديد للواء بصبوص سيكون السبب الظاهر في سقوط حكومة الرئيس سلام).
المصادر الواسعة الاطلاع التي أوردت هذه المعلومات ترجح أن حزب الله أراد تحويل الأنظار والمشكلة من عون وموضوع قيادة الجيش الى «الحريري وموضوع قيادة الأمن الداخلي»، خصوصاً وأن هناك متسعاً من الوقت قبل أن يحين أوان طرح موضوع قيادة الجيش في أيلول (سبتمبر) المقبل، وأن هناك أيضاً أولويات أخرى أكثر أهمية الآن وعلى رأسها معركة القلمون… وتضيف هذه المصادر إن التمديد والتعيين يطرحان مشكلة وأن هناك أمرين يطرحان تسوية ومخرجاً: الأول هو قانون رفع سن التقاعد للعسكريين الذي ضاقت مهلته الزمنية ويجب إقراره قبل نهاية هذا الشهر، ولكن دون ذلك تعقيدات واعتراضات لأسباب تنظيمية ومالية… والثاني هو: «اللاتمديد… واللاتعيين» وعدم الاتفاق على أي منهما، ليصبح الحل الواقعي والطبيعي هو تكليف وتسليم الضابط الأعلى والأقدم رتبة في قوى الأمن وهو في هذه الحال العميد نبيل مظلوم وفي قيادة الجيش وهو العميد حسن ياسين…

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق