هل تفتح زيارة الراعي الى الجبل باب الحوار الدرزي – المسيحي؟!

زيارة البطريرك بشارة الراعي الى الجبل وتحديداً الى قرى قضاء عاليه (والتي رافقه فيها المطران بولس مطر والمطران بولس صياح وشملت 45 قرية وبلدة وشارك في أغلب محطاتها نواب المنطقة) كانت زيارة ناجحة، إن على مستوى التفاعل الشعبي معها إذ إنها زيارة راعوية قبل أي شيء آخر، وإن على مستوى النتائج والأهداف، إذ إنها زيارة تكريس المصالحة وتثبيت التعايش والعودة، وهي امتداد لزيارة البطريرك صفير التاريخية الى الجبل عام 2000 وتكمل ما بدأته.
السؤال المطروح ما بعد هذه الزيارة وما بعد طي صفحة الماضي نهائيا: هل يُفتح باب الحوار الدرزي – المسيحي؟! وماذا عن مستقبل العلاقة الثنائية؟!
اليوم ثمة سؤال تطرحه أوساط سياسية ترصد تأثر لبنان بتحولات المنطقة: أين الموارنة (والمسيحيون) والدروز مما يجري في لبنان وخارجه، رغم محاولات تحييده بسبب تركيبته الطائفية المتداخلة؟ والسؤال الذي يأتي خارج سياق الحوارات الدائرة حالياً في بيروت، لا يهدف إلى إعادة إحياء الثنائية التي أنشأت لبنان ما قبل الاستقلال، ولا إلى التعامل معهما كأقليات تبحث عن حماية ودور. بل هناك محاولة لتصويب مسار الحوارات في البلد، بحيث تعيد صياغة حوار شامل، لأن لبنان يتمتع بخصوصية لا تشبه أياً من الدول التي تجاوره، ولأن التحديات التي تواجهه لن تكون حكراً على الطرفين السني والشيعي اللذين يخوضان حواراً مباشراً في عين التينة عبر المستقبل وحزب الله بإدارة بري.
يعبّر النائب وليد جنبلاط، بزعامته الدرزية، عن قلقه وخوفه على الأقلية الدرزية في سوريا، ويسعى إلى تجنيبها مخاطر التناحر الديني والعسكري. وهو سبق أن رمى بثقله بعد 7 أيار (مايو) اللبناني لإبعاد الدروز عن خطر المواجهة الداخلية وتحييد «الجبل» بمعناه الطائفي، وليس فقط الجغرافي، عن حالة الانقسام بين 8 و14 آذار. في المقابل، ظلت الحركة المارونية خجولة، حتى وهي تتكثف تبقى محصورة في متاهات الرئاسيات أو المحاور السياسية الداخلية، كما يجري مثلاً بين التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية.
لكن الموارنة والدروز لم يتمكنوا، كل بمفرده أو حتى سوياً، من أن يردوا النقاش الداخلي إلى مكانه الحقيقي، رغم أن للطرفين المصلحة فيه، لأنهما المجموعتان الوحيدتان اللتان لا سند إقليمياً لهما. على عكس السنة الذين تقف مرجعيتهم الإقليمية على مقربة من لبنان، والشيعة الذين صارت مرجعيتهم الإقليمية في عقر الدار اللبناني والسوري. وللموارنة والدروز مصلحة في حوار حقيقي جدي حول مشاكلهما ومشاكل البلد، لأن لا مكان آخر لهم يلجأون إليه، وهم يتطلعون إلى مسيحيي سوريا والعراق يهربون إلى لبنان من الاضطهاد والقتل والتشريد، وإلى ما يجري في القرى الدرزية السورية، حيث الفظائع تطيح كل الأعراف والتقاليد والحرمات.
ثمة حقيقة قاسية تعيشها المجموعتان، وبدأت تظهر أكثر فأكثر مع اقتراب التحديات الإقليمية من الداخل اللبناني، بما يظهرهما وكأنهما مهمشتان، وهي أن الموارنة لم يخرجوا من حرب الإلغاء بعد، والدروز (والموارنة) لم يخرجوا من حرب الجبل التي يحاول المسيحيون عبثاًً طيّ خلافاتها وطيّ صفحة الأحقاد عبر حوار يتأرجح بين مد وجزر. والحرب الثانية دفع الموارنة ثمنها، لكن الدروز يدفعون أيضاً كل يوم ضريبتها الحياتية في الجغرافيا وبيع الأراضي والديموغرافيا والإنماء، حيث صار الجبل مطوقاً بين مجموعة من التحديات من الشمال والجنوب والغرب والشرق.
لكن الخطر الإقليمي الذي يحوط بلبنان، والذي بدأت جميع الطوائف تتلمسه، لا ينفع معه البقاء في أزمات الماضي وسلبياته وتبادل الاتهامات وتحميل المسؤولية للآخر، بل يفترض الذهاب إلى مكاشفة صريحة وواضحة وحوار مع جميع الطوائف والمكونات. لأن بقاء الموارنة والدروز خارج ما يجري من حوارات ومن سعي إلى التفتيش عن حلول للمشكلة اللبنانية على إيقاع التوازن السعودي – الإيراني، سيضاعف من حدة الأزمة الداخلية، ويترك أثره السلبي على وضع الطائفتين ومستقبلهما.