سياسة لبنانية

بدأ العد العكسي لـ «معركة القلمون»: القرار اتخذ… والتنفيذ خلال أيام

خلاف لبناني حول «الأسباب والنتائج»

كل المؤشرات والوقائع تدل الى أن معركة القلمون التي حكي عنها كثيراً باتت وشيكة وقريبة جداً في غضون أيام وربما في غضون ساعات. وهذه المعركة التي تعد بمثابة نقطة تحول على الأرض، والثانية من حيث الأهمية بعد معركة القصير، تهدف الى السيطرة الكاملة على منطقة القلمون السوري وطرد مسلحي المعارضة السورية الإسلامية منها. وهذه المنطقة تمتد من الزبداني الى عسال الورد ورنكوس وفليطا… أما أبرز المؤشرات والوقائع التي تفيد باقتراب موعد المعركة:
– إعلان حزب الله حال التعبئة العسكرية في صفوف مقاتليه وقيامه بحشد في منطقة البقاع الشمالي…
– وضع اللمسات الأخيرة على الخطط والاستعدادات اللوجستية والأمنية والمخابراتية.
– طلب إعلام حزب الله من محطات التلفزة ووسائل الإعلام الاستعداد للتوجه الى البقاع الشمالي لتغطية حرب ستكون قريبة جداً وكبيرة جداً.
وتفيد معلومات مصادر حزب الله أن الحزب استثمر الوقت المستقطع الممتد بين 15 شباط (فبراير) تاريخ إعلان السيد حسن نصرالله في خطاب ذكرى الشهداء القادة عن المعركة الحاسمة والفاصلة في جرود السلسلة الشرقية ونهاية نيسان (ابريل) موعد ذوبان الثلج، استثمر هذا الوقت في جمع وبناء قاعدة معلومات دقيقة جدا عن المنطقة ودراسة مسرح العمليات، وأيضاً في التدريب البشري والتجهيز اللوجيستي للمعركة استناداً الى التجربة والخبرة الميدانية المكتسبة في قتال الجماعات المسلحة. وحسب هذه المصادر فإنه بالتنسيق والتعاون بين الجيش السوري وحزب الله جرى تحديد الأهداف المطلوب استهدافها والسيطرة عليها، والحركة الميدانية للقوات وخطوط الإمداد والمهمات المطلوبة للاختصاصات العسكرية في المعركة، وجرى إعداد التشكيلات المطلوبة للعملية العسكرية وإجراء مناورات تحاكي السيناريوهات المحتملة لمعالجة أي خلل قد يطرأ لاحقاً. وتضيف المعلومات أن الإعداد لمعركة القلمون يفوق من حيث الإمكانات (العدة) والحجم (العديد) ما تم التحضير له في معركة القصير. والمعركة الآتية ستنطلق بهجوم من الجرود المقابلة لبريتال ونحله، ولكن طبيعة المعركة ستكون مختلفة عن معركة القصير تبعا لاختلاف طبيعة المنطقة من حيث أنها منطقة واسعة وطويلة ووعرة.
معركة القلمون تأتي في توقيت لافت: فهي من جهة تتزامن مع الحرب الدائرة في اليمن وتبدو جزءاً من حرب دائرة في «الإقليم العربي»، ومن جهة ثانية تأتي بعد نكسات أصابت النظام السوري في الشمال بعد استيلاء المعارضة على إدلب وجسر الشغور وتهديدها بالتقدم في اتجاه اللاذقية. ولذلك تبدو معركة القلمون وكأن من أهدافها تحقيق إنجاز ميداني يرفع معنويات النظام ويعوّض عليه ما خسره في الأسابيع الماضية… ولكن حزب الله يقول إن هذا سيكون إحدى نتائج المعركة ولكنه ليس من الأسباب والدوافع إليها. فالقرار متخذ في شأن هذه المعركة قبل أشهر والتنفيذ أرجىء الى الربيع، والسبب الأساسي الدافع إليها هو إبعاد خطر المسلحين والإرهاب عن المناطق المحاذية للحدود اللبنانية وتأمين هذه الحدود وقطع دابر التسلل الإرهابي الى الداخل اللبناني.
معركة القلمون تطرح، وحتى قبل انطلاقها، جملة تساؤلات ومخاوف تتعلق بارتدادات محتملة لها عسكرية وأمنية وسياسية على الداخل اللبناني:
– فهناك أولاً ملف العسكريين المخطوفين الذي تحتجزه «داعش» و«النصرة» كورقة تفاوض وابتزاز وتأمين…
– هناك ثانياً دور وموقع الجيش اللبناني في هذه المعركة التي يصعب ضبط إيقاعها وارتداداتها، إذ ليس معروفاً في أي اتجاه سيهرب المسلحون، في اتجاه الداخل السوري أو اللبناني عبر عرسال… ومعلوم أن الجيش يتخذ انتشاراً دفاعياً بعدما حسّن مواقعه وحصنها ووسع نطاق انتشاره صوب تلال استراتيجية في جرود القاع ورأس بعلبك، ودوره الأساسي يتمثل في الدفاع عن الحدود ومنع تسلل المسلحين الى الأراضي اللبنانية.
– هناك ثالثاً الموقف السياسي من هذه المعركة داخل الحكومة وعلى طاولة الحوار بين المستقبل وحزب الله. حزب الله كان عبر أمينه العام السيد حسن نصرالله دعا الى تنسيق مثلث الأضلاع بين الجيش اللبناني وحزب الله والجيش السوري، وكان وضع الجميع أمام مسؤولياتهم في هذه المعركة التي لا تحتمل مواقف رمادية… والمستقبل يدعم الجيش اللبناني ومهمته في جرود عرسال ولكنه لا يريده أن يكون طرفاً في أي معركة تدور خارج الأراضي اللبنانية أو أن يتورط ويستدرج الى تنسيق مع الجيش السوري النظامي..
– هناك رابعاً المواضيع والملفات العالقة والتي هي محور المواجهات والمعركة السياسية الداخلية وأبرزها ما يتعلق برئاسة الجمهورية وقيادة الجيش. ومن الواضح الآن أن كل هذه المواضيع مجمدة ومعلقة الى ما بعد معركة القلمون التي سيكون لها في ضوء مجرياتها ونتائجها دور وتأثير في تحديد وجهة هذه الملفات وميزان القوى السياسي الذي كان شهد تحسناً وانتعاشاً في مصلحة 14 آذار بعد «عاصفة الحزم» وما أنتجته من توازن جديد في المنطقة، ومعارك الشمال السوري وما أنتجته من بداية تغيير في الواقع على الأرض…
معركة القلمون بدأت «إعلامياً» منذ أيام ويتوقع لها أن تبدأ «عملياً» بعد أيام. هذه المعركة اقتربت ساعة الصفر فيها واكتملت التحضيرات والخطط العسكرية لها من قبل الطرفين، وباتت جاهزة للتنفيذ. وهذه التحضيرات تعكس الحجم الكبير للمعركة الممتدة على مساحة جغرافية واسعة وما تتطلبه من إمكانات ضخمة وخطط لوجستية معقدة ومن مهلة زمنية لحسمها تعد بالأسابيع وليس بالأيام. ولكن هذه المعركة الحدودية الفاصلة التي هي على تماس مع الوضع السوري في تطوراته العسكرية، لا سيما في الجنوب، وعلى تماس مع الوضع اللبناني في ارتداداتها الأمنية والسياسية عليه، أخذت تثير خلافات وتباينات حولها داخل لبنان وقبل أن تبدأ. وهذه الخلافات تتمحور حول نقطتين أساسيتين:
– الأولى تتعلق بأسباب معركة القلمون ووظيفتها وأهدافها: لماذا تقررت ولأي سبب وهدف؟!
حزب الله يضع المعركة في «إطار لبناني» طاغٍ محدداً هدفها في حماية الحدود من المجموعات المسلحة المتمركزة في جرود عرسال وتلك المقابلة لبلدة رأس بعلبك، وبالتالي إقفال الثغرة التي تشكلها المناطق الحدودية، ووقف تسرب وتغلغل «الإرهاب التكفيري» باتجاه الداخل اللبناني الذي كان شهد في أوقات سابقة تفجيرات وعمليات إرهابية، وفي أكثر من منطقة…
وأما تيار المستقبل فإنه يضع المعركة في إطار سوري معتبراً أن العامل الأهم الدافع إليها يتعلق بهزائم النظام وتراجعه في مناطق استراتيجية عدة، بحيث تكون السيطرة على القلمون بمثابة تعويض معنوي للنظام السوري، إضافة الى هدفها العسكري المتمثل بتوفير الحماية للعاصمة دمشق والمناطق المحيطة بها وتأمين طريق دمشق حمص والمناطق الممتدة بين ريف دمشق ولبنان. ويذهب «المستقبل» الى أبعد من ذلك بإسباغ بعد إقليمي على معركة القلمون ذي صلة بالتطورات التي حصلت في اليمن و«عاصفة الحزم» التي أتاحت للسعودية امتلاك زمام المبادرة والحد من الخلل في التوازن الإقليمي، وبالتالي فإن معركة القلمون ليست معركة استباقية ضد الإرهاب بقدر ما هي رد وقائي على المنحى الهجومي الذي بدأ في اليمن ويمكن أن يمتد الى سوريا.
– النقطة الثانية تتعلق بتقويم وتقدير نتائج وتداعيات وارتدادات معركة القلمون على الداخل اللبناني…
تيار المستقبل، مع حلفائه في 14 آذار، لا يخفي قلقه من الوضع الذي سينشأ بعد انطلاق هذه المعركة وما ستسببه من توترات وانعكاسات سلبية على الوضع اللبناني «الهش والدقيق» في غنى عنها. فهذه المعركة لا يمكن التكهن بمسارها بحيث يمكن أن تجنح في اتجاه الداخل اللبناني سواء عبر تسلل وهرب مجموعات مسلحة باتجاه عرسال، أو عبر عمليات قصف صاروخي لبلدات بقاعية… ولا يمكن التقليل من خطرها السياسي والطائفي. فمن جهة تؤدي الى إذكاء الاحتقان السني – الشيعي، ومن جهة ثانية تتسبب في توتير الأجواء داخل الحكومة وعلى طاولة الحوار في عين التينة، لأن حزب الله سيسعى الى الحصول على تغطية سياسية من تيار المستقبل تحديدا لهذه المعركة وعلى مساندة الجيش اللبناني لتأمين «ظهره»… وهذه كلها أمور دقيقة وحساسة تؤدي من جهة الى حشر المستقبل أمام جمهوره وفي بيئته التي تعيش حالة انتعاش بعد تطورات اليمن وسوريا، وتؤدي من جهة ثانية الى إحراج الحكومة التي ليست في وارد إعطاء الضوء الأخضر للجيش للانخراط في هذه المعركة أو للتنسيق والتعاون مع الجيش  السوري أياً كانت الظروف، وتؤدي من جهة ثالثة الى وضع الجيش في وضع دقيق على الأرض حتى لو حددت مهمته في التصدي للمسلحين إذا حاولوا التسلل والتقدم.
حزب الله من جانبه، يقلل من أهمية وحجم تداعيات معركة القلمون على الداخل اللبناني وانعكاساتها السلبية. هو يرى أن هذه المعركة تحظى بموافقة وتغطية دولية وإقليمية ضمنية لأنها معركة ضد الإرهاب، وأن قرار الحفاظ على الاستقرار في لبنان ما زال سارياً بالتلازم مع قرار ضرب الشبكات والخلايات الإرهابية… ولذلك فإن عملية تسليح الجيش تستمر وكذلك عملية الحوار بين حزب الله والمستقبل وفي ظلها الخطط الأمنية في كل المناطق.
حزب الله يعتبر أن المعركة اتية لا محالة وقريباً جداً، وأن الموقف اللبناني الرسمي والسياسي هو ضد الإرهاب وهذا قاسم مشترك كافٍ لتمرير معركة القلمون والحد من سلبياتها إذا وُجدت…

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق