سلام يفكر في «الاستقالة المحظورة»

عندما يسأل الرئيس تمام سلام عن الموقف الذي سيتخذه لا يؤكد ولا ينفي الاستقالة، ولكنه يبقي الباب مفتوحاً أمام كل الاحتمالات الواردة… وفي الواقع فإن فكرة الاستقالة هي الطاغية عند الرئيس سلام والأقرب الى عقله ومزاجه هذه الأيام. ولكن يبدو أن القرار ليس في يده وأكبر من أن يتخذه منفرداً… والرغبة في الاستقالة تقابلها عوامل وظروف تجعلها محظورة وممنوعة:
1- هناك أولاً الظروف الدستورية الواقعية التي تجعل أن الاستقالة في ظل الفراغ الرئاسي أمرا محفوفا بمحاذير وعقبات… فالاستقالة تواجه مجموعة كبيرة من الالتباسات المطلوب الإجابة عنها. لمن سيقدم سلام استقالته، التي تعتبر استقالة للحكومة بحسب المادة 69 من الدستور؟ ومن سيصدر مرسوم قبولها في غياب رئيس الجمهورية، لا سيما أن المادة 53 من الدستور تتحدث صراحة عن أن رئيس الجمهورية يصدر «منفرداً” مرسوم قبول الاستقالة؟ ثم، من سيكلف الحكومة بتصريف الأعمال ريثما يتم تشكيل حكومة أخرى؟ والأهم، من سيكلف الشخصية التي ستشكل الحكومة؟ وهل يمكن تخيل سيناريو تقديم رئيس الحكومة استقالته إلى نفسه بوصفه رئيساً لـ «مجلس الرؤساء»؟ وهل يحق لحكومة تصريف الأعمال الاستمرار في الحلول مكان رئيس الجمهورية؟ وإذا كانت السوابق تشير إلى أن الحكومات المستقيلة كانت تصرف الأعمال بوجود رئيس جمهورية وبوجود رئيس مكلف تشكيل حكومة أخرى، فهل يعقل الدخول في الاستقالة وتصريف الأعمال في ظل غياب أي أفق لتشكيل حكومة بديلة؟
2- هناك ثانياً النصائح الدولية مع وجود قلق عربي ودولي نقله سفراء الى رئيس الحكومة تمام سلام، أبرزهم الأميركي والفرنسي والمصري. وقد دعاه هؤلاء الى تجنّب خيار الاستقالة، مؤكدين له أن هناك ملامح حلول وتسوية في المنطقة يجب أن يستعد لها لبنان، وهي التسوية التي تنتظرها جميع الأطراف، فإما أن يكون الوضع الداخلي ممسوكاً فيستفيد لبنان من التسوية، وإلا فسيكون لتفجير الساحة الداخلية أثر سلبي سيدفع لبنان ثمنه. وشدد السفراء على «ضرورة أن تحافظ المكونات جميعها على الوضع وإبقائه على ما هو عليه في الفترة المقبلة»، محذرين سلام من «القيام بأي خطوة لا تُحمد عقباها، ويمكن أن تؤدي إلى فلتان الشارع».
وبعد اتصال ممثلة الأمين العام للأمم المتحدة في لبنان، سيغريد كاغ الموجودة في الخارج، بسلام، داعية إياه الى التريث في الاستقالة، طالبه السفير الأميركي في لبنان ديفيد هيل بعدم الإقدام على هذه الخطوة، نظراً الى أخطارها الإضافية على البلد والتي تدفع الى مزيد من الفراغ. وقالت مصادر مطلعة إن هيل أبدى قلقه من الخطوة معتبراً أنها تهدد الحد الأدنى من التماسك الداخلي، وذهب الى أبعد من الاستقالة فناقش مع سلام بالتفصيل ما يمكن أن ينتج منها في مرحلة تصريف الأعمال، معرباً عن قلقه من أن تغيب ضوابط الأزمة الموجودة حالياً وتنقل البلد الى أخطار جديدة. وذكرت هذه المصادر أن الجانب الأميركي يميل الى الاعتقاد أن المدة الفاصلة بين تحوّل الحكومة الى تصريف الأعمال وإيجاد الحل الجذري الذي يعيد العملية السياسية في لبنان الى مسارها الطبيعي، بانتخاب رئيس للجمهورية، قد تطول أشهراً.
3- هناك ثالثاً التحذير الذي وجهه أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله الذي دلت مقاربته للواقع السياسي أنه ينظر بريبة شديدة الى التطورات الحكومية الأخيرة، وفي الخلفية معطيات تحكي عن «حياكة» خطة ما لإطاحة الحكومة تبدأ باستقالة رئيسها تمام سلام. وهو ما دفعه الى هذه الحدة في الخطاب، والتصويب على تيار المستقبل وحلفائه، واعتماد لغة النهي: «لا تسقطوا الحكومة بأيديكم»، وتحذيره مما سماها «لعبة خطيرة»، ومن «أخذ البلد الى الفراغ.. فالمجهول». اللافت للانتباه أن نصرالله لم يخاطب تمام سلام، بل سمى تيار المستقبل بالاسم وكأنه يقول: «إن المشكلة هنا، وليست مع تمام سلام»، محذراً من التداعيات التي قد تنجم عن إطاحة الحكومة، وعلى قاعدة «إن كنتم تهولون علينا بلعبة حافة الهاوية، من خلال النفايات وغيرها، فثمة من هو مستعد لأن يلعب لعبة الهاوية ذاتها».
رفض الرئيس سلام الرد أو التعليق على كلام نصرالله، والذي حذر فيه من اللجوء الى الفراغ الحكومي، وقال: «أنا اعتدت ألا أساجل أو أرد على أي مرجعية أو قيادة سياسية، لكن المشكلة القائمة هي بتعطيل عمل مجلس الوزراء وليس بالتلويح بالاستقالة أو أي إجراء آخر».